عندما تلقى سعيد دعوة من صديقه للذهاب إلى السينما لم يكن يدري بماذا يجيب فهو لم يذهب إلى السينما منذ أيام المراهقة وبمشاغل الحياة لم يعد الذهاب إلى السينما مغرياً مثلما كان أيام الصبا كما أن كثرة ما يعرض من أفلام على التلفزيون تجعل المرء يملّ من الأفلام كلها. ولكنه تراجع عن رفضه أمام إصرار صديقه على إسترجاع أيام الشباب وذكرياتها, لم يسأل سعيد عن الفيلم الذي سيشاهده ربما لأن الأمر سيان عنده, دخل الإثنان إلى صالة العرض لأحد الأفلام العربية الجديدة، وما إن أطفئت الانوار حتى علا الصفير في القاعة بشكل يصم الآذان تعجب سعيد من الصفير لفيلم لم يبدأ بعد أم لعلهم لم يتعودوا على انقطاع الكهرباء والظلام في العالم العربي الذي لا تنقطع فيه الكهرباء أبداً!!! ام لعلهم يخافون من الظلمة فيحاولون تطمين أنفسهم بالصفير الله أعلم!! بدأ الفيلم بعد دقائق من إنطفاء الأضواء واخذ سعيد يركز محاولاً فهم سياق الفيلم وبدا يحس شيئاً فشيئاً أن الفيلم قصته مأخوذة بالكامل وحرفياً عن فيلم أمريكي وكل ما هناك أن الأسماء الغربية تم إستبدالها بأسماء عربية!! وفكر سبحان الله كل شيئ عندنا تقليد للغرب حتى افلامنا؟؟ وبينما هو في هذه الأفكار إذا بصوت الموبايل للشخص الجالس أمامه يرن ويرد عليه قائلاً بصوت مرتفع:
- أهلاً يا صديقي كيف الحال؟ أنا في السينما نعم هذا هم صوت الفيلم، ازعاج؟ لا لا.. خذ راحتك في الكلام.
وتكلم وتكلم كمثل مسؤول عربي في لقاء تلفزيوني كلام غير مفهوم ويبدو وكانه بلا نهاية حتى كاد سعيد يجّن ولم يفهم شيئاً من حوار الفيلم وأخيراً لم يستحمل فإنحنى بإتجاه الكرسي أمامه وقال:
- يا أخي لو سمحت أنهي المكالمة فلا أستطيع أن أفهم شيئاً من الفيلم بسبب كلامك.
ردّ عليه الرجل ببرود:
- يمكنك شراء تذكرة ثانية ومشاهدة الفيلم مرة أخرى كي تحفظ درسك والآن كف عن إزعاجي أريد أن أتكلم بالتلفون.
رجع سعيد إلى مكانه وهو متعجب من وقاحة الرجل وتابع مشاهدة الفيلم فجأة أحسّ بأشياء تدخل إلى أسفل عنقه من ياقة القميص مدّ يده فإلتقط قشر المكسرات من حب وفستق نظر إلى الخلف فرأى رجلاً يأكل المكسرات ويرمي قشورها كيفما اتفق، غضب سعيد وإلتفت إلى الرجل وقال:
- يا أخي رقبتي ليست سطل قمامة رجاءاً إنظر أين ترمي قشورك عيب عليك
فجأة مدّ الرجل رأسه إلى الأمام ومدّ يده إلى كرسي سعيد فكان أضخم ما رآه في حياته وكأن يد الرجل أعرض من الكرسي نفسه وقال لسعيد بصوت مرعب:
- هل لديك إعتراض؟
إرتعب سعيد وقال خائفاً:
- لا لا، أي إعتراض إرمي قشورك يا عزيزي اساسا الدستور ينص على حق المواطن في رمي قشور الحب اينما يريد والا ما فائدة الحرية والديموقراطية اذا ؟ واذا احببت خلّي أصدقاءك أيضاً يرمون قشورهم على رقبتي أصلاً الرقبة العربية عملت خصيصاً لإلتقاط القشور في السينما!!!.
غاص سعيد في كرسيه وحمد الله أن المسألة عدّت على خير وإستمر يشاهد الفيلم عندما أشعل صديقه سيجارة وأخذ ينفث الدخان إعترض سعيد وقال:
- عيب التدخين في السينما فهذا إزعاج للناس.
أجابه صديقه:
- سعيد إسكت يا سعيد إنت هنا للتحدث اما مشاهدة الفيلم؟. لاتتكلم.
- ولكن...
- صه... ولا كلمة عيب خصوصاً ان أهم مشهد في الفيلم سيبدأ الان.
- وما أدراك؟
- أنا شاهدت الفيلم 4 مرات حتى الآن.
- 4 مرات؟؟؟
- نعم والله وكلها لأجل هذا المشهد الذي ستراه الآن.
إنتظر سعيد المشهد التاريخي الذي أوقف الرجل أمامه المكالمة وقطعها على عجل وتوقف صاحبه عن التدخين وإمتنع الرجل من ورائه من تسميد رقبته فإذا بالمشهد عبارة عن بطلة الفيلم ترتدي لباس البحر ( المايوه ) في مشهد لا يزيد عن 30 ثانية.
تعجب سعيد من تفاهة هؤلاء الأشخاص وقال:
- هل وصلت التفاهة بكم إلى هذا الحد؟ تتركون أعمالكم وأسركم كي تشاهدون هذه الممثلة بالمايوه؟ وماذا سيفيدكم ذلك؟ ياليتها كانت تملك جسداً جميلاً على الأقل يستحق كل هذا العناء.
ولم يكد سعيد يكمل هذه الجملة حتى أحس بنفسه قد إرتفع في الهواء من مكانه بيد الرجل الجالس خلفه والرجل الجالس أمامه يضربه وإلتمّ رواد السينما كل يتبرك بضربه طلبا للثواب !! حتى جاء رجال الأمن وفكوا المظاهرة بالغازات المسيلة للدموع وعندما سأله الضابط في المخفر عن سبب المشاجرة قال سعيد:
- سيادة الضابط لو أني أعرف أن جسد هذه الفنانة أهم من القدس ومجزرة غزة وكل الكرامة العربية التي تهدر دون ان يتحرك أحد لما تطاولت عليها ولما وصفت جسدها بالبشع.
- أي ممثلة تقصد؟
- الفنانة ميمي يا حضرة الضابط.
وهنا إحمّر الضابط غضبا وقال:
- تتطاول على الفنانة ميمي يا كلب الفنانة ميمي أفضل منك ومن أهلك هذه رمز للثقافة العربية هذه الوحيدة التي توحد العرب حولها ونسو خلافاتهم الطائفية والقومية والسياسية هذه تستقبل في كل بلد عربي استقبال الرؤساء الفنانة ميمي بتلفون واحد تفك حبل المشنقة من عنق اي رجل , وانت يا تافه تعلق على جسدها ؟؟؟؟؟
يا شرطي إرموه في الحجز ووجهوا له تهمة إثارة الشغب والإخلال بالامن العام.
بقلم محسن صفار