الغزل العفيف في الشعر الشعبي في سورية
الغزل العفيف : هو غزل نقي طاهر ممعن في النقاء والطهارة ويسمى الغزل العذري أيضاً , وذلك لأنه نسب الى بني عذرة إحدى قبائل قضاعة التي كانت تنزل في وادي القرى شمالي الحجاز , ولم تقف موجة الغزل العذري لهذا العصر عند عذرة وحدها فقد شاع في بوادي نجد وحجاز وخاصة بين بني عامر وهذا الغزل العفيف السامي الذي يصلى المحب بناره
ويستقر بين أحشائه حتى ليصبح كأنه محنة أو أداء لا يستطيع التخلص منه ولا الانصارف عنه .
في هذا الغزل نجد لوعة المحبين وظمأهم الى رؤية معشوقاتهم ظمأ لا يقف عند ظمأ نحس فيه ضرباً من التصوف فالشاعر لا يتغنى بمعشوقته متذللاً متضرعاً متوسلاً فهي ملاكه السماوي وكأنها فعلاً وراء السحب و هو لا يزال يناجيها مناجاة شجية يصور فيها وجده الذي ليس بعده وجد و عذابه الذي لا يشبهه عذاب وتمضي به الأعوام لا ينساها بل يذكرها في يقظته ويحلم بها في نومه وقد يصبح كهلاً ولكن حبها يظل شاباً في قلبه لا يؤثر فيه الزمن ولا يرقى اليه السلوان حتى ليظل يغشى عليه بل حتى ليجن أحياناً جنوناً » ضيف : 360 : 1983«
إننا اليوم على صعيد الفعل لا نجد من يمثل الغزل العفيف بأقوالهم يتحدثون عن الشوق والألم واللقاء والعذاب فهذا الشاعر مخائيل عيد يتحدث في قصيدته » حب وطفر « عن شوقه ونجوى روحه بقوله :
وإن مر خيالك ع البال ومن بالي ما بتروحي
يبضج بصدري موال نغماته نجوى روحي
وعملتيني شاعر حب يجن الصبح بأشعاره
وبين الجد وبين اللعب شغلت ليله ونهاره
»عيد : 51:2000«
وللغزل نكهة مختلفة في ديوان » سومر « للشاعر عيسى أيوب يقول
برد الزيزفون
ما عادو الحبايب يلغو ع فيو الحنون
تركوا مطارحهن والهوى المجنون
ونسيو الزيزفون الحبايب
بعدت المسافة
ما بين المحبة والنسيان
وختير الزمان
وهربت من غابة الشعر القوافي
وبر الزيزفون .
» عيد : 48 :2003«
وفي فن » العتابا« نسمع الشاعر سليمان داود يتحدث عن نار المحبة
وعن النسيان وعن ضعف جسده بسبب الحب يقول :
النواهي اللي سلينا وانتهينا
انكوينا بنار حبهم وانتهينا
غدو حبابك ياقلبي وانت هينا
وحيد تنوح ع فراق الحباب
ويتابع أيضاً بنفس الفكرة مع ذكر الحنين يقول الشاعر سليمان :
النواهي خامرن عقلي وهن بيه
وجسمي من الهجر صاير وهن بيه
كل ما صبر قليبي وهن بيه
يعاودني حنيني ع الحباب
ويقول صالح رمضان في فن العتابا أيضاً متحدثاً عن أثر الحب
الأكواب بالأمس حلوة اليوم مرت
وبعيون ظلام الليل مرت
ياريتك من قبل ما متت مريت
وتسأل يا قبر وين الحباب ?
ويتحدث حدو سلوم عن بعد المحبوب في فن العتابا:
يا حادي إن رحت يمهم مر سايل
على اللي بهجرن سقوني مر سايل
أنا اللي ضليت اكتب مرسايل
لهلق ما أجي منهن جواب
وفي ديوان الشاعر ذيب النوح في الشعر النبطي نجد بعض القصائد التي بالغزل العذري في قصيدة » الترف« يتحدث عن عذاب الحب وشوقه :
يالترف يلي لعذابي تمنيت
وعذبت روحي بهواك العنيدي
يا شوق أنا من زود شوقي ترجيت
أرجالك ثم أجاك تفهم نشيدي
القلب يهوا قربكم وانت عييت
وقلت السلامة بعدكم يا وديدي
وحاولت للنسيان مدري تناسيت
ولقيت روحك ساكنة بوريدي
وفي مجموعة الشاعرة فاطمة غيبور » صرخة مقاوم« قصيدة بعنوان :» حب عذري« تقول متحدثة عن بعد الحبيب.
يا حبيبي لا تسافر وتترك عيوني حزينه
آني بعدك أقضي حاير وروحي بسجونك رهينه
لو قالوا عنك نسينا ما يغيرنا المشيب
* * *
قالوا انسي يا حزينة حبك الغالي بعيد
قلت لا باشر يجينا والبس الثوب الجديد
الدم ما ينسى الوريد الشمس لوحنت تغيب
* * *
هكذا وجدنا الشعر الشعبي في غرض الغزل العفيف يتحدث عن الشوق و العذاب الانتظار ويناجي الأرواح وحديث الروح والانتظار حتى الموت وربما يكون الانتظار في القبر كما تقول فاطمة :
لو نفذ في يوم صبري لو متت وأنت ما تدري
خبر الخلان عني وحط وردة فوق قبري
قلهم والحب عذري انتظرتك جوا قبري
كل دمعاتي البكيتا ذابت بلحظات عمري
ولو غبت عني بحياتي عن ثرايا لا تغيب
غيبور-66 : 2003
- اذن فالحب العذري جفاء وصفاء وفراق ولقاء وهجر وعتاب , والشعر الشعبي بذلك يكون الترجمان لأحوال الشاعر أو الشاعرة يعبر عن خلجات نفسه وآماله وينطق ب اختلاف مشاعره , ولكن في هذا الزمن يصعب أن نجد شاعرا« يعيش الحالة العذرية وذلك لاعتبارات كثيرة , وكأن الحب العذري أصبح عملة غير صالحة للتداول ومع ذلك ربما يعيش الشاعر الحالة الفنية والحالة الواقعية ويتجسد الحب العفيف في أقواله وأفعاله .
ويبقى الحب لعفيف في غزل الشعراء حاملاً الروحانية والتصوف و يجسد حديث الروح بين العاشقين وكلما زاد احتراق العاشق شمخت القصيدة بصدقها وجوهرها وفنيتها , ولعل الآلام هي الطريق الى الابداع في بعض الأحيان ومع الوصال يخمد الحب والشعر .