دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: نبوغ( نبوغ خارق) 3/2/2011, 10:24 | |
| نـــبـــوغ
كانت جالسة على كرسي صغير , كي تستطيع ان ترى ما يكتب مازن ذو السنوات العشر , و الذي كان في الصف الخامس , على طاولته الصغيرة , عندما تملى عليه درس الاملاء , حين وقع نظرها على محمد و هو يكتب في زاوية من الغرفة منبطحا على الارض و قد انشغل بالكتابة على ورقة امامه , نظرت اليه بحنان و سألته بلطف : - ماذا تكتب حبيبي ؟؟ لم يجبها لأنه منشغلا بما يكتب , كان في الثالثة من العمر , وسيم جدا , اضافة الى ذكاءه المثير للانتباه , كان كثير السؤال , كثير الحركة , لديه طاقة اكثر مما لدى غيره من الاطفال الذين في عمره, انقضت نصف ساعة حتى انهى مازن الواجب , ذهبت الى المطبخ لتحضر طعام العشاء حيث ان والدهم سيصل بعد حوالى ساعة , بعد حضور الوالد اجتمعت الاسرة الصغيرة حول طاولة المطبخ التي امتلأت بصحون الطعام , مازن ابدى عدم رغبته بالأكل , اغتنم محمد الفرصة و استولى على حصة مازن وأكمل تناول الطعام بشراهة حتى تلطخ وجهه مما اثار ضحك والديه لكنه لم يهتم بل اكمل عمله دون مبالاة , بعد ان انتهى الجميع من تناول طعامهم , نقلت الصحون الى المطبخ و طلبت من مازن ان يغسل اسنانه لكنها وجدت محمد قد سبقه والفرشاة بيده فقالت له مشجعة : - احسنت محمد , دائما سباق بكل شئ و قالت لمازن : - انظر الى محمد كم هو مواظب مضى من الوقت ربع ساعة فطلبت من ولديها التوجه الى سريريهما , بعد ان وضعت كل منها في سريره و قبلتهما على جبينيهما اطفأت الضوء و اغلقت باب غرفتهما , ذهبت الى المطبخ و احضرت صحن فاكهة وضعته امام زوجها .. جلسا قليلا يتابعان ما يعرضه التلفاز , نهض الزوج قائلا انه متعب و سوف يخلد الى النوم , سألها ان كانت ترغب في النوم فاجابته بالنفي و قالت انها سوف تكمل بعض الاعمال المنزلية , و بما ان الطفلين كانا نائمين فقد ذهبت الى الصالة كي تنظفها , وقع نظرها على ورقة مطوية و مرمية في زاوية الغرفة فحسبت انها الورقة التي كان محمد يكتب عليها حين كانت تملى درس الاملاء على مازن , التقطتها من الارض و فتحتها , لكنها صعقت ! معقول ! يا الهي .. هل ان محمد قد كتب هذا ؟ نفس الكلمات التي املتها على مازن , لم تصدق ما ترى ! نظرت الى ما كتب مرة بعد اخرى , دون ارادة منها , ذهبت الى حيث ينام لتسأله , كان نائما , لم يهن عليها ايقاظه من النوم رغم انها لا تستطيع الانتظار حتى الصباح .. اخيرا , ذهبت الى فراشها لكنها لم تستطع النوم , ظلت تفكر , هل يعقل ان محمد قد كتب هذا بمفرده و دون ان يعلمه احد , هذه الكلمات مكتوبة دون اغلاط ؟ يا الهي , هذا النابغة الصغير في الثالثة فقط من العمر , ليت اباه لم يكن نائما لتخبره بالامر , ضلت تفكر وتفكر حتى بانت خيوط الفجر , بعدها غطت في نوم عميق , عندما استيقظت من النوم وجدت رسالة من زوجها يقول فيها ( على خلاف عادتك لم اجدك مستيقظة بل كنت تغطين في نوم عميق لذلك لم اوقظك , تناولت افطاري قبل خروجي , لا تنسي ايقاظ مازن ليذهب الى المدرسة ) اسرعت الى مازن لتوقظه بينما كانت تنظر الى محمد الذي كان ما يزال نائما , غير مازن ملابسه بينما كانت تعد له الطعام , وضعت له طعاما في حقيبته اثناء تناوله الطعام , بعد دقائق كانت بالباب تنظر اليه وهو يركب الحافلة التي توصله الى مدرسته ,عادت مسرعة لتجد محمد قد استقيظ من النوم ..بدأت تلاطفه و تسأله و هي تعرض عليه ورقته : - عزيزي ما هذا .. من كتبه .. هل كتبته انت ؟ اشار برأسه ليؤكد لها انه من كتبها , ما زالت غير مقتنعة بالرد , اخذته الى المطبخ و قدمت له طبق البيض المفضل عنده ثم شرب الحليب مع البسكوت , بعد ان انتهى من تناول الافطار كان يريد ان يغادر المطبخ لكنها امسكت به قائلة : - محمد حبيبي دعنا نلعب لعبة الامس , انا املي عليك الكلمات وانت تكتبها , موافق ؟ حرك رأسه مرة اخرى بالموافقة , احضرت قصة اطفال هذه المرة و معها اوراق و قلم رصاص , جلست بجانبه تملي عليه قصة ليلى والذئب , كم كانت دهشتها كبيرة حين وجدته يكتب دون اخطاء , كادت ان تصرخ لكنها تمالكت نفسها و استمرت تملي باقي القصة عليه و هو يكتب دون توقف , اخيرا , و بعد انتهاء القصة سمحت له بالمغادرة , غادر المطبخ بينما باشرت هي اعمالها المنزلية , لكنها لم تستطيع عمل اي شئ , عند الظهيرة و حيث كان الاب يذهب الى مدرسة مازن ليحضره معه الى البيت اتصلت به و طلبت منه ان يحضر لهم طعام الغداء من احد المطاعم , استغرب كثيرا لان زوجته لا تحب اكل السوق لانها بارعة بالطبخ و توقع ان هناك أمر ما , توقف عند احد المطاعم و اشترى وجبة الغداء و توجه الى البيت , حين وصوله البيت سألها عن تصرفها الغريب هذا فقالت دعنا نأكل اولا , جلسوا الى طاولة الطعام ليتناولوا غدائهم , كان الاثنان قلقين , الام لا تعلم كيف تخبر زوجها , الاب لا يعلم ما الامر , بعد ان فرغوا من تناول الطعام اخذت محمد الى فراشه من اجل قيلولة الظهيرة بينما ظل مازن يتابع افلام الكارتون , هنا طرحت الامر على زوجها واخبرته عما وجدت و كيف كان محمد يكتب بسرعة و دون اخطاء , ضحك الزوج , وضع يده على جبينها و سألها ان كانت محمومة فاجابت بالنفي و انها جادة فيما تقول , طلبت منه الانتظار حتى يستفيق محمد من النوم , احضرت الاوراق التي كتب عليها محمد القصة , بقي الاب حائرا , تصفح الاوراق حتى شك انها لمازن , سأله ان كانت هذه اوراقه فاجاب بالنفي , انتظر كثيرا حتى استيقظ محمد من النوم , و رغم ان محمد لم ينم كثيرا لكن الاب شعر انه انتظر لساعات طويلة جدا , عندما سمع صوته هرع اليه و احتضنه , اخبره انه سيملي عليه قصة ليكتبها فاجاب كما يفعل دوما و اشار برأسه دلالة الموافقة , املى عليه قصة اخرى , كاد الاب ان يجن لان محمد كتب كل شئ دون تردد حتى انه فاق في الكتابة اخاه مازن وسط دهشة والديه و استغرابهما الشديد , بعد ايام قليلة كان محمد يحل المسائل الحسابية لاخيه مازن , دهشتهما كانت لا توصف , تشاورا كثيرا في الامر , هل يمكن ان يخبرا الاخرين بما يفعله طفلهما ذو السنوات الثلاث ام لا ؟ ماذا سيكون موقف الطفل ؟ اشياء كثيرة خطرت في ذهنيهما و من ضمنها موقف اجهزة الاعلام اذا ما وصلها الخبر ؟ هل سيؤثر هذا على حياته , تجادلا كثيرا في مختلف الامور , الاب كان فرحا و يريد اعلان الامر بسرعة على العكس من الام التى كانت ترفض بشدة و لا تريد لابنها ان يفقد طفولته البريئة , تولى الاب تدريس طفله اللغة الانـجـليزية بينما كانت الام تحتج على سلوك زوجها بقوة مطالبة اياه ان لا يضغط عليه و يتركه يلعب كباقي الاولاد , لكن لا جدوى فالاب مستمر بالتدريس من جهة , و من جهة اخرى اخبر جميع الاهل و الاقرباء و كان يدعوهم و يطلب من محمد ان يكتب و يقرأ امامهم , بعد بضعة اسابيع اصبح محمد قادرا على ان يكتب باللغة الانـﮕـجليزية بمهارة و يتكلمها ايضا , احد الاصدقاء اقترح على الاب تعليم محمد استخدام الكمبيوتر لانه بالتأكيد سيتعلم بسهولة , و فعلا هذا ما حصل حيث تعلم محمد الصغير استخدام الكمبيوتر بشكل جيد و سريع ما ابهر الجميع , مضت حوالى سنة على هذه الحال اجرى محمد خلالها عشرات اللقاءات الصحفية و التلفزيونية حتى اصبح حديث الناس , مرت سنة و محمد متوزع بين اللقاءات و الدعوات تلاحقه الاسئلة و لم يستطع ان يتمتع بطفولته ابدا لانه كان محاصرا في كل مكان يذهب اليه , ازعجه هذا الوضع جدا بحيث كان يبدو واضحا على وجهه و امه تزداد حزننا على حاله , في احد الايام وصلت الى والده رسالة من احد اقربائه في امريكا يدعوه فيها الى احضار محمد اليهم , فرح الاب بالدعوة و ظل لاسابيع يراسلهم بينما ازداد خوف الام و قلقها على طفلها , بعد فترة عاد الاب الى بيته و الفرح يبدو
على وجهه و اخبر زوجته انه حصل على تأشيرة دخول
امريكا و وصلته بطاقتا سفر بالطائرة له و لمحمد , صرخت الزوجة بوجهه قائلة : - و ماذا عني و عن مازن , هل سنبقى هنا ؟ و كيف اترك ابني , من قال اني اريد ان يذهب الى هناك .. حاولت اقناع الاب بموقفها و قالت انها متمسكة بطفلها و لن تتركه ابدا , صدف ان مازن قد تعرض لاصابة اثناء التمارين الرياضية في المدرسة و نقلوه الى المشفى فاتصلت ادراة المدرسة بالام و اخبرتها بالامر , تلقت الام هذا الخبر بفزع و سارعت لتخبر زوجها لكنه قال لها انه يحضر اجتماع عمل لا يمكن تركه و طلب منها الذهاب بدلا عنه على ان تترك محمد عند الجيران , فعلت الزوجة ما طلبه زوجها و توجهت الى المشفى , بعد وصولها بقليل اتصل بها زوجها فأخبرته بحال مازن و ان الاصابة طفيفة و لا خطر منها , سألته ان كان قد انهى اجتماعه فرد عليها بالايجاب و قال لها انه قد اخذ محمد معه الى مدينة الملاهي ليخفف عنه تأثير صدمة اخيه , طلبت منه ان يأتي الى المشفى ليصحبها مع مازن الى البيت فأخبرها انه في الطريق اليهم , تأخر الزوج كثيرا , كلما حاولت الاتصال تفشل , قلقت بشدة الى الحد الذي دفعها لتطلب من طبيب المشفى السماح لها بمغادرة المشفى مع مازن فوافق الطبيب على طلبها , اسرعت الى بيتها فلم تجد زوجها و لا ابنها محمد لكنها فوجئت برؤية الملابس مالظلم والطغيانرة في كل مكان , رباه ! مجموعة من ملابس محمد وملابس زوجها غير موجودة , اصابها الجنون لهذا الموقف , اتصلت بجميع المعارف و الاصدقاء تسألهم عن زوجها و ابنها لكن دون جدوى , غرقت في دوامة البكاء المتواصل حزنا على طفلها , بكت كما لم تبكِ ام على طفلها , اخيرا , عرفت من احد اصدقاء زوجها انه قد سافر الى امريكا مع محمد , جن جنونها , لكن , القانون لا يمنع الاب من اخذ اطفاله من غير موافقة الام لكن ذلك لا يشمل الامهات , حاولت المستحيل , بعد حوالى شهر , و بتوصية من اخت زوجها اتصل بها , لم تصدق , اجهشت بالبكاء و طلبت منه ان تسمع صوت محمد , لكنه اجاب انه لم يتمكن من رؤيته منذ وصولهم , كاد ان يغمى عليها , حين سالته ماذا يعني بكلامه , اجابها ان محمد في امان و تحت رعاية احدى اكبر المؤسسات العلمية هناك فصرخت و اتهمته بأنه وحش عديم المشاعر و انه باع ابنه ليكون حيوان تجارب من اجل الحصول على المال و الجنسية الامريكية , رد عليها متهكما انها نموذج لعقلية شعوب العالم الثالث المتخلفة و عرض عليها ان تتزوج غيره لتنجب طفلا جديدا يشابه محمد في ذكائه , الحقيقة ان محمد كان قد ورث الكثير من صفات امه حيث انها كانت ذكيه جدا في مجال الريضايات و تحفظ القصائد فور سماعها و لا تحتاج للعودة اليها مرة اخرى و كذلك بالنسبة لبقية الدروس , في كلية الهندسة كانت من المتفوقات في دراستها , بعد السنة الاولى في الجامعة تعرفت على زوجها حيث كان يطلب منها كراساتها والمحاضرات التي كانت تكتبها اضافة الى طلب مساعدتها في المشاريع الدراسية , توطدت العلاقة بينهما لتنتهي في السنة الثالثة باعلان خطوبتهما بشكل رسمي ثم زواجهما في السنة الثانية بعد التخرج , رغم معرفته بتفوقها و نبوغها , الا انه فرض عليها ملازمة البيت و تكفل هو بالعمل , بعد ولادة طفلها الاول مازن استطاع الزوج ان يفتتح مكتبا خاصا للاعمال الهندسية , مع هذا , لم يسمح لها بالعمل في المكتب بل كان يطلب منها ان تساعده و هي في البيت , شيء ما كان يخيفه من ظهورها في الصورة , او بالاحرى , كان يشعر بالغيرة منها , و حين علم الجميع بقصة محمد الصغير كانوا يرددون ان هذا الطفل قد ورث نبوغ و الدته و ذكائها المعروف , كان يشعر بالتعاسة عند سماعه ذلك , لقد حصل على الجنسية الجديدة و حقق حلمه القديم حتى انه لم يهتم بمصير طفله الصغير و لم يفكر بمصير ابنه مازن , فجأة , سمعت صوت زوجها : - هل انتي نائمة ؟ لم يسبق ان رأيتك هكذا , يبدو انك مرهقة , هل انت مريضة ؟ فتحت عينيها بصعوبة و نظرت اليه مندهشة , قالت : - ماذا ؟ اين انا - سلامتك , هل انتي بخير ؟ سأوصل مازن الى مدرسته في طريقي و لكن انتبهي لمحمد - محمد صرخت بوجهه فقال لها مستغربا : - نعم محمد , ما بك ؟ لم تصدق ما تسمع , هل كانت تحلم , شعرت بوجود شيء ما في قبضتها , فتحت كفها , سقطت منها الورقة , ورقة محمد التي وجدتها في زاوية الغرفة , كانت دهشتها كبيرة , خليط من مشاعر الفرح و الخوف , اسرعت الى غرفة محمد , كان نائما , لم تتحمل الانتظار حتى يستيقظ فاحضنته و غلب عليها البكاء , فتح محمد عينيه و شاهد دموع امه المنهمرة , رفع يده الصغيرة و مسح دموعها قائلا : - لماذا تبكين يا امي - لا شيء حبيبي , هل كتبت هذا فتحت الورقة امامه فاجابها بحركة من رأسه كما فعل بالحلم , قالت له محذرة : - هذا سيبقى سرا بيننا , لا احد غيرنا يعلم به , لا تكتب سوى امام ماما , موافق ؟ نظر اليها قليلا ثم اجاب بحركة من رأسه , نعم , لكنها كانت تفكر مع نفسها , ترى كم من الوقت يمكن ان تخفي هذا الخبر , وهل هو فعلا بهذا النبوغ؟ و هل تستطيع ان تحمي ابنها ؟؟؟
بقلم انوار صفار
عدل سابقا من قبل دكتورة.م انوار صفار في 11/3/2013, 22:44 عدل 7 مرات | |
|