مقال بذور الشخصية
للأستاذة ناعمة الهاشمي
قوة الشخصية والثقة بالنفس:
عندما يهبها لنا الآخرون، وعندما نغمر بها بكل حب وعناية،
ميلاد الثقة، وعنفوان القوة، وامتداد البصر إلى مساحات النور الهائلة، لنرى ذواتنا وقد استقرت اعلى جبل يكتسح السماء ويتجاوز في علوه السحاب، ويقف شامخا،
القوة، ميلاد ينبع لحظة أن تلتحم عينانا بأول عينين، في هذه الدنيا، عندما نبصر الحب في تلك العيون، ونعلم اننا جئنا إلى وجود يرحب بنا افراده، واننا مصدر سعادة وغبطة لمن حولنا تتشكل أول بذور القوة، والثقة في الذات،
تلك العينين التي تتعلقان بنا، وترمقنا بدهشة، وحب وحنان، وتضمنا إلى صدر دافئ آمن، فيغمرنا شعور بالسكينة، وفهمنا في الإدراك أو اللاإدراك يخبرنا أن ثمة من يحبنا، ويسعده قدومنا، إنها أول الأضواء، واجمل الآمال لمولد شخص ذا بريق قوي وذا ثقة.
فقوة الشخصية وإن حاولنا أن نفصلها عن الماضي، لا تكاد تنفصل كثيرا، لكن علاجها سريع وفعال،
إن الماضي الجميل، والتكوين المبدئي لعمر الجنين وهو في بطن امه يشكل ملامح القوة التي سيولد بها، فالعلماء يؤكدون أن الجنين يستشعر بشعور والدته، ويسمعها، وهذا يعني انه يدرك إن كانت سعيدة، ام لا، وإن كانت تعاني أو انها على مايرام،
والمرأة التي تعاني كثيرا في شهور حملها من الإهمال والحرمان العاطفي من قبل الزوج، فإنها تلد اطفالا قليلوا الثقة في انفسهم، وعندما تتذكرين عزيزتي المتدربة، وعندما تتأملين من حولك، سترين كيف ان بعض الأطفال يولدون أقوياء الشخصية والبعض الآخر ضعفاء، لنفس الأبوين، بسبب مراحل الحياة الزوجية المختلفة، فقد وجد ان هناك نسبة كبيرة من الأشخاص الأوائل في العوائل يولدون بشخصية جيدة، قياسا بغيرهم، والسبب انه في بداية الزواج يميل الرجل إلى العناية بالزوجة، كما يميل إلى تدليلها في أول حمل لها،
فيما لوحظ أيضا أن هناك نسبة كبيرة من الأطفال يولدون بشخصية ضعيفة عندما تمر الأم في فترة الحمل بمنغصات ومشاكل مع الزوج،
ولهذا ينصح الخبراء وعلماء النفس المتخصصين، بالمحافظة على جو من المحبة والألفة، وعلى العناية بالحامل عاطفيا في فترة الحمل على وجه الخصوص.
وتجدين الناس يقولون للزوج، لا تنرفزها، ابنك في بطنها، ..........!!!!
الأم الراغبة في الأنجاب، والمتحمسة، تتحسس بطنها كثيرا، وتحافظ على نفسها، وتهتم بما تأكل، وتسترخي لتأمن علي جنينها، وهذا يؤثر تلقائيا في الطفل، ويسعده، ويساعده على تكوين مشاعر إيجابية نحو الحياة، فيولد شخصا متفائلا، قويا، ونوعا ما عنيدا على الحياة فلا تقهره الظروف الصعبة بل يقهرها.
الأم التي لا ترغب في الإنجاب، تتعامل مع الجنين، بنوع من اللا مبالاة إن صدق التعبير، وتحاول أن تمضي في ايام حملها، بشكل طبيعي، وكأنها غير حامل، وكلما سنحت الفرصة فإنها تتذمر وتشكوا حظها الذي دفعها للحمل في الوقت الذي لا تراه مناسبا، ثم قد ترحب به بعد الولادة، هذا الطفل يولد بميول عدواني نحو الآخرين، ويضرب الأطفال بلا سبب، وتجدينه يمشى بطريقة خاصة، فيها نوع من البلطجية إن صح التعبير،
أو قد يصبح على عكس ذلك فإن استمرت والدته في رفضه حتى بعد الولادة، يصبح انطوائيا، صامتا معظم الوقت، ولا يعرف ما يقول، بل لا يجد ما يقول،
هنا يصبح لدينا نوعان من ضعاف الشخصية، الشخص العدواني، والشخص السلبي، العدواني يؤذي الآخرين ولا يمكن التعامل معه بهدوء، والانطوائي السلبي يعرض نفسه للاستغلال.
الأم وبذور الثقة النفسية:
1- عندما ترينه للمرة الأولى، ويوضع فوق صدرك، فتضمينه وأنت لا زلت على فراش الولادة، يشعر بالامن والاطمئنان، هذا المولود الذي خرج إلى عالم لا يعرف عنه شيء، تجدينه يحرك يديه في الهواء خوفا من السقوط، مرعوب، متوتر، ثم تعيده القابلة إلى صدرك، فيهدأ ويسكن، ويبدأ في التواصل الفموي، معك، رغم أنه قد لا يكون جائعا، لكنه يحتاج إلى الرضاعة، ليمتص الحنان، والحب، والسكينة،
هناك نساء يرفضن الطفل لحظة الولادة، وترفض ان تراه، لسبب ما، قد يكون له علاقة بعلاقتها بزوجها، أو بمشاكلها الصحية، او لأنها لا تريد الانجاب، وهذا رغم انه يحدث في سن مبكرة جدا، في يوم الميلاد، إلا ان الجهاز العصبي الفكري للإنسان لا ينسى، ويتذكر انه لم يلتحم مباشرة بذلك الجسد الذي قذفه للخارج، ولم يعاود الالتصاق به سريعا.
2- لمساتك الحانية، واحتضانك له، عالمه الصغير الذي لا يرى غيره، فكلما كانت لمساتك حنونه، كلما احس ان العالم بخير، وأن الدنيا التي تنتظره جميلة، فيكتسب عادة حميدة، وهي الإيجابية في التفكير، والتي اكد رسولنا الكريم على أهميتها عندما قال عليه الصلاة والسلام: ((تفاؤلوا بالخير تجدوه))، إن تلك الملامسة بين خدك وخده، لهي حالة راقية من التواصل النفسي، ومرحلة مهمة من مراحل تكوين الشخصية القوية لديه، وتلك الكف التي تمسح ذهابا وإيابا على ظهره، تساعده على التجشؤ، تعمق عنده الشعور بالقبول، والعناية الفائقة.
الحضن لا يكون صادقا، إلا حينما تشعرين بتلك اللذة التي تسري في جسدك لحظة احتضان طفلك، لدرجة انك لا ترغبين في تركه، تضمينه بقوة، وكأنك تقولين له أنت اغلى ما أملك.
نساء لا يعرفن سوى ان يضعن الحليب في فمه، وأن يعدنه للسرير، فيتخلف ويصبح طفلا غبيا لا يستوعب بسهولة، فمعظم الأطفال الأذكياء، ولدوا من امهات حنونات فياضات بالحب والرحمة.
3- لماذا نقبل الصغير، لنشبعه أو لنشبع منه، ..؟؟؟ الأثنين معا، فالقبلة عملية مزدوجة الفائدة كالحضن، تريحك وتريحه، تغذيك وتغذيه، تسعدك وتسعده، إن كل قبلة تطبعينها بشغف على خده تشعريه أنه لذيذ، وحميم، فيستشعر تلك الرسالة، ويهتم بنفسه جيدا عندما يكبر، يهتم بصحته ومظهره، ولباسه، ومكانته، يكون رزينا، هادئا، يتسم وجهه بالجاذبية والسكينة، يريح أنفس المتحدثين إليه، وإن كانت فتاة تتوج بغنج وجمال أخاذ، حتى وإن كانت لا تملك الكثير من سمات الجمال المادية، إلا أنك تجدينها تجتهد في العناية بذاتها وجمالها.
4- النشيد، فهل تنشدين له، وهل تترنمين بصوتك لتدفعينه للنوم، هذا أروع ما يمكن أن تقدميه لطفلك الصغير، ليصبح انسانا راقيا، يتسم بالذوق العالي، والتهذيب الجم، وعندما يكبر سترين كيف يشعر الناس من حوله بأنه شخص مميز، وذا طابع ملوكي فخم، يقتني لحياته الأفضل، ويخطط لمستقبله بثقة، وينجح في مشاريعه غالبا، إنها ترانيمك الدافئة الحميمة، ومشاعرك التي بثثتها لقلبه قبل اذنيه ليعشق الاستجمام، والتأمل.
ولأن الزمن لا يعود إلى الوراء، وإن عاد لسنا متأكدين من أن ظروفنا ستتغير،
فإن هناك ثمة علاج جديد، لاستعادة ما فقدتم في سنين عمركم الآولى،
وهناك استراتيجيات ممتازة لتعوضن بها مشاعر النقص التي عانيتم منها في الصغر،
ألا وهي استعادة التربية والبدء من جديد،
فأنت الآن نامية، امرأة ناضجة،
اعتبري نفسك طفلة حديثة الولادة،
وانك الأم الرؤوم الحنون، فاحتضني نفسك، كل يوم،
ودلليها، واعتني بها،
وإنها أمانة عندك فخذي بالك منها.
في داخل كل منا، بذور خاصة بقوة الشخصية والثقة في النفس، ...
تأكدي أن كل شخص على هذه الأرض يحمل تلك البذور، كما يحمل خلايا جسده التي لا يمكنه العيش بدونها،
لكن تلك البذور إما أن تجد التربة الصالحة الخصبة، والأجواء المناسبة لتنموا وتينع، وتصبح وارفة الظلال،