عالم الطفل الصغير ومخاوفه من الليل ومن غرفته
· الأحداث في سطور
لم يعرف الصبي لهذا اليوم تحديداً وأكبر ظنه أن هذا اليوم يقع فى فجر أو عشاء بسبب تلقى وجهه الهواء البارد والنور الهادئ اللطيف ولم يأنس من حوله يقظة قوية ، وقد بقيت له من هذا الوقت ذكرى سياج القصب الطويل الممتد عن يمينه إلى قناة بعيده ، وعن شماله إلى حيث لا يعلم له نهاية ، وكان يحسد الأرانب لأنها تستطيع أن تثب بين قصبه وتأكل ما ورائه من عشب أخضر ، وكان الصبي ( طه حسين ) يحب الخروج من الدار بعد غروب الشمس مستندا إلى قصب السياج مغرقاً فى التفكير حتى يجذبه صوت الشاعر ينشد الناس أخبار البطل أبى زيد وخليفة فيستمع الناس فى هدوء وصمت ثم يستعيدون إنشاده ويختصمون ،ويلازم خروجه حدة بينهما قطع استماع لنشيد الشاعر بسبب جذب أخته له ، لتدخله الدار تنيمه على فخذ أمه فتفتح عينيه وتضع له سائلا يؤذيه وهو يتألم ولا يبكى لأنه يكره أن يكون كأخته الصغيرة بكاء شكاء كثير الشكوى ، ثم تنقله أخته إلى زاوية فى حجرة صغيرة وتنيمه على حصير قد بسط عليها لحاف وتلقى عليه لحافا آخر ويمد سمعه وهو نائم ليحظى بنغمات الشاعر الحلوة حتى يغلبه النوم ويستيقظ والناس نيام فيرفع اللحاف عن وجهه فهو يخاف أن ينام مكشوف الوجه فيعبث به عفريت من العفاريت التى تخرج من تحت الأرض.
وأشد ما كان يخيفه لم يكن صوت الديكة أو الأصوات التى تأتى من بعيد بل تخيفه الأصوات التى تنبعث من زوايا الحجرة وكان أشد خوفا من أشخاص يتخيلهم على باب أى حجرة يأتون بحركات غريبة فكان يلتف فى لحافه من رأسه إلى أخمص قدميه فكان يقضى ليله كله خائفا إلا حين يغلبه النوم ويستيقظ مبكراً فيستمع لأصوات النساء وقد ملأن جرارهن عائدات إلى بيوتهن فيغني ويوقظ إخوانه وأخواته وتخفت الأصوات وتنهض الجماعة وهى تلعب وتلهو وتختلط الأصوات بأصوات الطيور فى الدار .