العلم لا يهلك حتى يكون سراً
يحيى العلم بالآتي
أما هلاك العلم وضياعه وذهابه فيحدث بالآتي
حاجة الإنسان للعلم الشرعي، جنس الإنسان مسلماً كان أم كافراً، لأن الجميع من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، أشد من حاجته للطعام والشراب كما قال الإمام أحمد، لأن الطعام والشراب يحتاجهما المرء في أوقات، أما العلم الشرعي فيحتاجه في كل لحظة وحين.
ولهذا سمت منزلة علماء الشريعة العاملين بعلمهم، المتقين لربهم، إلى درجة أن جعلهم الشارع ورَّاث الأنبياء: "العلماء ورثة الأنبياء"1، لأن العلماء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم، فمن أخذ به فقد أخذ بحظ وافر.
ومن ثم ظهرت خطورة وأهمية علماء الآخرة، وبضدها تتميز الأشياء، وفداحة وخسارة علماء السوء، وكذلك الأمر بالنسبة للوزراء، والجلساء، والقرناء، والمستشارين، والأزواج، والذرية الصالحين مقابل الوزراء، والمستشارين، والجلساء، والقرناء، والأزواج، والذرية المفسدين.
فالفلاح، والنجاح، والسعادة في الدنيا والآخرة بالاشتغال والعمل والالتزام بالعلم الشرعي، والهلاك والخسران المبين في الدنيا والآخرة في الجهل والصدود والزهد في العلم الشرعي: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ. وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ"2.
من علامات الساعة المؤذنة بقربها ذهاب العلم وفشو الجهل، كما صح بذلك الخبر، والعلم هو السنة، والجهل هو البدعة، وجاء في الأثر: "العلم لا يهلك حتى يكون سراً"، فبم يحيى العلم وينتشر؟ وبم يهلك العلم؟
ã
يحيى العلم بالآتي:
1. السعي الحثيث في بثه ونشره بين الناس، وتوفيره للجميع بقدر المستطاع عن طريق العلماء الربانيين، والفقهاء الحكماء في المساجد، والمعاهد، والمدارس، والجامعات، والمتاح من وسائل الإعلام المختلفة.
2. الإسراع ببيان حكم الشرع في جميع النوازل التي تنزل بين المسلمين بياناً شافياً، حيث لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وتقع المسؤولية هنا على المجالس الفقهية ولجان الفتوى، فالصدع بالحق في ذلك من أوجب واجبات الجهات المناط بها ذلك.
3. إشاعة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنشاء جمعيات رسمية وطوعية للقيام بذلك، وتنشيط وتفعيل القائم منها في البلدان: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"3.
4. الرد وقمع أهل البدع والزنادقة، المنكرين لما هو معلوم من الدين ضرورة، وفضحهم، وبيان مخالفة ما جاءوا به.
5. أخذ طائفة من أهل العلم المعتبرين بالعزائم عند نزول المحن، لأن في ذلك حفظاً للدين من الناحية العملية بعد أن تكفل الله بحفظ أصوله ومصادره النظرية بحفظ الوحيين القرآن والسنة: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"4.
فلولا ثبات سحرة فرعون، ووزير وراهب وغلام أصحاب الأخدود في الأمم السابقة، وثبات بلال، وياسر، وسمية، وخباب، وعبد الله بن حذافة، وعبد الله بن حبيب، وأحمد بن حنبل، وغيرهم كثير لما قامت للإسلام قائمة.
6. الصدع بالحق عند سلاطين الجور والطغيان إذا استدعى الأمر: "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر".5
7. صدق العلماء والدعاة، وتجردهم، وزهدهم في الدنيا.
8. إسداء النصيحة لولاة الأمر والعامة، عملاً بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، ثلاثاً، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم".
9. رعاية طلاب العلم سيما الفقراء منهم.
10. إعادة النظر في خطط التعليم وبرامجه ومواده.
11. عدم الإذعان للضغوط التي يمارسها الكفار لتجفيف وتحجيم القدر اليسير في نشر العلم الشرعي عن طريق قفل المدارس، والمعاهد، والجامعات الشرعية في ديار الإسلام، والعمل على تغيير القليل مما فيه بصيص من الأمل في المقررات عن طريق مناصحة ولاة الأمر وتحذيرهم من مغبة هذا التدخل السافر في تنشئة أطفالنا وتربية أبنائنا.
ã
أما هلاك العلم وضياعه وذهابه فيحدث بالآتي:
1. موت العلماء واتخاذ الرؤوس الجهال، فكما صح الخبر: "إن الله لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء"6، فموت العالم ثلمة في الإسلام لا يسدها شيء ما تعاقب الليل والنهار.
عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "مالي أرى علماءكم يذهبون، وجهالكم لا يتعلمون، فتعلموا قبل إن يرفع العلم، فإن رفع العلم ذهاب العلماء".7
وعن سلمان بن الإسلام رضي الله عنه: "لا يزال الناس بخير ما بقي الأول حتى يتعلم الآخر، فإذا هلك الأول قبل أن يتعلم الآخر هلك الناس".8
2. عدم الاشتغال بنشر العلم وبثه بين الناس.
3. الأخذ بالزلات والهفوات، والبحث والتفتيش عن السقطات، ورحم الله سليمان التيمي حين قال: "من تتبع رخص العلماء وزلاتهم تزندق أوكاد، وتجمع فيه الشر كله"، فزلات العلماء تطوى ولا تروى.
4. كتمان العلم، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من سُئل علماً فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة".9
5. مداهنة ومنافقة الحكام والمجتمع، بعض المنتسبين إلى العلم يداهنون وينافقون الحكام، والبعض الآخر ينافق ويداهن ويجامل المجتمع بغرض التقرب إليه ومحاولة اكتسابه.
6. اتباع أسلوب التنازلات.
7. غش وخداع الأمة بالدعوة للتقارب مع أهل الأهواء الكفرية، والعمل على تجميع الملل الكفرية مع دين الحق الإسلام برفع دعاوى تقارب الأديان، أوحوار الأديان، والتعايش السلمي مع هؤلاء الكفار، وهذه دعاوى كفرية شعر بها رافعوها أم لم يشعروا.
8. ركون العلماء إلى الدنيا وانصرافهم إليها.
9. اعتزال المجتمع والانزواء عن مشاكله وآلامه وآماله، وما علموا أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من الذي يعتزلهم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
10. بيع بعض المنتسبين إلى العلم أخراهم بدنياهم، أوبدنيا غيرهم، بموالاتهم للكفار والعمل على تنفيذ مخططاتهم.
11. الاشتغال بالخلافات في الفروع وأساليب الدعوة.
12. الاشتغال بتصنيف الخلق، وتبديع وتفسيق من لا يتبع أهواءهم.
13. تقليد الآباء والأجداد.
14. تقليد الدين الرجال والتعصب لهم.
وأخيراً أقول: لا شك أن وسائل إحياء العلم وهلاكه على السواء كثيرة، والإحاطة بها جد عسيرة، وفيما ذكرنا كفاية وغنى عما أهملنا.
والله أسأل أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا التأويل، وصلى الله وسلم على معلم البشرية الخير، وعلى آله، وصحبه، والتابعين لهم إلى يوم الدين.