النوم آية من آيات الله تعالى
قال تعالى: ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون {الروم:23}.
لا شك أن النوم شيء جميل ولذيذ لا يشعر بقيمته إلا الذين يبيتون الليالي يتقلبون في فراشهم وقد عز عليهم مناله. ولكنه في الوقت نفسه ظاهرة غريبة يحوطها الغموض. فما أجمل أن نستلقي على الفراش ونغمض أعيننا وننتقل من عالم الحقيقة المكفهر إلى عالم الأحلام الوردية حيث يتحقق ما كانت تهفو إليه نفوسنا من آمال لم نحققها في يقظتنا. وفي أحيان أخرى قد نجد أنفسنا في مأزق لا يخرجنا منه سوى استيقاظنا... كذلك نرى ونسمع ونضحك ونبكي ونحن نائمون في فراشنا.
فما هو النوم؟ ذلك الشيء العجيب الذي لا يمكننا الاستغناء عنه والذي نكرره كل ليلة..؟
وهل تنام الكائنات الحية جميعها كما ننام نحن؟
هذه بعض الأسئلة التي تدور في أذهاننا بمجرد ذكر أي معلومات عن النوم أو حتى سماع كلمة "النوم".
وقبل أن نخوض في هذه الجولة أحب أن أُذكرك أخي المسلم أن النوم يعتبر من أهم النعم التي أنعم الله بها على الكائن الحي، وأنه في الواقع دليل لا يقاربه شك على وجود الله. فالنوم عملية تتم دون أن يكون للإنسان دخل بها ولا سيطرة له عليها. فهو في وقت معين تبدأ قواه في التناقص، وتعتريه حالة من الاستعداد للنوم، ثم لابد بعد ذلك أن ينام سواء أكان بالنهار أم بالليل.
ويمكن إدراك أهمية النوم بالتجارب التي أجريت على الحيوان، والتي اتضح منها أن النوم أهم للحياة من الطعام والشراب.
وقد قرر علماء الروس أن التجارب التي أجريت على صغار الكلاب أثبتت أنها لم تستطع الحياة لأكثر من خمسة أيام بلا نوم، بينما عاشت مثيلاتها التي تنام عشرين يومًا بلا طعام.
ولعلي أجد نفسي أمام سؤال ملح تتطلبه الكلمات السابقة، هذا السؤال هو:
هل تنام الكائنات الحية وتحلم كما يحدث لنا بني البشر أم أن هناك فرقًا؟؟
إن من دلائل قدرة الله وعظمته أن تشترك الكائنات الحية جميعها في النوم، فالحيوانات تنام وتصحو كالإنسان، وقد ثبت أن الحيوانات تحلم كذلك في منامها. فقد وجد بالتجارب أن بعض الكلاب تنهض من نومها فزعة تتلفت في كل الاتجاهات مما يدل على أنها كانت فريسة حلم مخيف.
وتنام أيضا الحيوانات الدنيا والأسماك والحشرات، ولو أنه من الصعب تمييز حالتها بين اليقظة والنوم. وقد أجريت تجارب بأن وضع بقرب الحشرات أو الحيوانات ليلا ما يثيرها ويفزعها ، فلم تتحرك حتى الفجر، بينما ظهر عليها بعض الاختلاف في المظهر بعد الفجر، إذا تصرفت تصرف الخائفة الفزعة.
ومن الآيات العجيبة التي تدل على رحمة الله أن الطير ينام على غصنه ولا يقع بالرغم من أن قبضة الطائر لابد أن تسترخي كباقي عضلاته حين يغلبه النعاس، إذ أن الأوتار التي تحدث البسط والقبض في مخالب الطائر تلتف حول مفصل ساقه، فحين ينام ويثني ثقل جسمه هذا المفصل تشد الأوتار مخالبه فيزيد تشبث قبضة الطائر على غصنه، ويتم ذلك دون تفكير أو تدبير، بل دون أن يعيها ويُحسها الطائر..!!
سبحان الله!!... أليست هذه آية من آيات الله وإعجازًا من إعجازه.
فلتتفكر أخي المسلم في هذه الآيات الواضحة وليكن لك معها وقفات ووقفات..!!
ولنترك عالم الطيور والحشرات والحيوانات ونتأمل في عالم النبات.
لقد قرّر علماء النبات أنهم بدراسة الأزهار والتطورات التي تشملها في كل وقت، اتضح لهم أن النبات ينام كما ينام كل كائن حي، وأن مشاهد النوم تظهر واضحة جلية في الأزهار.
كثيرٌ منا يظن أن تفتح الأزهار يحدث نتيجة لتأثرها بالشمس والضوء.
والحقيقة غير ذلك حيث ثبت أن تفتح الأزهار لا دخل له بالشمس والضوء وأن ما نراه من أُفول الأزهار وتفتحها يرجع إلى نومها واستيقاظها من النوم.
فهناك أزهار يختص بها بعض فراشات الليل إذ تتفتح أزهارها في الليل وتكون في تمام تفتحها عند منتصف الليل. سواء أكانت الليلة مقمرة أم مظلمة.
وهناك أزهار تأفل أوراقها وتستسلم للنوم العميق ظهرًا حتى أن أولاد الفلاحين في الجهات التي تنمو فيها هذه الأزهار يعرفون ميعاد غذائهم من نومها.
هكذا رأينا أن النبات هو الآخر يحس ويتأثر وأنه هناك فترات نشاط وكل بالنسبة له.
لماذا تنام الكائنات الحية؟
الحقيقة أن هناك أراءًا كثيرة لتفسير أسباب حدوث النوم، ومن هذه الآراء:
ما يقال من أن كمية الدم التي تصل إلى المخ فيحدث النوم، ويتم ذلك نتيجة لانقباض الأوعية الدموية فتقل تبعًا لذلك كمية الدم المارة بها.
ولعل سائلا يسأل: وما هو السبب لحدوث هذا الانقباض في الأوعية الدموية؟
المحتمل أن أنسجة المخ تتراكم فيها المواد السامة الناتجة عن النشاط الدموي فيسبب ذلك انقباض الأوعية الدموية فيحدث النوم نتيجة لذلك ويظل الحال هكذا حتى يتخلص الدم من هذه السموم فتتسع الأوعية الدموية وتزداد كمية الدم الواردة إلى المخ فيصحو الإنسان من نومه. وهذا هو أقرب الأقوال للصواب، ولكن هذا ليس هو التفسير الصحيح فقد قدَّم الباحثون فيما مضى عدة نظريات لتفسير ظاهرة النوم والتي من بينها تلك النظرية والمسماة بالنظرية الكيماوية السابقة الذكر، ولكن هذه النظريات كلها عجزت في الواقع عن تفسير الحقائق الصحيحة. وقد وصل العالم حديثًا إلى أن النوم عبارة عن طرح روحي مؤقت تترك فيه الروح الجسد ساعات خاصة من اليوم والليلة.. وقد عد العلماء هذا نصرًا ما بعده نصر. وما تزال الآيات جادة لتفسير هذه الآية الإلهية.
وقد تكون هناك أسباب أخرى للنوم تتعلق بكهرباء المخ. فالنوم فترة راحة للمخ لابد منها، وهو أشبه بإعادة شحن بطارية.
وهناك تفسيرات واجتهادات أخرى أرى أن لا نخوص فيها حتى لا يحدث هناك بلبلة وحتى لا يتشعب الموضوع بنا.
الموت الأصغر:
النوم كصفة من صفات الإنسان تلازمه طول حياته، فهو ليس نقيضًا للحياة ولا مرادفًا للموت، وإنما تتوفى فيه النفس ثم ترسل ثانية، وبذلك يظل الجسد حيًا بعكس الموت الذي يتم إمساك روحه، فتوفى الروح ثم إرسالها في النائم يغاير تمامًا توفي الروح ثم إمساكها بالنسبة للميت، ولذلك يظل النائم حيًا بكل ما تحمله الحياة من مدلولات إلا أنه يفقد ما تضفيه عليه الروح من صفات العقل والإدراك والانفعال والإرادة بالإضافة إلى الإحساس بالزمن ولكن تظل العمليات الحيوية الكيمائية والفيزيائية تعمل تلقائيًا بكل خلاياه.
ولذلك كان القول بأن النوم هو الموتُ الأصغر له دلالاته الإيجابية الموحية، فنفس النائم يتوفاها الله ويرسلها عند الاستيقاظ وصدق الله العظيم القائل:
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون {الزمر:42}.
فجعل الحق تبارك وتعالى النوم كالموت، أي خرج الروح، هذا الخروج يكون دائمًا حين الموت ومؤقتًا في النوم.
فالنائم يرى من رموز الغيب ودلالاته ما لا يدركه الإنسان المستيقظ وما يخرج عن إمكانيات الحواس المادية والقدرات الجسدية الفيسولوجية المعروفة وإنما يدل على إمكانيات وقدرات الروح وهي في حالة التوفي أثناء النوم، وكلها تدل على وجود عوالم أخرى وآفاق غيبية لا يعلمها إلا الله.. وهكذا يشبه النوم الموت من وجوه فهو دليل عليه وإشارة إليه، وهنا علينا أن نتذكر ونتدبر قول الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه لنا عند الاستقياظ من النوم "الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور" البخاري ومسلم