كان
رسول الله صلى الله عليه و سلم يشرب الماء و هو جالس في الأغلب، و أوصانا
بالشرب و نحن جلوس، و نهانا عن الشرب أثناء الوقوف؛ فقد ورد عن أبي سعيد
الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم زجر عن الشرب قائماً، و
قال صلى الله عليه و سلم في من نسي و شرب قائماً: "لا يشربنَّ أحد منكم قائماً، فمن نسي فليستقي"، الراوي: أبو هريرة المحدث: مسلم - المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 2026 خلاصة حكم المحدث: صحيح.
و جاء عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه رأى رجلاً يشرب قائماً فقال له: " قِهْ " قال: لما ؟ قال صلى الله عليه و سلم: " أيسرك أن يشرب معك الهر ؟" قال: لا، قال: "فإنه قد شرب معك من هو شر منه: الشيطان"، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، الجزء: 1 ، الصفحة:337.
و ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: " لو يعلم الذي يشرب و هو قائم ما في بطنه لاستقاء " تحقيق الألباني : (صحيح) انظر حديث رقم: 5336 في صحيح الجامع.
و
لا شك أن في ذلك حكماً صحية، نعلم بعضها و نجهل جُلَّها؛ و لعل الحكمة من
وراء الترغيب النبوي في الشرب في وضعية الجلوس أن ذلك أدعى للتأني و التروي
أثناء الشرب، و في ذلك العديد من الفوائد الصحية:
1)أن شرب الماء جالساً أصح و أسلم و أهنأ و أمرأ؛ حيث
يجري ما يتناول الآكل و الشارب على جدران المعدة بتؤدة و لطف. أما الشرب
واقفاًُ فيؤدي إلى تساقط السائل بعنف إلى قعر المعدة و يصدمها صدماً، و إن
تكرار هذه العملية يؤدي مع طول الزمن إلى استرخاء المعدة و هبوطها و ما يلي
ذلك من عسر هضم.
2)أن الإنسان في وضعية الوقوف يكون جهازه العصبي متوتراً؛ حيث
يقع عليه عبء السيطرة على جميع عضلات الجسم لتقوم بعملية التوازن و الوقوف
منتصباً. و هي عملية دقيقة يشترك فيها الجهاز العصبي و العضلي في آن واحد
مما يفقد الإنسان شعوره بالهدوء و الطمأنينة العضوية التي تعتبر من أهم
الشروط اللازم توفرها لابتلاع الماء، و هذه الطمأنينة تتوفر للإنسن في
وضعية الجلوس؛ حيث تكون الجملة العصبية و العضلية في حالة من الهدوء و
الاسترخاء و تزداد قابلية الجهاز الهضمي لاستقبال الماء و امتصاصه و تمثله
بشكل صحيح.
3)قد يؤدي شرب الماء في وضعية الوقوف (القيام) إلى حدوث انعكاسات عصبية شديدة تقوم
بها نهايات العصب المنتشرة في بطانة المعدة، و المعروف بالعصب الحائر
(Vagus Nerve)، و هذه الانعكاسات العصبية قد تؤدي إلى إطلاق شرارة النهي
العصبي الخطيرة (Vagal inhibition) إذا حصلت بشكل شديد و مفاجئ، مما يؤدي
إلى توقف مفاجئ لعمل العصب الحائر الذي يغذي عضلة القلب أيضاً، فيتوقف
القلب محدثاَ الإغماء أو الموت المفاجئ.
4)يهدد الاستمرار على عادة الشرب واقفاً سلامة جدران المعدة، و ينذر بإمكانية حدوث تقرحات فيها، و
يلاحظ أطباء الأشعة التشخيصية أن قرحات المعدة تكثر في المناطق التي تكون
عرضة لصدمات جرعات الماء بنسبة تبلغ 95% من حالات الإصابى بالقرحة.
5)ترافق عملية حفظ التوازن أثناء الوقوف تشنجات عضلية في المرئ تعيق مرور الطعام بسهولة إلى المعدة، و قد تحدث في بعض الأحيان آلاماً شديدة تضطرب معها وظيفة الجهاز الهضمي و تُفقد صاحبها البهجة عند تناوله الماء أو أي شراب آخر.
و
قد ورد أن النبي صلى الله عليه و سلم شرب واقفاً، و لكن كان شُرب النبي
صلى الله عليه و سلم واقفاً لسبب اضطراري منعه من الجلوس مثل الزحام
المعهود في المشاعر المقدسة، و ليس على سبيل العادة و الدوام، فقد شرب صلى
الله عليه و سلم قائماً من زمزم ذات مرة ليبين لأمته أن الأمر مستحب و ليس
بواجب.
و
شُرب النبي صلى الله عليه و سلم واقفاً يفيد جواز الشرب قائماً؛ مما يدل
على استحباب الجلوس عند الشرب لا وجوبه، فحمل العلماء أحاديث النهي على
الاستحباب و الحث و على ما هو أَوْلى و أكمل.
المصدر:
كتاب شرب الماء وفق الهدي النبوي مفتاح الصحة المنسي ... د/صهباء بندق.