نقود العيد (قصة للأطفال)
مثل كلِّ الأطفال كان سعيد يحبّ الأعياد. ومثل كلّ الأطفال، كان سعيد يبدأ بالاستعداد للعيد قبل حلوله بعدة أيام، فيطلب من أبيه أن يشتري له "الصواريخ" والالعاب النارية الأخرى، ليطلقها مع إخوته وأصدقائه في ليلة العيد.
كانت عائلة سعيد مؤلّفة من ثلاثة أطفال ووالديهم: "سعيد" الابن الاكبر (البكر) ابن التسع سنوات، و"سامي" الابن الأوسط، ابن الست سنوات، الذي يريد أن يصبح قويا مثل "النمر المقنّع" الذي يراه في التلفزيون في برامج الأطفال عندما يكبر، و"ريما" الصغيرة التي تتعلّم في صفّ البستان، والتي تصرّ دائما أن تجلس في حضن والدتها.
عندما اقترب العيد هذا العام، ذكّر "سامي" (النمر المقنّع) الجميع بما فعلته ريما الصغيرة قبل عامين. وضحك الجميع. حتى ريما ضحكت بسعادة مما فعلته آنذاك.
قبل سنتين، وفي صباح يوم العيد، سمعت "ريما" أخاها البكر "سعيد" يقول: "جاء العيد.. جاء العيد..". فأسرعت تركض نحو الباب وهي تهتف: "وينه؟!.. وينه؟!..". ثم عادت الى أمها وأبيها وهي تقول: "ماما.. وين العيد؟! بِدِّي أشوفه"... ويومها ضحك الجميع.. لقد ظنّت "ريما" أن العيد شخص أو شيء يمكن أن تراه، وأسرعت تركض نحو الباب لتستقبله.
كان الجميع يضحكون كلما تذكّروا ما فعلته "ريما". وكثيرا ما كانوا يمزحون معها، فيقولون لها: "يلاّ يا ريما.. أركضي.. أجا العيد"...
وفكّر "سعيد": أبي يضحك الآن. هذا أفضل وقت لكي أطلب منه ما أريد. وسوف يوافق بالتأكيد..
واقترب "سعيد" من أبيه وهو يقول: يابا.. أنت تحبّني.. صحيح؟!".. وضحك الأب الذي كان يعرف الحيل الصغيرة التي يلجأ اليها "سعيد"، وسأله:
ـ شو بِدّك؟!
ـ أنت تعطيني في كلّ عيد خمسين ليرة.. وأريد أن تعطيني في العيد الكبير، يوم الاثنين القادم.. مائة ليرة... أنا صرت كبيرا.. وأنا تلميذ مجتهد في المدرسة.. وأستحق مائة ليرة..
ـ موافق. قال الأب.
وطار سعيد من الفرح والسعادة. وسمعه أبوه وهو يشرح لأمه وأخيه الصغير "سامي" أسباب طلبه هذا قائلا:
ـ في هذا العيد سوف أنتصر على "سلمان"، ابن خالي "علي". يجب ان نذهب اليهم في صباح يوم العيد. في كلّ عيد ينتصر هو عليّ ويغلبني. نقوده دائما تكون أكثر من نقودي. عنده خمسة أعمام. وأنا عندي ثلاثة أعمام فقط. ولهذا يحصّل نقودا اكثر مني في كل عيد.. ويقوم دائما بالتباهي أمام الجميع أن نقوده اكثر..
وابتسمت الأم وصمتت. وابتسم الأب الذي كان يسمع هو ايضا اقوال ابنه "سعيد".
وعندما حل يوم العيد، كان أول شيء فكّر به "سعيد" هو زيارة بيت خاله "علي". وظلّ طِوالَ الوقت ينظر للساعة كل عدة لحظات، ويستعجل الدقائق حتى يأتي المساء.
وما إن وصلت العائلة الى بيت الخال، حتى أعلن "سعيد" أمام الجميع: أنا معي 380 ليرة... كم ليرة معك يا "سلمان"؟!
ولكنّ "سلمان" لم يجب. ولاحظ الجميع أنه ظلّ صامتا، وأنه حزين جدا، تكاد دموعه التي تحجّرت في عيونه تنكسر وتتدحرج الى خديه.
وذهب الأطفال الى غرفة الالعاب كما طلب منهم الكبار. وظلوا هناك حتى حانت ساعة عودتهم الى البيت.
في طريق العودة للبيت لاحظ الأب أنّ ابنه "سعيد" كان صامتا. كان الأب يريد أن يسأل ابنه عن سبب صمته، وماذا حدث مع ابن خاله. ولكن قبل أن يوجّه أيّ سؤال، تحدّث "سعيد" وقال:
ـ يابا.. عرفت لماذا كان "سلمان" ابن خالي "علي" زعلان...
ـ لأنّ نقودك التي جمعتها في العيد أكثر من نقوده.
قال الأب.
ـ لا... نقودي أكثر حقا، ولكنّها لم تكن سبب حزنه. لقد اضاع محفظته، وفيها كلّ نقوده.. صحيح أنّ ما معي أكثر مما كان معه، ولكنه أضاع كلّ ما معه.
وسارع الاب للسؤال:
ـ وهل انت مبسوط الآن.. أنت معك نقود كثيرة، أما هو فلا يملك شيئا؟!
ـ بالعكس.. بالعكس.. يا والدي.. لقد أحسست أنني يجب أن افعل شيئا.. وقد اقترحت عليه أن نتقاسم ما معي من نقود.. ولكنه رفض.. وعندها أعطيته 100 ليرة مني.. وقد حاول أن يرفض، وأن يردّها، مدّعيا أنّ أباه سيعطيه بعض النقود بالتأكيد. ولكنني رفضت استرجاعها، وصممت على رفضي، وقلت له: "الدنيا عيد.. ويجب ان تكون جيبك عامرة ومنتفخة"..
وصمت سعيد. وصمت الأب.
كان سعيد مسرورا رغم أنه خسر جزءًا كبيرا من نقود العيد التي انتظرها طويلا. وكان أبوه سعيدا بابنه الذي كان يكبر والذي صار يدرك ان السعادة الحقيقية معناها سعادة الجميع.
منقولة