قصة جن اير ((منقول))
تنتمي شارلوت برونتي إلى أسره لها شأن في تاريخ الأدب الإنكليزي.فقد كتبت الأخت الكبرى شارلوت رواية((جين إير)) (1847)، وكتبت الأخت الوسطى أميلي رواية ((مرتفعات وذرينغ)) (1847)، وكتبت الأخت الصغرى آن رواية ((آغنيس غاري)) (1849).
تمتاز أعمال الأخوات الثلاث بنثرها القوي ودقتها في تصوير الشخصيات ووصف الأحاسيس والإنفعالات.
تعكس رواية ((جين إير)) الصراع بين رغبات المرأة الطبيعية والتقاليد الاجتماعية السائدة، وتنفرد بنفاذ عجيب إلى أعماق النفس الإنسانية.
جن اير
الفصل الأول
عراك شرس
كان من المستحيل التنزه في ذلك النهار. فمع أننا تجولنا في الحديقة الجرداء لمدة ساعة في الصباح، والطقس كان دافئاً نوعاً ما ، إلا أنه منذ الغداء، بدأت ريح الشتاء الباردة تهب، حملة معها غيوماً داكنة وأمطاراً فزيرة بحيث اسحال الخروج من المنزل.
وبما أنني كرهت كثيراً النزهات الطويلة، خاصة بعد ظهر الأيام الباردة، سررت لهاذا التغير المفاجئ في الطقس.فالمجيء إلى المنزل عند الغسق كان رهيباً بالنسبة إلي - بأصابع أيدٍ وأرجل مجلدة ، وقلب أحزنه توبيخ الممرضة بيسي والإدراك كم كان جسدي الصغير الهزيل ضعيفاً، بالمقارنة مع أجساد إليزا، جون ،وجورجيانا ريد.
جلس أبناء خالي أليزا ،جون ،وجوجيانا الآن مع والدتهن في غرفة الجلوس في منزلهم ، غايتسهد.كانت مستلقية بالقرب من الموقد ، وأطفالها الأعزاء حولها. شعرت بغاية السعادة لأنهم لم يكونوا يتشاجرون ولا يصيحون .إلا أنني طرد من المجموعة . فقد قالت أنها نادمة لاضطرارها إلى أبعادي ، وأنها إلى أن أحاول بإخلاص التصرف بمزيد من اللياقة وأنمي طبيعة أكثر ودية ورقة، لن تستطيع السماح لي بالملذات المخصصة فقط للأطفال الطيبين والمطيعين.
سألتها(لكن مالذي فعلته؟))
((كوني مهذبة والزمي الصمت ، ياجين ، فأنا لا أحب الأسئلة أو الاعتراضات. لا ينبغي للأطفال التحدث مع الاكبر سناً بهذه الطريقة. ابتعدي عن الغرفة، والزمي الصمت إلى أن تتمكنين التكلم بلطف)).
سرت ببطء في اتجاه غرفة طعام صغيرة مجاورة لغرفة جلوسهم . شملت الغرفة الكثير من رفوف الكتب ، فتناولت كتاباً بعدما تأكدت أنه غني بالصور.
تسلقت إلى حافة النافذة، وبعدما رفعت قدمي ، جلست متربعة. وبعدما سحبت الستائر الحمراء ، شعرت بأنني محمية وبعيدة عن أنظار الآخرين.
كان كتاباً ذا صور ملونة جميلة. كل صورة روت فصة غامضة ومثيرة للغاية -مثيرة تماماً كالقصص التي روتها لنا بيسي أحياناً في أمسيات الشتاء عندما يصدف أن تتمتع بمزاج جيد، مستوحذهة على أنفاسنا وانتبهنا الملتهف بذكريات الحب والمغامرة المأخوذة من الأغنيات والروايات القديمة.
فرحتُ كثيراً وأنا أنظر إلى الكتاب بعينين ملتهفتين - لم أخش شيئاً سوى المقاطعة ، وسرعان ما أتت. إذ ناداني جون ريد. توقف برهة ينتظر رداً ، فوجد الغرفة فارغة. فجأة صرخ: ((أين هي؟ ليز! جورجي!)) شرع ينادي أختيه.
((ليست جاين هنا. أخبر أمي أنها فرت إلى المطر . يالها من حيوانة رديئة)).
فكرت: لحسن الحظ أنني سحبت الستائر .)) ثم شرعت أصلي لله من كل قلبي كي لا يكتشف مخبئي. لم يكتشفه بنفسه؛ إذ لم يكن حاد النظر ولا ذكياً، لكن أخته أليزا نظرت حول الغرفة وصاحت في الحال:
((إنها على حافة النافذة ، بالتأكيد ،ياجون)).
برزت من خلف الستائر فوراً لأن فكرة جذبي خارجاً بواسطة جون سببت لي الرعب.
سألت بصوت مرتجف:
((مالذي تريده؟))
فكان جوابه القاسي(قولي:ما الذي تريده ياسيد جون؟)) ثم أضاف (أريد منك المجئ إلى هنا)).
جلس في أريكة وأشار إلي كي أقترب منه وأقف أمامه.
كان جون ريد طالباً في الرابعة عشر من العمر، أكبر مني بأربع سنوات. كان ضخماً نوعاً ما وسميناً بالنسبة لسنه.يتمتع بتقاسيم وحه خشنة، ذراعين وساقين غليظة، وببشرة سقيمة. كان يجب أن يكون بعيداً في المدرسة في تللك الأيام، لكن والدته اصطحبته إلى المنزل لقضاء شهر أو اثنين،((بسبب صحته الدقيقة)).لكن مديره أكد ان حالته هي نتيجة الشراهة. ومع ذلك ؛ رفض قلب أمه مثل هذا الرأي القاسي، وفضلت الاعتقاد أنه كان يعمل بجهد كبير وغالباً ما أحس بالحنين إلى المنزل.
من ناحيه ثانية ، لم يكن مولعاً جداً بأمه وشقيقتيه، كما لم يكن ممتناً لما فعلته لجعله سعيداً. أما بالنسبة إلي قد احتقرني بالتأكيد وعاملني على نحو رهيب. علاوة على ذلك، كان يعاقبني بوحشية مرة أو مرتين في اليوم. لم يكن من الممكن ليتجنب عقابه الظالم ، إذ لم يجرؤ الخدم على إزعاج سيدهم الصغير، كما تظاهرت أمه أنها لاتراه وهو يضربني أو أن تسمعه وهو يهينني.
وبما أنني اكتسبت عادة طاعة جون، اتجهت إلى كرسيه.
أمضى بضعة دقائق يلوي وجهه ويمد لي لسانه . كنت متأكدة أنه سيضرب إثر ذلك، وفيما انتظرت الضربة بخوف، فكرت بمظهره المقرف والبشع، وتساءلت عما إذا أحس بما يجول في خاطري ، لأنه بغته، ومن دون التفوه بكلمة، ضرب بكل قوته، أوشكت أن أهوي أرضاً، وبعدما استعدت توازني، ابتعدت عدة خطوات عن كرسيه.
قال لي بقسوه(هذه لاستجواب أمي، وللزحف خفية إلى وراء الستائر، وللنظرة التي كانت في عينيك الغبيتين منذ ثلاثة دقائق أيتها الفأرة!))
لم يخطر لي أن أرد على إهانته، إذ كنت معتادة جداً عليها. كنت أفكر فقط كيف سأتلقى الضربة التي ستلي بالتأكيد.
سألني بقسوة : ((مالذي كنتِ تفعلينه وراء الستائر؟))
((كنت أقرأ.))
((في أي كتاب ؟ أريني أياه.))
عدت إلى النافذه وجلبت الكتاب وأنا أرتعش خوفاً.
((من سمح لكِ بإستخدام كتبنا؟ ليس لكِ الحق في أخذها. أنتِ قريبة تعيسة فقيرة كما تقول والدتي. والداك كنا فقيرين للغاية، ولم يترك لكِ والدك أي مال على الإطلاق.ينبغي أن تتسولي، لا أن تعيشي مع أولاد أسياد مثلنا ، وتتناولي الطعام وتجلسي إلى المائدة ذاتها مثلما نفعل. لا ينبغي لك أن ترتدي الملابس على نفقة أمي. إن الكتب لي، وسأعلمك كيف تتدخلين برفوف كتبي . إن المنزل كله لي ، أو سيصبح لي في السنوات القادمة. اذهبي وقفي بجانب الباب بعيداً عن المرآة والنافذة.
أطلعت أمره على مضض، وأنا لا أدري ماذا ينوي أن يفعل. لكنني عندما رأيته يرفع الكتاب ويصوبه نحوي، قفزت جانباً مطلقة صيحة رعب.
ولسوء الحظ ، لم أتمكن من التنحي جانباً، في الوقت المحدد، فأصابني الكتاب الثقيل. وقعت وضرب رأسي الباب الذي جرحه. تدفق الدم وكان الألم غير محتمل . تجاوز خوفي كل الحدود، ثم تحول إلى غيظ شديد فصرخت بهيستيرية(كم أنت ولد شرير وسيء! أنت مجرم- أنت أبشع وحش رأيته - أنت مثل أباطرة روما القديمة الأشرار!))
فصرخ بدروه(ماذا! ماذا!)) وقد صعقه أن يُخاطب بمثل هذه الطريقة غير المتوقعة.((هل قالت هذا عني؟ هل سمعتموها جميعكم؟ لا بد أن أخبر أمي! لكن قبل ذلك__))
ثم أندفع نحوي وأمسك بشعري وكتفي ، وحاول أن يضربني. إلا أنه هاجم مخلوقة خطيرة: إذ شعرت فعلاً أنه مجرم، خاصة عندما أحسست بالدم الحار يسيل على عنقي من الجرح في رأسي . وفي هذه اللحظة تغلب شعوري بالمعانة على خوفي ، فهاجمته بوحشية. وكنت غاضبة جداً بحيث لم أعي مافعلت بيدي. سمعته فقط ينادي(فأرة! فأرة!)) ثم أخذ يبكي بصوت مرتفع . وسرعان ما وصلته المساعدة عندما هرعت شقيقتاه إلى السيدة ريد التي سرعان ما وصلت، تتبعها بيسي وآبوت، خادمتها. قمنَ بفصلنا وسمعتهن يوبخنني وينتقدنني.
((يلها من فتاة صغيرة شريرة! كيف تجرؤين على مهاجمة السيد جون هكذا!))
((هل رأيتم مثل هذه الطباع الحادة؟ كم هي ناكرة للجميلّ))
وبعد ذلك أمرت السيدة ريد:
((خذوها إلى الغرفة الحمراء ، واسجنوها هناك.))
فیها تتمة