دق ناقوس الخطر مما يشير الى نهاية ساعة الإستراحة ,كان برج المراقبة منشغلا بتغيير الحراسة , كان مدير الإجراءات الأمنية منشغلا بها بعد أحداث الشغب التي إندلعت قبل يومين , وقتل أحد الحراس في أعمال العنف , ولسخرية القدر كان هذا الحادث تحت سمعه وبصره فهو من خطط له كي يلصق التهمة بسجين يكره , مما أدخل الشك لدى الكثيرين أنها مؤامرة قام بها هذا المدير للتخلص من الرجل لأسباب غير معروفة من دون الإضطرار الى محاكمته .
وكان المدير رجل قصير القامة وشجاع , تميز بندبة شغلت خده الأيمن وكانت دليلا على وجود طابع الخداع الذي يتميز به , أما ذلك السجين الذي يحمل الرقم 2099 دائما ما تجده مستلقيا على سريره , في غرفة تحيطها أشجار النخيل , يراقب العالم الخارجي من نافذة زجاجية غير قابلة للكسر , يعزز عقله بالنجوم والمجرات البعيدة , وسط المساحة التي يبدوا أنها ستمتد للأبد , تراوده أفكار الهروب ينسج بخياله خطة , يقول في نفسه سأكون على الأرض بأقل وقت ممكن ليغادر جسدي هذا المكان الضائع , خرج الى إستراحة أخرى إلتفت حوله , ليجد المدير يحدق بنظره ثقبت مشاعره , إلتفت الى مكان أخر , ليزيد من إصراره على الهرب وقال في نفسه أنا لا أعرف التعب عندما توليت جسدي وعندما سقط نائما ً , ذهب الى فراشه تداعب أفكاره خطة محكمة , لم ينم طوال الليل وهو يفكر , فأفاق من أحلامه على أصوت الحراس إنه موعد الإفطار , فخرج مترنحا ً بينهم فلم يذق طعم النوم منذ ساعات تجنب الإتصال بالعين مع المدير والحراس
ذهب لتناول إفطاره وعينه على أحد المفاتيح التي يحملها أحد الحراس , سار بجسده النحيل بإتجاه المائدة , طعامها كان جميل المنظر رائحته جعلت عقله يسافر الى الخارج ليتذكر طعام أمه التي دافع عنها يوما ً وكانت السبب بدخوله السجن , تلك الرائحة الزكية أعطته دافعا ً آخر للهروب , هو يشتاق الى أمه ولا يعرف وضعها وهي ترقد بالمستشفى بجوار السجن , جلس على كرسيه يتأمل الطعام فبدأ بتناوله بسرعة , عند خروجه الى الساحة كان يقف بأخر الصف وبجانبه الحارس الذي لطالما راقبه وراقب مفاتيحه , سعل السجين بشده وأدلى بنفسه على الأرض , راكعا ً على ركبتيه , أسرع الحارس كي يطمئن عليه ويساعده , ومن دون أن يسقط حبة من عرق صغيرة , مد يده الى حزام الحارس دون أن يراه , علم بعدها أن الوضع لن يطول حتى يكتشف الحارس غياب مفاتيحه , فطلب الإذن بالذهاب الى الحمام , ليقبل طلبه وبثواني معدودة إختفى عن الأنظار .
في الطريق غير وجهته الى ثلاجة السجن فبها جثمان الحارس الذي قتل في أعمال العنف , أحس بداخله أن الوقت بدا يتباطأ أخرج مفاتيح الثلاجة من جيبه , أزال عن الجثمان غطاءه , مد بجسده بجواره كان يعد الثواني والدقائق لخروجه وقبل أن يكتشفوا هروبه , الى أن أتى حامل الاكفان , فحمل النعش واخرجه بعيدا ً عن تلك المساحة المظلمة التي كان يعيش فيها , وهو مسجى بجانب الجثمان سمع صوت يهمس بأذنه , إنها نصف الحكاية فكيف تكون الخاتمة , فعقله مشغول بأمه , كان يريد أن يراها لو لدقائق معدودة , كان يعلم بداخله أن السيارة ستبتعد كثيرا ً عن المكان , يعرف في نفسه إن خرج سيقضى عليه , فالسيارة محاطة بعدد كبير من سيارات الشرطة , حتى المدير يجلس في الكرسي الأمامي للسيارة , فخروجه يعني الموت أو السجن , جالت بفكره أفكار عديدة , وصل لمرحلة اليأس ,فهو يعلم أن من يحيطون به جلهم من الشرطة .
من لحظات الخوف التي عاشها بجوار الجثة خطرت بفكره خطة أخرى , إنتظر إخراج النعش من السيارة وإنتظر بفارغ الصبر وصول الجثمان الى قبره , سمع أصوات البكاء تلفه من كل جانب , سمع بحركات أيادي تزيل عن النعش غطاءه , فأخذ يتمتم بعبارات مخيفة أخافت كل من يقف بجوار النعش , فاخذوا يتسارعون من شدة الخوف , حتى المدير نفسه , ليفتح له مجالا ً أخر للهرب , خرج من المكان المظلم الذي كان يعيشه للمرة الثانية , في تلك اللحظة شعر الحراس بغيابه أخذوا يطاردون شبحة في أرجاء السجن يبحثون عنه , يسألون ويتساءلون , أين أختفى ؟ , هم يركضون بأرجاء المكان بحثا ً عنه وهو يركض دون وعي أو تفكير بإتجاه غرفة أمه ليطمئن عليها , وصل المشفى وعرقه يتنازل كقطرات المطر والتي لم تنزل عندما سرق المفاتيح , سأل عن أمه اخبروه برقم الغرفة توجه أليها والفرح يعلوا وجهه , سيراها بعد غياب , فتح الباب لتأتي عينه بعين المدير مرة آخرى , كأنها العين الوحيدة التي كتب عليه رؤيتها , فبداهة المدير جعلته يتوقع وجهته , عندما أخبروه بإختفاءه ليقبض عليه ويعود لنفس الغرفة , ولينظر الى نفس المنظر ويفكر بهروب أخر