تطور الاهتمام الدولي بالبيئة
هشام بشير:
أدى التدهور المستمر في البيئة الطبيعية منذ بدايات عقد السبعينيات من القرن العشرين إلى إدراك عام لخطورة الاعتداء الذي يقترفه الإنسان على الطبيعة وما ينتج عن ذلك من تلوث شامل لهذه البيئة بكافة مواردها يهدد بقاء النوع الإنساني إلى التفات المجتمع الدولي إلى هذه المشكلة التي باتت في الآونة الأخيرة تتجاوز الحدود السياسية للدول، في إشارة إلى عدم كفاية السياسات الوطنية للبيئة.
ولقد انعكس هذا الاهتمام الدولي بحماية البيئة في إصدار العديد من الإعلانات الدولية وإقرار العديد من الاتفاقيات الدولية ( العالمية والإقليمية والثنائية ) وعقد المؤتمرات الدولية المختلفة المعنية بهذا الشأن. ويتضح ذلك في الآتي.
إعلان التقدم والإنماء في الميدان الاجتماعي 1969، حيث جاء في مادته 13 أن " حماية البيئة البشرية وتحسينها يجب أن تكون أحد الأهداف المنشودة من وراء التحقيق التدريجي للتقدم والإنماء الاجتماعي ".
إعلان استكهولم 1972 الصادر عن مؤتمر استكهولم الذي يمثل، وبحق، اللبنة الأولى في صرح القانون الدولي للبيئة. وقد أشار هذا الإعلان في المبدأ 21 منه على أن " للدول حق سيادي طبقاً لقواعد القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة في استغلال مواردها الطبيعية عملاً بسياساتها البيئية، وتتحمل المسئولية الوطنية أو تحت إشرافها لا تسبب أضراراً للبيئة المحيطة للدول الأخرى أو في الأقاليم التي تقع خارج حدود سيادتها الوطنية ". كذلك، نص إعلان استكهولم في مبدأه 7 على ضرورة أن " تتخذ الدول الإجراءات التي تتضمنها الاتفاقيات والمعاهدات متعددة الأطراف في مجال قانون البحار ".
الميثاق العالمي للطبيعة لعام 1982: حيث صدر هذا الميثاق عن الجمعية العامة لأمم المتحدة عام 1982 وكان الهدف منه هو وضع ميثاق عالمي للطبيعة لتوجيه وتقويم أي مسلك بشري من شأنه التأثير على الطبيعة، ويتضمن قواعد السلوك في إدارة الطبيعة واستغلال مواردها. ومن أبرز ما تضمنه هذا الميثاق، النص على أن على الدول أن تعمل على أن " لا يتسبب ما يمارس تحت ولايتها أو رقابتها من أنشطة في الإضرار بالمنظومات الطبيعية الواقعة في الدول الأخرى أو خارج حدود الولايات الإقليمية، وكذلك، حماية الطبيعة والحفاظ عليها في المناطق التي لا تخضع لأية ولاية وطنية .
مؤتمر ريو دي جانيرو والإعلان الصادر عنه عام 1992، والذي حوى سبعة وعشرين مبدأً، أكد المبدأ الرابع منها على أن " حماية البيئة يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من عملية التنمية ولا يمكن التعامل معها بصورة منفصلة ".
بروتوكول كيوتو عام 1997، والذي اهتم بالأساس بقضية تغير المناخ حيث ألزم هذا البروتوكول دول العالم بمعايير محددة لانبعاثات الغازات المسببة للتغيرات المناخية ( ارتفاع درجة حرارة الأرض ).
وتجدر الإشارة في هذا الشأن إلى عدة ملاحظات أساسية، وهى :
1. أن هذه الإعلانات والمؤتمرات والاتفاقيات قد وردت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر.
2. أن هذه الإعلانات والمؤتمرات في مجملها قد شكلت الغالبية العظمى من المصادر الاتفاقية والعرفية للقانون الدولي للبيئة كفرع جديد في القانون الدولي يعنى بتنظيم نشاط الدول في مجال منع وتقليل الأضرار المختلفة التي تنتج من مصادر مختلفة للمحيط البيئي أو خارج حدود السيادة (الولاية) الإقليمية لها.
3. المبدأ الأساسي للقانون الدولي للبيئة هو مبدأ الحفاظ على البيئة وحمايتها من التلوث، وهذا المبدأ باستمرار في إطار القانون الدولي العام، حيث تلتزم الدول بمقتضاه باتخاذ الإجراءات " من جانب واحد "، أو في إطار " التعاون الدولي " التي من شأنها المحافظة على البيئة المحيطة ومساعدة الأجيال الحاضرة والمستقبلية على الاستفادة المعقولة والمفيدة من ثرواتها الطبيعية.
4. أن الاهتمام الدولي بالبيئة لم ينته عند هذا الحد، أي مستوي إقرار المبادئ والقواعد القانونية التي تكون في مجموعها ما يعرف بالقانون الدولي بالبيئة، إنما امتدت إلى إنشاء أجهزة دولية مستقلة تناط بها مهمة الاضطلاع بمجمل الوظائف والاختصاصات ذات الصلة بقضايا البيئة وموضوعاتها المختلفة. كذلك، اتسع نطاق الاهتمام الدولي بالبيئة ليشمل، بالإضافة إلى ما سبق، العمل أو الجهود الدولية لوضع نظام أكثر ملاءمة للمسئولية الدولية عن الأضرار التي يمكن أن تنجم عن إخلال بعض الدول بالتزاماتها الدولية في ما يتعلق بحماية البيئة والحفاظ على مواردها.
5. أنه على الرغم من حقيقة إن بداية عقد السبعينيات قد مثل اللحظة الفارقة في الاهتمام الدولي بقضايا البيئة، إلا أنه عملاً، يمكن القول إن تطور الاهتمام الدولي بالبيئة تاريخياً أقدم من ذلك بالتذكير أنه من مقاصد الأمم المتحدة وفقاً لميثاق المنظمة الدولية : " تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى احترام حقوق الإنسان ... إلخ "، وكذلك تحقيق مستوى معيشي أفضل للأفراد والعمل على تحقيق الرقي الاجتماعي.
ولقد نص على ذلك صراحةً في المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، والتي أقرت بالآتي :
" ومن ذلك يبين أن ترقية الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية .... وحل المسائل الدولية ذات العلاقة بها يعد غاية رئيسية نشأت الأمم المتحدة بغية الوصول إليها، ولا جدال الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية ".
كما أن اهتمام المنظمة الدولية بتعزيز واحترام حقوق الإنسان منذ البدايات الأولى لنشأتها قد انعكس، أيضاً، على الاهتمام الدولي بالبيئة، خاصةً بعد ما ظهرت مجموعة ما يعرف " بالجيل الثالث " لحقوق الإنسان، والتي من بينها حق الإنسان في التنمية، والحق في التمتع بمستوى معيشي مقبول، والحق في العيش في بيئة صحية سليمة ونظيفة من التلوث. وهو ما أشارت إليه المادة 12 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية 1966 على أنه :
1. تقر الدول الأطراف في العهد بحق كل فرد في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية.
2. تشمل الخطوات التي تتخذها الدول الأطراف في الاتفاقية الحالية للوصول إلى تحقيق كلي لهذا الحق ما هو ضروري من أجل :
أ- العمل على خفض نسبة الوفيات في المواليد وفي وفيات الأطفال ومن أجل التنمية الصحية للطفل.
ب- تحسين شتى جوانب البيئة الصناعية.
ت- الوقاية من الأمراض المعدية والمتفشية والمهنية ومعالجتها وحصرها.
ث- خلق ظروف من شأنها أن تؤمن الخدمات الطبية والعناية الطبية في حالة المرضى.
6. أن عام 1992 مثل منعطفاً جديداً في إطار الاهتمام الدولي بقضايا البيئة حيث أصدر رئيس مجلس الأمن في الاجتماع الذي تم في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في الحادي والثلاثين من يناير 1992 بياناً رئاسياً خاص بمسئولية مجلس الأمن عن صون السلم والأمن الدوليين باسم الدول الأعضاء في المجلس تحت عنوان " الالتزام بالأمن الجماعي "، وقد تضمن هذا البيان ما يلي :
" وإذ يلاحظ أعضاء المجلس أن مهام الأمم المتحدة لحفظ السلم والأمن الدوليين قد زادت واتسع نطاقها بشكل كبير في السنوات الأخيرة، فعمليات مراقبة الانتخابات والتحقق من احترام حقوق الإنسان وإعادة اللاجئين إلى وطنهم جزءاً لا يتجزأ من الجهود التي يبذلها المجلس لصون السلم والأمن الدوليين في تسوية المنازعات الإقليمية، بناءً على طلب الأطراف المعنية أو بموافقتها، وهم يرحبون بهذه التطورات.
إن عدم نشوب الحروب والمنازعات العسكرية بين الدول ليس في حد ذاته ضماناً للسلم والأمن الدوليين. فقد أصبحت المصادر غير العسكرية لعدم الاستقرار في الميادين الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية والأيكولوجية تشكل تهديداً للسلم والأمن. ومن الضروري أن تولى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ككل أولوية للتعامل مع هذه المشكلات من خلال العمل عن طريق الأجهزة المناسبة. "
ويتضح من هذا السرد لبعض فقرات من البيان المذكور أن مجلس الأمن قد أصبح يعطي لنفسه صراحةً سلطة التدخل في مجالات وعمليات مثل مراقبة الانتخابات والتحقق من احترام حقوق الإنسان والتدخل في المجال الإنساني ومشكلات اللاجئين، وكذلك، التدخل في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والأيكولوجية، باعتبار أن عدم الاستقرار في هذه الميادين يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين.
الدكتور هشام بشير: باحث مصري في السياسة والاقتصاد والبيئة- المنسق العام لشبكة البيئة الان.