يعتبر فن الجداريات من أهم الفنون التي يشهدها العالم ودائما يمتاز بقربه للجمهور .
إنك لا تحتاج لزيارة قاعات عرض اللوحات لمشاهدة جدارية لأنك ستشاهدها وتتأملها أثناء ذهابك وإيابك بالشوارع والميادين العامة على واجهات المباني او الفنادق أو الحوائط .
وتطرح الجدارية دائما تراث الشعوب وتاريخها وفكرها فهي تحمل رسالة ثقافية في المهام الأول وأخرى جمالية ، كما تعد الجداريات عملا توثيقيا يسترجع أحداث الماضي والحاضر ويتأمل المستقبل . نتذكر جميعنا الجداريات الفرعونية والإغريقية والرومانية.
وعن هذا الفن العريق صدر مؤخرا كتاب "التصوير الجداري والعمارة المعاصرة.. علاقة متبادلة"، للفنان التشكيلي د. سيد القماش أستاذ التصوير ووكيل كلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، عن مركز المحروسة للنشر.
تدور مقدمة الكتاب حول أهمية الجداريات ويستشهد بها في القرنين التاسع عشر والعشرين، كما يوضح مفهوم التصوير الجداري ووظيفته ؛ وهو المرتبط في تاريخه بشدة بالعمارة التي توصف بالصرحية، وكمثال على ذلك عمارة الحضارات القديمة والفنون المسيحية والقوطية وانتهاءا بالفنون الإسلامية وفنون عصر النهضة الاوروبية ، والتي لا يمكن فيها أن نفصل بين العمارة والدين والرسوم الجدارية.ثم يتحدث المؤلف عن تنوع وسائط التعبير من حضارة لأخرى ومنها الإفرسك والفسيفساء وغيرها من الخامات ، والتي ارتبطت بكلا من الفن والعمارة.
في القرنين التاسع عشر والعشرين تطورت العمارة وتميزت بشيوع التفكير العلمي والتقنيات الحديثة وتخلصت من التركيز على خيالات الماضي ، كما أصبح للدراسات الرياضية أهمية خاصة في التصميمات المعمارية والفنية ؛ بحيث أصبح التصميم الداخلي للمنشأة امتدادا طبيعيا معماريا وفنيا للتصميم الخارجي.
واستعرض القماش في كتابه نماذج توضح العلاقة المتبادلة بين التصوير والعمارة المعاصرة في اسبانيا، وذلك من خلال أهم أعمال الفنان جودي وبخاصة كنيسة ساجرادا فاميليا، وكذلك في جداريات البرج الخيالي مستخدما البرونز والحديد والموزاييك والعديد من الخامات الأخرى.
[جدارية واجهة مبنى كورتسبرج - الفنان دوربوش - ألمانيا]
جدارية واجهة مبنى كورتسبرج - الفنان دوربوش - ألمانيا
حول العالم
في إيطاليا على سبيل المثال تناول الفنان جينو سيفريني والذي تأثر ببيكاسو، وتوجد له جدارية تسمى الفنون الثلاثة "قصر الفنون"، وكذلك الفنان أنجلو كاينفاري حيث قام بعمل جدارية في حمام سباحة بروما، ونلاحظ العلاقة المتبادلة بين ما هو حقيقي "العمارة" ووهمي "التصوير".
ظهرت مدرسة الباوهاوس في ألمانيا على يد جربيوس، وقد استطاع بمساعدة بول كلي وكاندنيسكي أن يوفق بين ظروف الفن التشكيلي والصناعي لخدمة الحاجات الثقافية والفنية والاجتماعية، وقد كلف بعمل جداريات بمركز هارفارد.
بينما لمع المهندس والفنان لوكوربوزيه في تاريخ العمارة الحديثة في فرنسا، وابتكر العديد من الوسائل والطرق المعمارية، وتعد كنيسة رونشان نموذجا من الفن الحديث المستوحى من الفنون الشعبية، وكذلك الفنان جورج روو، والفنان هنري ماتيس، وفرناند ليجية وجورج براك الذي يعد من أهم رواد المذهب التكعيبي، وكذلك الربط بين الجداريات والعمارة الحديثة.
وفي هولندا سطع نجم الفنانين ثيوفان دوسبورج و موندريان، وتوجد جدارية هامة من عمل الفنان خوزيه سميت بالمكتب الرئيسي لبنك ميدنتاندس.
كما شكل أوتوواجز اتجاها جديدا لمفهوم العمارة الجديدة في النمسا، ونجد لوحة جدارية للفنان كاجلاجاسه أهتم فيها بشمولية العمل وتحطيم الأشكال الهندسية. وفي انجلترا بكاتدرائية دورهام عمل للفنان مارك أنجاس من الزجاج الملون والمعشق بعنوان العشاء الأخير ، أما في روسيا وخاصة "كييف" وجد كازيمير مالفيتش والذي أوجد حلا بين مشكلة الشكل والفراغ منطلقا من مبادئ هندسية بسيطة.
قام رينية ماكينتوش بعمل تصميم لزجاج معشق بالرصاص في اسكتلندا ، نلاحظ فيه التصميم الهندسي والعضوي والعلاقة بينهما ، ونفذ الفنان إدوار دويزي جدارية هامة على أرضية أحد الميادين الهامة في البرتغال، نلاحظ فيها العلاقة بين الأرضية والمبنى والرسوم الجدارية الرابطة بينهما.
ومن أهم الجداريات في سويسرا التي أبدعها للفنان جوزيف إجار في ممر مركز المدينة الترفيهي، والذي نلاحظ فيه العلاقة بين الجدارية والأسطح المعمارية والوظيفية من خلال الشكل الهندسي المعماري والتكوين الجداري.
كما تناول المؤلف في كتابه جداريات الولايات المتحدة الأمريكية للفنانين أوجست بيره، وهارت بنتون من خلال لوحة "أمريكا اليوم"، وكذلك الفنان تشارلز بجداريته تحت عنوان "الاحتفال"، وأيضا جدارية للفنان بويل مولين، وفي مبنى الأمم المتحدة في نيويورك توجد جدارية للفنان مارك شاجال منفذة بالزجاج المعشق الملون.
عرض أيضا الكتاب فن الحدود الأمريكي، وهو تلك الجداريات التي تقام عند ضواحي المدن، وكذلك التصوير على أسطح جداريات المترو بأسلوب إيربرش.
وتحدث المؤلف عن التصوير الجداري الحديث في المكسيك، ذاكرا أن الفن المكسيكي المعاصر له رسالة ويحمل التزاما من خلال أعمال ديوجو ريفيرا، والذي يعد الرائد الأول للأسلوب التاريخي للمدرسة المكسيكية الحديثة، وكذلك الفنان اوروسكو وبخاصة في لوحته "المدينة الحديثة"، والفنان الفاروسكيروس وهو من الفنانين اللذين حققوا حرازا خاصا يجمع بين العمارة الحديثة وفكرة الفن، وأيضا الفنان تامايو والذي كانت جداريته تجمع بين الخطوط والمساحات الدائرية العضوية والشكل المعماري في علاقته المتبادلة. وأخيرا الفنان المهندس أوجارمان صاحب جداريات المكتبة الرئيسية لجامعة المكسيك، والتي جمع فيها العديد من الرموز والأشكال في توازن وتناسق بين التصوير وعمارة المبنى.
وفي البرازيل نجد الفنان بورتيناري والذي نفذ كثيرا من اللوحات الجدارية المرتبطة بالمجتمع ومشاكله الخاصة والعامة.
[خلفية الكتاب]
خلفية الكتاب
عمارة وجداريات
ذكر الكاتب باصداره العلاقة المتبادلة بين التصوير الجداري والعمارة المعاصرة في مصر، مقدما نبذة عن العمارة الحديثة، حيث تطورت مع بدايات النصف الثاني من القرن العشرين تقريبا، واستخدم الفنان المعماري العديد من الخامات المستحدثة، وركز على الخطر الذي يهدد فن العمارة الحديثة؛ لأنه شاع استخدام العمارة الموحدة.
وتناول الكتاب العديد من الجداريات في مصر، وذلك من خلال جدارية محكمة الجلاء بالقاهرة للفنان عبد الهادي الجزار، وجدارية محطة السكة الحديد بالأقصر للفنانين أحمد نبيل وكمال السراج، ومحطة السكة الحديد ببورسعيد للفنان حسني البناني، وجدارية واجهة حلواني جروبي بالقاهرة للفنان الإيطالي جاستمان، والفنان صلاح عبد الكريم بجدارية بحمام سباحة بشيراتون القاهرة، وكذلك جداريات مترو الأنفاق بالقاهرة للفنانين زكريا الزيني ومحمد رياض سعيد وممدوح عمار، وجدارية مبنى الأهرام بالقاهرة للفنانين صبري منصور وأحمد نبيل، وجدارية كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية للفنان عبد السلام عيد، وبعض أعمال الجداريات للفنان السيد القماش المقتناة بمتحف الفن الحديث بالقاهرة.
وفي ختام الكتاب قدم المؤلف د. القماش بعض النتائج الخاصة والتي تؤكد على أن التصوير الجداري ليس تجميلا للمكان فحسب، بل عليه أن يتعامل مع الوظيفة الفعلية، كما دعا لإلزام الهيئات والشركات الكبرى وملاك العمارات الفخمة بأن يخصصوا مساحات في الواجهات الداخلية وكذلك مداخل العمارات بلوحات فنية.
[img][/img]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]