أبو احمد رجل عجوز خط على وجه الزمن تجاعيد ظاهرة , ترى البؤس يسكن أعماقه , قد أرهقه الفقر كثيرا ً , فهو يعيش في بيت متواضع لا يسكنه غيره , فأبوا أحمد لم يتزوج قط , هو ولد يتيم الأب والأم وجد نفسه يعيش في حياة لا تقبل به , يفترش الأرض أحيانا , يلتحف السماء وملابسه , وقد سمي بهذا الأسم لكثرة أحلامه العلنية والتي هي حق له بان يتزوج وينجب أبن ويسميه احمد , وفي أحد الأيام ولعطاء الله سبجانه وتعالى ساعد أبو احمد رجل غني , وقدم له معروفا ً بان انقذ حياته من الموت , فما كان من صاحب المال إلا أن يطلب من ابو احمد ما يشتهي , فكبرياء ابو احمد كان يدفعه بأن لا يقبل مال من احد فهو ليس بمتسول , هو يعيش من عرقه , حيث كان يعمل عتال للأغراض في أحد أسواق المدينة , يكسب من خلاله ما يسد رمق جوعه . فسأله صاحب المال : ماذا تشتهي من هذه الدنيا ؟
أبو احمد : لا شيء غير الشعور بأنني انسان لا اختلف عن باقي البشر , ولدي عمل قد أرهقني كثيرا , فانا أتخذت من جسدي حمالا للأغراض وهناك ما هو اثقل , لكن يجب أن احمله حتى ألأبي حاجتي وحاجات الناس , ولا أريد غير حمار يساعدني ولو قليلا كي يحمل جزء ً عني .
أبو احمد رفض المال الذي عرضه عليه صاحب المال , ومشى بالطريق عائد الى عمله وما كان من صلحب المال إلا أن لحق به لكي يتعرف على عمل هذا الرجل , تابع خطواته كلها , رأه يحمل الأحمال على كتفيه , الثقيل منها والخفيف , كان أبو أحمد يسير مسرورا بالطريق لأنه يكسب لقمة العيس بتعبه وكده , ولقدرة الله كما تعثؤ صاحب المال , تعثر أبو أحمد وهو يحمل كيس من الطجين لأحد الأشخاص , فما كان من صاحب المال ألأا أن يركض مسرعا ً بإتجاهه , لكي يساعده على النهوض , تبسم أبو احمد في وجهه
وقال له : أتتبعني من مكان لأخر
قال صاحب: المال نعم
فقال أبو احمد : لا تحسب أني لم أعرف فانا شعرت بوجودك طوال الوقت , وأشكرك جزيلا ً على مساعدتي , فقال صاحب المال : ما أسمك ؟
أجاب : أسمي أبو أحمد .
صاحب المال : تشرفنا بمعرفتك , هل لديك أولاد ؟
ابو احمد : لا
صاحب المال : لكن أراك تتعب كثيرا , لما كل هذا التعب وأنت لا تملك الأولاد .
أبو احمد : يا سيدي كان لدي مال كثير , وقد أضاعه أبي , لم يعرف قيمة المال عندما يستثمر .لا أريد ان اخطئ خطأه
صاحب المال : ما تقوله صحيح , ليس إمتلاك المال يعني أن تكون غير منتج بالحياة , فالله خلقنا جميعا لنعمر الأرض .
شكر ابو احمد صاحب المال كثيرا ً , وتوجه بعدها ليكمل المسير ويوصل ما كان يحمله على كتفه , وترك وراءه صاحب المال , يفكر كيف له أن يرد لأبو أحمد جميله , الى أن خطرت بباله فكرة شراء حمار له يساعده على حمل الأثقال , بيتما كان صاحب المال يفكر كان ابو احمد يسير عائدا ً الى البيت ليلقي بجسده على فراشه , يريح نفسه من التعب , لكن هذه المرة لم ينتبه ان صاحب المال كان يلحق به ليعرف أين يسكن , تناول أبو أحمد ما قسم له من طعام شاكرا الله على نعمه الكثيرة , ليلقي برأسه على وسادة النوم ويفكر بغدا ً وكيف يكون أفضل له .
أستيقظ أبو أحمد على صوت حمار قريب من المنزل , فخرج الى الساحة ليجد حمارا ً بجانب شجرة التين , فرح كثيرا ً به , ودخلت عليه أسئلة كثيرة ليعرف من أحضره كي يثدم له الشكر , وجال بفكر أبو أحمد صاحب المال وتوقع ان يكون هو من احضره , ورغم فرحه لكن دخل عليه نوع من الحزن , يريد أن يشكره لكن لا يعرف أين يسكن , ركب ابو احمد حماره وتوجه الى مكان عمله سعيدا ً فهو يعلم انه لن يتعب بعد الأن , عنده الأن من سيساعده في حمل ثقله , وسط السوق نظر كل الحمالين الى أبو احمد وعلامات الإستغراب تعلو وجههم , من أين حصل عليه ؟ , فهو يعمل مثلنا , فذهب أحد الأشخاص وسأله : منأين حصلت عليه , وكعادته ابو احمد حيث كان يتحلى بحس فكاهة قال : نمت البارحة واخذت أحلم وأتكلم طوال الليل , حمار حمار حمار , فأصبحت ووجدت الحمار أمام البيت , هو لا يريد اخبارهم ما حصل فهو دائما يكتم سره , وعندما يسلعد احدا لا يتباهى بذلك يعرف أنه من طبعه مساعدة الأخرين , امضى أبو احمد وقته بالعمل وقد شعر براحة كبيرة , لم يتعب جسده , فهناك من حمل عن كاهلة ما هو ثقيل , أما باقي الحمالين عادوا الى بيوتهم , وطلبوا من زوجاتهم ان لا يزعجوهم , فغدا سيكون لديهم مفاجاة , اخذ كل الحمالين ينطقون بنومهم حمار حمار حمار , على امل أن يستيقذوا ويجدوا ما يتمنون لكنهم لم يجدوا شيئا عرفوا ان أبو احمد كان يمازحهم , فقرروا الإنتقام منه , وما كان منهم إلا ان يجدوا طريقة لكي يضعفوا حمار أبو احمد ويصبح هزيلا , فأخذوا يتساءلون هل نقدم له عشبة للتخسيس , ام نشتري دواء لمكافحة السمنة , أحتاروا كثيرا , الى أن وجدوا عطارا لديه عشبة خاصة تضعف الجسد بشكل كبير , فأشتروا منها الكثير , وأخذوا كل يوم يطعمون حمار أبو احمد كعربون محبة له , ومع مرور الوقت بدأت الضعف يلف حمار أبو أحمد رويدا رويدا , الى ان أصبح بشكل هيكل عظمي , لا يقدر على السير , فتعجب أبو أحمد لما حصل لحماره وكيف أصبح ضعيف الجسد , فقد وجد نفسه يعود الى سابق عهده , يتعب كثيرا في توصيل الأحمال , الى ان سمع الحمالين يوما ً يضحكون ويتهامسون بصوت عالي , عن ما فعلوه بحمار أبو احمد , فهرف الحقيقة كلها , عاد أبو أحمد الى بيته بعد يوم طويل من العمل , وأخذ يفكر بطريقة لكي يعيد الحمار الى سابق عهده لكنه لم يستطع , فجال في فكره أن يبع حماره , ويشتري به حمار أخر , فذهب الى السوق في اليوم التالي , ليعرض حماره للبيع , لكن احدا ً من الحمالين لم يشتري الحمار , واخذوا بإطلاق وابل من السخرية على حمار ابو احمد كيف اصبح ضعيف وهو لا يصلح لشيء , ألتف حزن شديد أبو احمد على ما حصل له وهو يعلم بسره ان الخمالين هم وراء ذلك , فأخذ يفكر كثيرا بما سيفعله , لتأتيه فكرة أخرى , أحضر أبو أحمد منفاخ هواء وأخذ ينفخ حماره بالهواء وذلك من خلال عمل ثقب في جلده وأدخال الهواء تحت الجلد , أستغرق وقت طويلا في العمل على أظهار حماره ببنيان ضخم , حتى طلع الصباح , ركب أبو أحمد حماره وذهب الى السوق فذهل الجميع لما يركبه أبو احمد , حمار لم يروا مثله من قبل , فأخذوا يتهامسون مرة اخرى , من أين أتى به ؟ .
فيما هم يتهامسون نزل أبو أحمد عن حماره وقال : سأبيع هذا الحمار فمن يتشري , فتهافت عليه المشترون بكثرة والكل يدفع مبالغ كبيرة للحصول عليه , الى أتفق مع احد الحمالين على مبلغ من المال وإشتراه , وكان هذا الحمال ممن ساعدوا في أضعاف حمار أبو احمد , فما كان منه إلا أن يركب الحمار متباهيا ً أمام الجميع به , وهو سائر بالطريق أخذ الهواء ينفذ من تحت جلد الحمار بواسطة الثقب الذي فعله أبو أحمد رويدا رويدا الى ان وصل البيت وربطه بجذع شجرة بالية تسكن فناء بيته , وذهب الى البيت متفاخرا أمام زوجته بما أشترى , ونام نومه العميق , أستيقظ في الصباح ليجد الحمار قد نفذ منه كل الهواء فأصبح هيكلا ً عظميا ً لا يقدر على شيء , جن جنونه وتوجه الى أبو احمد وقال : لقد خدعتني .
فأجاب أبو أحمد بحس فكاهي : هذا الحمار يتمدد بالنهار ويتقلص بالليل بفعل الشمس والبرودة , فأقتنع ذلك الحمال بقول ابو احمد وذهب ليراقب حماره لعلة يتمدد بفعل الشمس . ( ^ _ ^ )