عثمان محمد نائب المديرة
تاريخ التسجيل : 22/12/2011 العمر : 42 البلد /المدينة : فلسطين
بطاقة الشخصية المجلة: 0
| | أخر ليلة | |
بالأمس مات صاحب الدكان , ترك وراءه بيت وأرض وعلبة سجائر كان قد إشتراها له ولده الوحيد من دكان مجاور , أقبلت على أبنه , أترحم على العم أبو مفيد , قائلا ً هذه الدنيا , تأخذ فجأة وتعطي بعد إنتظار , تبسم , كان يعلم أن رائحة أبو مفيد مازالت تسكن يداي وأنا أقبله كل يوم , أجلس بجواره لقترة طويلة أنسى أني منهك من العمل يسرد لي حكاياته الزاهية بالحياه , وقوته على مواجهة سوادها , وعثراتها التي لا تحصى إلتقط منه بعض الجمل , أتركها كما هي , أزيد عليها أحيانا ً , فما واجهه قد يواجهني يوما ً , قد أصطدم بها في الحياة , يعطيني أسراره التي أخفاها عن أبنه , محبتي له دفعتني أن أسأل عن أخر ليلة له في هذه الدنيا , فرد بتلعثم رأيته بين شفاهه , لوكنت أعلم يا صديقي لما تركته يموت بعيدا ً عنك , لكن لا ينفع الكلام الأن , في أخر مرة شاهدته فيها , كان يطارد ببصره أركان الغرفة , كأنه يتفقدها , وجهة كان يشبه الطفل , فهل كان طفلاً يوما ً ما , أشك أنه كان , أرسلني كي أشتري له علبة سجائر من دكان مجاور , وسط رحلتي هذه عرجت على أحد الأمكنة , تأخرت , أخذني الحديث , وعندما عدت الى المنزل , لم يقل لي لماذا تأخرت , وكنت أعلم ذلك , تمنيت أن يضربني , لدرجة أني شعرت بأنه سيفعلها للمرة الأولى بحياته , أخذ علبة السجائر , وجلس بجوار مدفئة البيت أشعل سيجارة , وغرق في صمت , كان وجهه لحظتها غارقا ً في رقة مهيبة , والتجاعيد السوداء على خدية كانت تشبه اللون الأبيض , شفتاه مغلقتان على بعضهما البعض فظننت أنهما تحضران لضحكة قريبة , سيضحك في أي لحظة , لكنها لم تخرج , فتأملت كثيرا ً هذا المنظر الماثل أمامي , أغرق في مشاعر لم أشعر بها من قبل , شعرت أن القمر لا يخرج إلا لأجله , والشمس عندما تشرق تخشى هذا الرجل , شعرت بأنه في دكانه فاجئني بحركة ونظرة واحدة إختارها هو , سألته مابك ؟ أجاب بكلمات موجزة وخافتة وعبر بحركة رفع فيها يده الى السماء , لم أفهمها غير الأن ,ثم عاد الى صمته مرة أخرى كان يدندن بشيء ما لم أعرفه كأنه يستجدي بواطنه , كنت أسمع شهيقة مستبعدا ً أن يكون يبكي , صمته كان جارحا ً , يكاد يختفي صوته وهو يحاول فرز أحزانه , شعرت حينها أنه كان يحاول أن يجمع أفراحه ليهديها لي لكنه لم يجد غير ألآم كانت تطفو على السطح , الى أن قفزت منه الذكريات مع بحة مفاجأة تشبه الريح كادت أن تخفي صوته , أسقط رماد السيجارة على الأرض نظر أليها , تبسم , لكن داخلة غير ما ظهر على وجهه , ثم قال " الدنيا كانت معي يا بني كهذه السيجارة , شربت من جسدي , أخذت مني جزء من مشاعري , أحرقت سنين العمر رويدا ً رويدا ً , وبالنهاية ستنتهي ", شعرت أنه يلفظ كلماته الأخيرة , شعر بلحظة موته , شعر أن سنوات عمره قد إنتهت , أحس بأنه يفترس أحزانه الداخلية , لكنني لم أسمع نواحه كأنه كان راضيا ً بتلك الأحزان , إبتسامته التي رسمها كانت تصوير لحالته التي لم يعترف بها أمامي ألا البارحة حتى لو كانت بصمت تململ كثيرا ً بجلوسه , ثم أطفأ السيجارة قائلا ً ها قد إنتهيت منكي , كعمري الذي سينتهي في يوم من الأيام , ذهب الى فراشه ولم يستيقذ الى الأن ولن يستيقذ أبدا , خرجت من اللحظة سرت وفي عقلي كثيرا ً من التساءولات , هل كانت رواياتك يا أبو مفيد من وحي خيالك وأنت من علمني كيف أكون سعيد ؟ هل حكاياتك عن الحياة وكأنها بلسم لجراحي كانت مجرد قصص من سرد الخيال ؟ لماذا خفت أن تعترف لي ؟ أتخاف أن أكرهك لكذبك علي ؟ لا طبعا ً فأنا جالستك كما تجالس النجوم القمر , أحببتك كحب الزهرة للتراب يبدوا أنك حاولت أن ترسم لي الحياة بألوان زاهية رغم قسوتها عليك , كم أتمنى أن أسألك أخر سؤال لي , هل أنا أنت ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
| |
|
1/16/2012, 21:30 من طرف خالدفايز