عثمان محمد نائب المديرة
تاريخ التسجيل : 22/12/2011 العمر : 42 البلد /المدينة : فلسطين
بطاقة الشخصية المجلة: 0
| | الوعد , قصة قصيرة | |
إستيقذ أبو محمد على صوت زوجته تصرخ , تطلب منه نقلها الى المشفى , فالولد الذي كان ينتظره ما هي إلا ساعات حتى يخرج الى الدنيا , رغم تألم زوجته كانت الفرحة مرسومة على وجهه , هو بإنتظار ولد عرف بذكاءه وجماله قبل أن يأتي , وسط المشاعر المختلطة عند ابو محمد ذهب مترنحا ً الى هاتف المنزل ليطلب الإسعاف , وحضر على عجل , ونقل أم محمد الى المشفى وهناك أعلن ولادة الطفل محمد , خرج الى الدنيا أقل ما يقول أنه ملاك من ملائكة السماء , أبيض اللون , عيون سوداء , شعر أملس قريب الى اللون الأصفر , كأنه طفل لم يولد من قبل , خرج ضاحكا ً مبتسما ً لم يعلم أنها اخر ضحكاته على هذه الدنيا , هذا الطفل أسكن الله في مشاعر لا توصف , أحساسه لا مثيل له , محب للناس , رائع بحضوره أينما حل , كان لا يملك في الدنيا غير قلبه مشاعره ليمنحها لغيره , يتخلى عن نفسه عن احلامه ليسعد من يريد , وهذا الملامح رافقته طول سنواته العشر , في عمر الست سنوات دخل محد المدرسة , كان يمتاز بالذكاء , ورعة الكلام , وجمال الحضور , كان كل من في المدرسة يفرحون بوجوده , يقلقون عندما يختفي لوعكة صحية أو لحالة ما , كأن الحاضر لا يعرف غير محمد ,في صفه الأول تعرف محمد على صديقه صلاح وكان من اقرب الناس الى روحه , طيبة قلب محمد جعلت من صلاح جزء ً لا يتجزء منه , سكنت أرواحهم بعضها البعض , كلما حدث شيء للأخر كان الثاني يعلم كأن روحهم أرتبطت بشكل غريب , أندمجت مع بعضها وأصبحت روح واحدة , تلاعبوا بالحياة سويا ً , ركضوا وساروا في حقول قريتهم , لعبوا مع الأزهار , ناموا على ربيع بلادهم , كتبوا وجودهم على كل شجرة وعلى كل صخرة جلسوا عليها أحلامهم لم تتخطى طفولتهم , تبادل الورود , ألعاب يفرحون بها , اللقاء الطفولي الحميم , الحب البريء , والحب الجريء , كانت علاقتهم أطهر ما تسمع أنقى من أي علاقة أخرى هو حب الأخ والصديق ورفيق العمر . في سن الثالثة عشر بدأت الأحلام تتغير , تتخطى الألعاب , تتخطى الورود , أحلام كل شخص , الوصول لثقافة التعليم , حب الكتب , حب الكتابة , حب الرواية , عشق القصص , أحلام عادية لأي شخص , ان يحصل على الدرجة العلمية التي يريدها , واحلام الحبيبة والزوجة والبيت المشترك , وكانت هذه الاحلام ترسم تحت شجرة زيتون بالقرب من مدرستهما , أن يكونا شريكين في التعليم , أن يكونا شريكين في الكتابة , أن يكونا شريكين بالحياة , رفض كل واحد منهم أن يعشق فتاة قبل الأخرى , أرادوا أن يعشقوا في نفس الوقت , فإرتباط أرواحهما جعلتهم لهذه الدرجة من الصداقة والحب الذي لا يوصف , حتى في العشق , فعشقهم لا يوصف , الى أن جاء يوم ووقعت عيونهم على فتاتين تشبهما , ملائكة مثلهم , فقوة الإرتباط بينهم جعلتهم يعشقون في نفس اللحظة حب النظرة الأولى , أخذوا بعدها يخطون كلمات العشق والهوى , كانا يعلما في داخلها أن الحب هو من طرف واحد فلم يفاتحوا الفتاتين بذلك ليعرفوا شعورهن , الى ان جاءت اللحظة وقررا أن يسألوا , ففي لحظة عودتهم من المدرسة ألقوا برسالتيهم أمام الفتاتين , رغم أن كل واحد منهم كتبها بعيد عن الاخر , عند قرأتها لا تجد فرق بين الكلمات , كأنهما كتباها سويا ً , خطاها بأناملهم البريئة سويا ً وبفكر واحد , كلمات يملئها الحنان والعطف والعشق الأسطوري , فمنبع روحهما كانت طاهرة نقية , لا تشبه منابع المياه الأخرى , لتعشقهما الفتاتين من كلامهما , فهما حلم لأي فتاه , ذكاء وجمال وطهارة لا توصف , صدقهما دفعهم الى الإعتراف أمام الكل بعشقهم , والرغبة بالإرتباط . فهما لا يريدان التلاعب بأحد , الى أن قبل الأهل فأصبحت نور لمحمد , وبراءة لصلاح , في نظر الكل , كان عشقهم يكتب على جدران البيوت , أنه الحب , الحب الحقيقي الذي يسكن القلوب ويأبى أن يخرج إلا مع خروج الروح . وفي ليلة لا زال يذكرها محمد , لازالت مطبوعة في ذاكرته تأبي أن تزيلها الأيام , أستيقذ محمد على صوت الله أكبر أنه موعد صلاة الفجر , لينسل جسده من تحت الفراش ليتوضأ ويذهب الى الصلاة , وهو في طريقه الى الجامع عرج بنفسه الى بيت صلاح , طرق بابه ليأخذه معه حتى في الصلاة يأبي أن يأخذ حسناتها لوحده , أراد ان يشاركه صديقه فيها , قبل صلاح وذهبا سويا ً الى الجامع وصلوا , محمد كان يسكنه شعور بالخوف والقلق لا يعرف من أين أتى , كان يرتجف طول الوقت , كان يشعر بحدوث شيء لكن ما هو لا يعلم , فالقدر لا يعرفه غير صاحبة , الله عز وجل , بعد أن أتمى الصلاة خرجا سويا ً ولا زال محمد يرتجف من الخوف , الى ان وصل الإثنين الى باحة القرية , في هذه اللحظة دخل جنود الإحتلال القرية , بسياراتهم التي أكلت الشوارع , بصوت قنابلهم التي أزعجت سكان الحي , فهم وحوش سائرة على الأرض , وكعادة الكل , خرج الشبان ليلقوا الحجارة , ليطردوا هذه المخلوقات الغريبة التي إستباحت أرضهم , وما كان من محمد وصلاح الى المشاركة , فمقابل الحجر كان صوت أزيز الرصاص يملئ المكان , الى أن جاءت لحظة الخوف التي كان يرتجف منها محمد , في لحظة ما أسكن الجنود وابل من الرصاص في جسديهما , جسد صلاح سكنته ثلاث رصاصات , وجسد محمد سكنته أربع رصاصات , ليلقى الإثنين على الأرض وبجوار بعضهما , صلاح ينزف بشدة ومحمد ينزف أكثر , بقيا على الأرض لربع ساعة , كانت الربع ساعة كأنها أعوام وأعوام , محمد يبكي على صلاح وصلاح يبادله نفس البكاء , كل منهما يريد الإطمئنان على الأخر لكن بعد المسافة ولو أنها لا تزيد عن أمتار , كانت بالنسبة لهم بعد بلاد , محمد يمد يده ليلتقط يد رفيق العمر لكنه لا يستطيع , كلما حاول زاد بكائه , زاد صراخه , أين أنت يا صلاح كان يريد أن يسمع صوت منه لكي يطمئن عليه , لكن انفاس صلاح تختفي ببطء , ومحمد يفقد الوعي ببطء الى أن أصبحت الحياة سوداء بالنسبة لهم , ليأتي أهل الحي وينقلوهما على عجل للمشفى بعد أسبوع أستيقذ محمد من غيابه القصير عن الحياة , ينظر بعينه الشاحبتين حوله , لا يجد أحدا ً , يطلق أصوات ضعيفة لعل احد يسمعه , أين صلاح ؟ أين صلاح ؟ لا يجيب أحد , رغم أن الغرفة كان بها جل اهل محمد لكنه لا يراهم , يرى صديقه فقط ماثل أمامه , يريدالإطمئنان لا أكثر , الى أن جاء من بعيد صوت خافت , أنها ام محمد تطمئن محمد على صلاح لا تخف أنه بخير , هو يرقد بغرفة اخرى لكنها بعيدة عنك , لن تصل أليها , عندما تشفى سأزوره انا وأنت , رغم هذا شعور الخوف الذي لازمه قبل أن يصاب يسكنه , لم يطمئن قلب محمد , يعلم بداخله ان هناك شيء لكن ما هو لا يعلم , وبعد أيام شفي محمد وأصبح بمقدوره السير , لينادي أمه , يعلو وجهه حزن شديد , والدموع تسكن عيونه , وعدتني بزيارة صلاح لنذهب سويا ً , ردت الأم بحزن نعم يا بني هيا لنذهب , في داخل محمد لحظة اللقاء كانت مجرد مسافة أمتار ليرى صديقه , خرج محمد متكئ ً على امه لرؤية صديقه , سار وسار وسار وسار وسار الى خرج من المشفى , تفاجئ وسألها بحزن , صلاح يرقد في مشفى أخر ؟ , فأجابت أمه ستعلم بعد قليل , ليركبا السيارة وتسير بهم الى حيث لا يحب أحد ً أن تسير به , لم يكن يعلم محمد ان الغرفة التي يسكنها صلاح هي الغرفة الاخيرة للإنسان , لتقف السيارة ويدخل محمد وأمه مقبرة القرية , على بابها بدأ محمد بالبكاء , شعر بأن روحه قريبة من الله , أنه ذاهب لزيارة قبر صديق العمر ورفيق الدرب , فصلاح كانت رصاصاته قاتلة , أفقدت الحياة منذ اللحظة الأولى و لم يكن يرد على صديقه لأن روحه ليس على الأرض بل هي عند صاحبها , ليبدأ مسلسل الحزن الساكن في محمد الى الان ولا يستطيع التغلب عليه , فروحه قد شطرت , وحلمه قد ضاع , صديقه ماااااااااااااااات , لتبدأ رحلة البكاء عند محمد بكاء لا يشبه بكاء , حزن لا يشبه حزن , دموع ليست ككل الدموع , فحبيبه مات , ورفيق العمر مات , ونصف فؤاده مات , مات بعدها محمد بكل مشاعره وكل أحلامه , ليدخل في حالة التمزق الروح والكائبة والدموع " لحظات لا يستطيع كتابتها أي قلم مهما كان " , أخذت هذه الحالة تسيطر على محمد لشهور , فأيامها مرت وكلها بكاء وبكاء وبكاء , حزن يلف الأيام والساعات والدقائق , الى أن جاء صلاح لمحمد في حلمه , حتى في موته أبى أن يتركه , جاء أليه ليقول له أكمل أحلامنا , فحلمك هو حلمي , ونجاحك هو نجاحي , أكمل حلمي , هذه اللحظات حتى لو كانت قصيرة وخيالات تسكن العقول , تجعل من الإنسان بحالة اخرى , فأستيقذ محمد من حلمه بعدها , وخرج من غرفته كالمجنون يركض بإتجاه قبر صلاح , ليقول " صديقي ورفيق عمري , أبيت أن تفارقني , وجئت تطلب مني , يا صديقي أعدك بأن أكون كما طلبت , أعدك بأن أحقق أحلامنا واهديك أياها , أعدك بأن أكون كما كنت , محب للناس , حنون على صغيرهم وكبيرهم , اعدك بأن أكون عون لهم متى يطلبون , أعدك وأعدك وأعدك , أعدك أن تكون كل شيء يا صديقي " ليرحل محمد بعد وعده , ليحققها كلها , ألا حلم واحد حلم لقاء صديقه , ليحضنه , ويقبله , ويشاركه الحديث كما كان , ليرحل والحزن والبكاء والدموع لا زالت تسكن أيامه .
عثمان محمد
عدل سابقا من قبل عثمان محمد في 5/5/2012, 19:58 عدل 2 مرات | |
|
3/13/2012, 21:10 من طرف دكتورة.م انوار صفار