عثمان محمد نائب المديرة
تاريخ التسجيل : 22/12/2011 العمر : 42 البلد /المدينة : فلسطين
بطاقة الشخصية المجلة: 0
| | نور , قصة قصيرة | |
طريق طويل بدا لي عندما إجتزت بسيارتي أحد المنعطفات , أراقب من خلال مرأة سيارتي كل كائن يسكن في هذا الشارع , قط صغير يلعب بأحدى العلب الحديدية , أمراة تسير معها ثلاث ورود جاءت الى الحياة بفترات متقاربة تكاد تكون سنة واحدة فقط , أسير ببطء لأتملس وجوه المارة أقرأ حكايات من هنا وهناك , فوجوههم تكاد تعبر عن ما في داخلهم , ذلك يركض للبيت لرؤية أهله , وذلك واقف , يحمل بين يديه زهرة حمراء أكاد أجزم أنها لحبيبة ينتظرها منذ زمن , وتلك عائدة الى البيت فزوجها أقترب موعد عودته , في زاوية الشارع قبل إشارة المرور تقف نور بوجهها المبتسم تحمل بيدها سلة الزهور , يكاد جمال نور أبنة الثلاثة عشر سنوات يطغى على ما تحمله , هي وردة بيضاء تقف على ناصية الطريق , لا أعلم هل هو القدر جعل إشارة المرور تعطي الضوء لي للوقوف بجوارها, أو أني أدعوا الله لكي تتوقف الإشارة , لأتلمس وجهها وحكاية بدت لي قبل الحديث معها , لتأتي ببطء الى جوار نافذتي , وبصوت ناعم قرعت أذني به ورد سيدي لمن تحب , إبتسمت لها , ودون سابق إنذار أطفأت صوت المحرك , صوتها العذب الصادر من بين أنغامها الموسيقية جعلني لا أرغب بأي شيء غير سماع حديثها , وقلت لها أكملي أو رددي نفس العبارة , فقالت , ورد يا سيدي لمن تحب , لأبتسم مرة أخرى لها . ما أسمك يا زهرة ؟ أسمي نور كم شربتي من الحياة ؟ نور : ثلاثة عشرة عاما ً لما تبعين الورد وأنتي وردة تختلف عن ما في سلتك ؟ نور : ورودي التي أحملها بين يدي قطفتها الأن , هي جديدة , أزرعها في حديقة منزلي , أرويها كل يوم , أما أنا سيدي وردة قطفت منذ أعوام , لا أعلم أي أرض قد أنبتتني , لا أعلم أي سماء قد شربت منها إلا قبل بضعة شهور , وجدت نفسي في حديقة ليست حديقتي , في مكان ليس مكاني لتقطع حديثها وتقول ورد يا سيدي لمن تحب . أمهليني بالله عليكي , لا أريد وردك يا نور , أكملي .... نور : لترد علي بقول لم أتوقعه أكمل وكل هذه السيارات قد أزعجتني بصوتها , أفتح الطريق سيدي , هناك من يريد أن يمر إذن أركبي بجواري نور , سنذهب الى حديقتك نور :وورودي يا سيدي ؟ ورودك هي من جذبتني , لا تخافي ستزهر من جديد أدرت السيارة متوجها الى بيت نور , في الطريق صمت كل شيء , صوت موسيقى الفصول الأربعة حتى صوتي أنا . من قطفك قبل الأوان , من جعل منكي زهرة متنقلة , هل هو قدرك أم أن الناس هم من صنعوه لكي ؟ نور : ببسمة , عرضت أن تذهب الى حديقتي , إنتظر قليلا ً , هناك ستعرف كل شيء . , لما لم تشتري وردي ؟ لن أكذب عليكي نور , الورود تشدني كثيرا ً , وخاصة التي أجدها قد ذبلت قبل الأوان , ورودك كانت شامخة , كانت بملمس جديد لم تمسها غير يدك , ما لفتني أنتي أيتها الزهرة البيضاء , تقفين شامخة رغم ما يوجد على أوراقك من قطرات مطر الحياة , وذبول لزهرك لامسته رياح الأيام . نور : قد تكون أصبت , لكن, وأنا انظر الى عيونك , أرى حكايات كثيرة , أرى كلمات لم تخرج بعد , تكلم , لا زلت أنا في الثالثة عشر من عمري , وانت شبت قبل الأوان لم أرى شيئا ً بعد هكذا واضح من نظرتك المختفية . لا تستعجلي نور , فالدنيا فيها مما تشاءين , فيها من الأمور التي تجلب السكينة للإنسان وفيها ما يجلب التعاسة له , لا أعلم هل هو القدر الذي يتلاعب بنا أم نحن من نصنع قدرنا , حكايتي بإختصار , أني ولدت على الحياة بأمل كبير , بأحلام حققت فيها ما أريد إلا رسم البسمة على وجهي , الحياة قاسية يا نور , قاسية جدا ً , من لا يأمنها سيعيش طول الدهر تعيس , فلعبة القدر لها وجهان , تراه يتلاعب فينا كقطعة النرد , ومن يقف أمام تياراته العاصفة سيكون بخير حال , أنا يا نور تيارات القدر عصفت بي كثيرا ً أذابتني كقطعة الثلج , قطرت قطرات الماء من جسدي في كل مكان , عشت أحلامي الطفولية على واقع ممزق , على أنياب تنهش في جسمي , لم أرد في هذه الحياة سوى الأمان , تارة تجد هذا يتلاعب بمشاعري بدافع الحب الذي لا يملكه أصلا ً وتارة أخرى تجد أحد ا ً يجعل مني سلم ليتسلقه وبعد أن يصل القمة , يركله برجله لأسقط على الأرض , تاركا ً في أعماق روحي خدشات من السقوط , كأني حجر , لا يكسر غير بمطرقة كبيرة , كم من الناس حفرت في جسدي عميقا ً , حفرت جروح لا زلت أذكرها وأبكي عليها , وما يؤلمني أكثر أني أجد من يقول لي إبتسم وسر بالحياة , أضحك وعش بالدنيا , كيف لي هذا وعلى جسدي خارطة من ألم وفي داخلي بمشاعري وأحاسيسي خارطة أخرى لكنها متشعبة اكثر بلدانها جروح وشوارعها آلم لا ينتهي , رغم هذا أضحك وأسير مبتسما ً , أرفع رأسي لأنظر أمامي , فلا زال هناك نقطة ضوء أراها من بعيد . نور : وجهها شاحب , دمعتها على جفن العين , لا تكمل .... لحظات من صمت فرضت علينا , لا تسمع غير صوت أنفاسهما , رغم أنها طفلة لكن في داخلي أنها أنثى بالغة تعلمت من الحياة كل شيء رغم ما فيها من تجاذبات بين الخير والشر , بين السقوط والنهوض , لتنتهي الرحلة القصيرة أمام بيت صغير يحيط به الأشجار , وحديقة أخذت ناظري أليها تملئها الورود بكل أشكاله , بكل ألوانه . نور : تفضل سيدي ... دخلت من البوابة الصغيرة المغطاه بأوراق خضراء , أسير ببطء نحو باب البيت , تتقدمني نور بعنفوان لم أرى له مثيل , بشموخ لم أعهده من طفلة بعد . نور : جدتي , جدتي , لدينا ضيف الجدة : أهلا وسهلا يا بني , تفضل . دخلت من باب البيت , أراقب كل شيء فيه , أشياء صغيرة , لا تكاد ترى بالعين المجردة , طاولة هنا وتلفاز صغير هناك , شموع هنا , وورود قطفت حديثا ً ملقاه على الأرض يجتمع حولها , ثلاثة أطفال . مساء الخير , الكل صامت لا يرد , كانه أول مرة يشاهدوا شخصا ً مثلهم , لا أعلم هل هو خجل , أم فعلا لم يمر عليهم أحد منذ زمن بعيد . نور : لا تخافوا هو عابر سبيل وسيرحل بحاله , لا تخافوا , جاء ليتعرف علينا , أوقفه القدر أمامي وأحب التعرف على ذاتي وعلى المجتمع الصغير الذي أعيش فيه , ما لمسته انه إنسان , وليس وحش , ليكسر الصمت مرة واحدة ويبدأوا بالحديث تريثوا لا تتكلموا , وجدت لنفسي ركن في البيت وجلست , لأراهم كلهم , الأن تكلموا . مالك : مساء الخير سيدي , أخوهم الأكبر , شربت من الحياة عشر سنين ملك : مساء الخير سيدي , البنت الأصغر شربت من الحياة 9 سنين ملاك : مساء الخير سيدي , البنت الصغرى , لم تتكلم , صامتة , خجولة , تعلوها بسمة بريئة , تهمس بصوت يكاد يختفي بين طرقات مقصات الورود , لتقاطعها نور , شربت من الحياة ثلاث سنين . ما لفت نظري أن أسماء الأولاد كلها متقاربة , وهو فكرة الأب إن يسميهم بأسماء متقاربة حتى لا يفرق بينهم في الحنان والعطف والمعاملة , إلا نور , فعلامات الإستغراب كان واضحة , حتى قاطعت أفكاري نور وقالت نور : أعلم أستغرابك سيدي , لما إسمي مختلف ؟ فعلمت منها السبب نور الأسماء لا تعنيني , لا أكترث بالإسماء , أريد أن أسمع الحكاية , هيا تكلمي . أخذت نور بالنظر الى جدتها , كأنها تسألها هل أجيب , ووأنا أطاردها بنظراتي , وتبدأ نور بالكلام سيدي , نحن أبناء لعبة القدر , " تبسمت " , بدأت تسرد الحكاية وأنا أستمع , كنا نعيش حياة بوجود الأب والأم , وكان أبي مدمنا ً على الكحول , كان يشرب كثيرا ً , كان عاملا ً في أحدى المؤسسات , يجمع الأوراق وينقلها بين المكاتب , وكان راتبه لا يقضي الحاجة دائما ً , كنا نشكر الله كثيرا ً على نعمه , رغم ذلك كان أبي " لتقطع حديث نور الطفلة ملاك , وتقوم راكضة إلي , وهي تردد بابا بابا بابا , كأنها زهرة عطشى للماء , لتحضنني وتجلس على رجلي وتضمني بصمت " وتكمل نور , وكانت أمي أمراة بسيطة الحال , يملئها العطف والحنان , مشاعرها لا توصف , روعتها لا أقدر على قولها لا زلت أشتاقها كثيرا ً , وقد حاولت جاهدة أن تمنع أبي من الشرب لكنها لم تستطع , وفي يوم من الأيام أقترح أبي أن يذهبا مع بعضهما الى السوق , وسط الزحام عرج أبي لشراء مشروبه الخاص , ودون إنتباه من أمي أخذ يشرب ويشرب حتى ذهب عقله , في طريق العودة كان أبي لا يملك من ذهنه شيء , ألتقى بمجموعة من الناس , ودون وعي أخذ يرمي بالشتائم والعبارات القبيحة عليهم , ليعترضوه , ويهرب منهم وتلحق به أمي لكي تعيده , لكن القدر كان أسرع منها , بأن قتل بواسطة سيارة عرجت على أمي أيضا ً , وقتلتها معه , من وقتها عشنا حياة من الضياع , حياة من المنفى , حياة من اليأس , الى أن أتت جدتي وأصطحبتنا معها الى هذا البيت وها نحن هنا نعيش . نور أنتي تخفي نصف الحقيقة أكملي ..... نور تنظر الى الجدة مرة أخرى , وتشير لها بعينها أكملي ... نور : حسنا ً , يا سيدي أنا خطيئة والدي , لا أقول أكثر , لم أكن أعيش معهم , لكن أبي قبل وفاته بالمشفى , تكلم مع جدتي وباح لها بالسر , فجاءت ألي في يوم من الأيام لتقول لي أني أبنة فلان مع اني سألت أمي كثيرا ً كانت تقول والدك مات وأنتي في داخلي , الى أن جاءت جدتي وعلمت أن والدي مات فعلا ً , ولكره أمي لي ولوالدي تخلت عني بسرعة دون أن تكترث لي وهي من أسمتني نور لهذا أسمي يختلف عن الباقي , كنت أريد أن أعيش حياة مليئة بالتفائل والعطاء , أريد أن أفعل المستحيل لتغيير حياتي , أجد نفسي الأن أسعى لأغير حياة أخوتي , فبراتب والدي الميت , أنشأت حديقة من ورود أسقيها من دمي وتعبي , أرويها كل يوم حتى تكبر , أقطفها أنا وأخوتي لأذهب وأبيعها على إشارة المرور وفي كل مكان أتواجد فيه , أنا يا سيدي , أصبحت أعيش لأروي حكايتي , وأعيش لأغير قصة هؤلاء الأطفال التي لم أعرفهم غير بوقت قريب , أنا يا سيدي أحمل في جعبتي حكاية أبي وأمي وزوجة أبي , أحمل حكاية أخوتي , حكاياتهم محزنة , مؤلمة جدا ً , أعرفت لماذا أبيع الورد الأن سيدي لتختم بقول " أتريد الورد لمن تحب يا سيدي ..........
عثمان محمد
عدل سابقا من قبل عثمان محمد في 3/24/2012, 16:13 عدل 2 مرات | |
|
3/23/2012, 22:34 من طرف دكتورة.م انوار صفار