"الكلاسيكية".. عبادة العقل!
بقلم .. نهى علي
--------------------------------------------------------------------------------
كلمات تتردد هنا وهناك عن الفن ومدارسه، لا يعرف الكثيرون معناها ولا تطبيقها، حتى يصير الفن في كثير من الأحيان، خصوصًا الفن التشكيلي، وكأنه درب من الجنون أو فراغ الذهن، مع أن متابعة تطورات المدارس الفنية واتجاهاتها وظروف نشأتها، تكشف عن سجل حافل من تاريخ البشرية، وتغيرات المجتمع الفكرية والثقافية والاجتماعية مسجلة ومرصودة بأيدي الفنانين، وتعكس المدارس الفنية حالة المجتمع وأفكاره في كل مرحلة من مراحلها.
فالمدرسة "الكلاسيكية" هي التي عاصرت الثورة الفرنسية (1793م) وتبنت تلك المدرسة التعبير عن شعار الثورة الأشهر "العدل - الحرية - المساواة"، هكذا تقول عنها الكتب، لكن الأعمال الفنية الكلاسيكية نفسها تعكس مجموعة من القيم والمفاهيم، ربما لا تتوافق مع شعار الثورة الفرنسية الذي اتخذته المدرسة الكلاسيكية شعارًا لها.
فمن خصائص الأعمال الفنية في هذه المدرسة أن يسود العقل حتى يصبح هو المعبود، وذلك على اعتبار أن غايتها القصوى تتمثل في تجسيد الجمال في جوهره الخالص المجرد، دون ترك أي بُعد للغيب أو الخيال في هذا التعبير الفني.
فمثلاً تتميز أعمال المدرسة الكلاسيكية بتحويل صور الطبيعة إلى قيم زخرفية وأشكال هندسية، فالجمال فيها هو جمال هندسي يخضع لأحكام العقل لا الخيال. فهو جمال هندسي يستخدم الخطوط الحادة والبناء المحكم.
أيضًا من خصائص المدرسة الكلاسيكية ازدراء اللون، فلا تجد في الأعمال الكلاسيكية تعبيرًا بمساحات لونية كبيرة أو علاقات لونية متداخلة، لكن تجد زخرفة مبنية أساسًا على الخط والتصميم الهندسي المحكم، وتوازن الكتلة مع فخامة التكوين.
لذلك تبرز أهم عيوب المدرسة الكلاسيكية في إطارها الضيق الذي يحول كل أشكال التعبير إلى أشكال هندسية، وهو ما يتناقض مع حب التعبير عن الحياة النابضة في شتى صورها، كما يؤكد الفنانون الكلاسيكيون في أعمالهم بهذا الأسلوب الهندسي على إعلاء شأن العقل على حساب الروح والإحساس والخيال، وهو أمر قد يتناقض -ولو ظاهريًّا- مع شعار الثورة الفرنسية الذي كانت الكلاسيكية تعبيرًا حيًّا عنه، لكنه يتفق مع مضمون تلك الثورة وسلوكها الذي تبنى فكرة علمنة الدين وفصله عن الحياة وتحويله لعبادات فردية داخل أماكن العبادة، أما الحياة فيحكمها العقل وحده وتسانده المصلحة.. هكذا قالوا!