الخلق الفني ومشاكل الألهام
إذا كان الأثر الفني هو المجموع المنظم من العلامات والمواد في شكل يضعه ذهن خلاّق, مجموع ينتج فينا جماله انشراحا لامصلحيّا، ففيما يتمثل خلق هذا الأثر الذي نحدّده باعتباره الماهية الروحية للأشياء ؟
يرى أفلاطون أن الخلق الفني ناتج عن الهام الآلهة أو الجن، إذ يرى أن الشاعر يخلق بفضل موهبةربانية. و وفق هذا المنظور يبدو أن للفنان امتياز ملغز , فالوحي الإلهي هو الذي يدفعه للتأليف أو الرسم دون أن تكون له القدرة على ذلك. قول أفلاطون: «إن الشاعر لا يكون في حالة خلق قبل أن يكون ملهما من الآلهة ». كانط أيضا يطرح مسألة الشيطان الطبيعي. فالشيطان موهبة طبيعية تعطي قواعد للفن، هو استعداد فطري للذهن يقول كانط:«الشيطان هو الموهبة التي تمكّن الفن من قواعده». أما كارل قيستاف يانغ يعتبر، مفسّرا ما يسميه البعض بالإلهام، أن الفنان كالأداة في يد اللاشعور الجمعي. غير أن هيجل يذهب أبعد من ذلك و يدحض نظرية الإلهام، إذ يرى أن الخلق الفني هو ضرب من ضروب التفكير ولكن تفكيرا لا يستند إلى المفاهيم بل إلى الأشكال والخطوط والألوان .
ملخص النظرية القانطية في الفن
*
·يميز كانط بين المستحبّ الذي يمكّننا من لذة حسية والجمال الذي لا يرتبط باللذة الحسية, فالجمال يرتبط بانشراح نزيه .
*
·يحلل كانط بعد ذلك الكونية الجمالية التي هي كونية دون مفهوم، فعندما أحكم على شيء ما بكونه جميل فإني أنسب إلى كل الناس الإحساس الذي ينتابني أمام هذا الشيء, فهي، إذن، كونية بالحق لا بالحدث. ثم إن هذه الكونية ليست منطقية يقول كانط: « الجميل هو ما يعجب بطريقة كونية دون مفهوم».
*
·في الحكم الذوقي يحصل تطابق بين الموضوع من جهة والخيال والفاهمة(ملكة إصدار الأحكام) من جهة أخرى، فالموضوع متناغم. لكن هذا التناغم لا يرتبط بغاية خارجة عن الفن بل أن غايته هي الفن ذاته أي الجميل.
*
·الحكم الذوقي هو حكم ضروري وهذه الضرورة تنتج عن كونيّته لذلك فهي ضرورة ذاتية.
الفن والمحاكاة
يرى أفلاطون أن الفن محاكاة للطبيعة فالمرجع الأول لكل الأشياء هو المثال, ومثال ذلك فكرة السرير التي يأخذها الحرفي كقانون لصناعة السرير ويخلق عندها السرير المحسوس والمادي , والفنان يحاكي هذا السرير المحسوس الذي حققه النجار, سرير هو ذاته نسخة. وهكذا تأتى المادة الفنية بالنسبة لأفلاطون في الصف الثالث من النظام الأنطولوجي فأولا الفكرة ثم الأشياء وأخيرا الإبداعات الفنية , ومن ثمة فإن الفن بالنسبة لأفلاطون وهم والجمال الفني ليس إلا شبحا للجمال الحقيقي.
لكن إذا كان أفلاطون قد حلل كما ينبغي الجمال الكوني فإنه لم يحسن التعبير عن هدف الفن. فالفنان ليس حرفيا ولا يصنع أوهاما محسوسة بل إنه يكشف الأثر الواقعي، لذلك يرى هيجل أن مبدأ المحاكاة لا يمكّننا من معرفة الطبيعة العميقة للفن, فلِما ننتج الطبيعة مرة ثانية إذا ما كان ما نتأمّله في حدائقنا أو منازلنا يكفينا، ثم إن الفن المحاكي لا يستطيع أن ينافس الطبيعة, يقول هيجل :« على الفن أن يبحث عن غاية أخرى عدى المحاكاة الصورية للطبيعة لأن المحاكاة في كل الحالات لا تنتج إلا آثارا تقنية لا آثار فنية». و Leonard De Vinci نقد أيضا التصور الأفلاطوني للفن عندما أقر بأن الفن هو إبداع ذاتي فالفنان رب خالق يبدع من ذاته لا عن مثال. غير أن الكاتب والروائي الإنجليزي أوسكار وايلد (1856ـ1900) يذهب إلى أبعد من هيجل و دي فنشي، إذ لا يكتفي بنفي المحاكاة, محاكاة الفن للطبيعة بل يرى عكس ذلك أن الطبيعة هي التي تحاكي الفن. فوارذار بطل قوات كان سببا مباشرا في انتحار العديد من الناس، ذلك أن أدبيات الفن تستبق الحياة والطبيعة, تنمذجها وتخلقها, و روني بطل شاتوبريون، وأنطوان رونكنتان بطل سارتر (وأبو هريرة بطل المسعدي) وأبطال آخرون يسكنون الأذهان ويشكلون الواقع, يقول وايلد «إن القرن التاسع عشر كما نعرفه هو بنسبة كبيرة من صنع بالزاك والطبيعة مثلها مثل الحياة تحاكي الفن , فم الطبيعة إذن؟ ليست الطبيعة الأم التي ولدتنا بل هي من إبداعنا» .