دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: التماثيل الأكدية. 4/6/2012, 17:00 | |
|
التماثيل الأكدية.. آليات إظهار جمالية، تفعّل دورها التعبيري، بغية (تأسيس) تركيب إبداعي
الفن في بنيتهِ العامة، غير منفصل عن التاريخ، فلا يمكن فهم أحدهما فهما منطقيا دون الآخر، وغالبا ما يقال: إن فعل الفن هو ان يوصل رسالة لا زمن لها. غير أنه لا يمكن تفسيره وفهمه، الا بالمعرفة المتكاملة تماماً بالبنية الفكرية التي تحكمت في ابداعهِ. فهو حلقة في سلسلة لا نهاية لها، حلقة ذهبية، مرتبطة إرتباطاً وثيقاً بما سبقها وما سيعقبها. فللفن طابع تأريخي، مقولته: هو ان كل تغير هام يطرأ على النظام الفكري للحضارة، لابد ان يترك تأثيراً على خاصية الأساليب الفنية الفاعلة في أي عصر من العصور. ويرى (تاريخ الفن) كذلك، إن خاصية إبداع المنجزات التشكيلية على مَرّ العصور، هي بمثابة تركيب واعٍ، تهيمن فيهِ ذهنية الفنان على آليات عملية تحليل وتركيب منظومة العلاقات في التشكيل، مستندة الى مرجعيات فكرية، ترتبط ببنية الفكر الحضاري كماً وكيفاً. وتأسيساً على هذه (العقدة) فان (فهم) التماثيل الاكدية يكمن اولاً في تقصي (ماهية) الفكر الكامن في أنسجتها البنائية.. بوصفها أنساق شكلية، تُشّفر عن دلالات فكرية ذات اهمية قصوى في حركة الفكر الأجتماعي. أما العقدة الثانية، فتكمن في فهم العلاقة الجدلية بين (الفكري) والوسائط المادية (الخامات) المشيدة لكتل التماثيل، أي التحليل التركيبي لآليات تقمّص الخامة للفكري لتحيا بهِ في وجودها الخاص، فتغادر خاصيتها الطبيعية نحو طبيعة من نوع آخر هي بنية الفن. فتمثال (نرام ـ سن) البرونزي، ليس معدناً، بقدر ما هو فكرة. والعقدة الأخيرة في الدراسة التحليلية للتماثيل الأكدية، هي إشكالية الشكل. بوصفهِ حاملاً للفكري، الذي يتنوع ما بين الواقعية، حين (يتماهى) مع مواصفات مظاهر التجربة الخارجية، او ينحرف نحو التعبيرية، بخاصية (تفعيل) رؤية الفنان الذاتية، او يتسامى نحو مقام الشكل التجريدي، حين (يُفرغ) كل محمولاتهِ من زوائد وتفاصيل المظاهر الخارجية. وآليات دراستنا التحليلية برمتها، تشبه حركة مكوك الحائك، التي ما أنفكت في سفر دائم ذهاباً ومجيئاً، ذهابا من الفكري الى المادي والى الشكلي، ومجيئاً من الشكلي الى المادي ومن ثم الفكري. في جدل وتفاعل مستمر، فالتماثيل الاكدية في بنيتها العامة ليست مجموع عناصر، وانما قائمة او لنقل مركبة من تفاعل عناصر. بخاصية من البناء المتجانس بين المادي والروحي من جهة، وبين الطبيعي والرمزي من جهة أخرى. ورغم (قلة) التماثيل الأكدية المكتشفة حتى هذه اللحظة، بسبب المشكلة الكبرى، وهي عدم إكتشاف العاصمة الاكدية. الا إنها مع ذلك، لابد ان تكون تعبيراً عن لون من ألوان الضرورة. فقد أقبلت (العقلية) الأكدية على (فكرة) نحت التماثيل، تواصلا مع التقاليد السومرية، لتوثيق صور الأفراد في أمكنة كونية، متحررة من حدودها الزمانية، الأ وهي باحات وخلوات المعابد، إنه (الألحاح) على وجود صورة المتعبد مع قربانه في (خلوة) الأله، وبتضرع دائم حتى اللازمن. وأحب الاكديون نحت التماثيل، لان هذه (التقنية) حققت حلاً لعقدتهم الفكرية، الأ وهي اكتشاف الصور المثالية لملوكهم في الأنظمة النحتية. فالتمثال بالنسبة للمتعبد وكذلك الملك الأكدي، كان بمثابة أداة سحرية لمعالجة قلقهما الوجودي. فالأول يبغي ان يكون التمثال بمثابة (الشفيع) الدائم له في محراب الأله، أما الآخر او لنقل الملك، فيظهر انه قد فهم حل (كلكامش) الأخير، بأن نقش اعماله على اسوار الوركاء، كي تدوم أمام الاجيال الى الأبد. فحرص كل الحرص على نحت صوره، وعرضها في ساحات المدن الأكدية.
ولذات الاهمية، فضَّل الاكديون نحت التماثيل، بوصفها وسائل لاكتشاف صور ألهتهم المغيبة، واستظهارها بكتل مادية مدركة بملكة الحس. ولكن ليس بالطريقة التي ابدعها فيما بعد الفراعنة او الأغريق، بأتخاذهم القالب البشري كنواة لبناء شرنقة تماثيل آلهتهم، وإنما بالطريقة التي يُشير بها شكل القصبة المعقوفة الى حضور الألهة (إنانا) في الفنون السومرية. فشكل النجمة المُشعّة الذي يتوج مسلة النصر الاكدية للملك (نرام ـ سن) هو رمز الأله عشتار مزوداً بقوة إرادة. فهنا إلتئمَ الرمز والمرموز اليه معاً، كما يلتئم المتشابهان، حيث غدى الواحد منهما بديلا للآخر. وبشكل عام يمكننا القول: إن من أبدع مآثر الأكديين كانت في فن النحت، فقد فاقوا فيها معلميهم السومريين ولكن بعد زمن طويل من تعلمهم الحرفة. فلم يستطع الفن الأكدي مجاراة التحول الفكري الذي أصاب بنية الحضارة في بلاد الرافدين. ولذلك يمكننا بكل سهولة تشخيص ثلاث مراحل تطورية لفن نحت التماثيل في العصر الاكدي، يمكن عرضها بالشكل التالي:
أ- تماثيل عصر سرجون:
حكم الملك (سرجون) مدة ستة وخمسون عاماً، شهدت بها الدولة الأكدية تألقاً حضارياً ممتازاً، ومع ذلك لم يتم توثيق سوى العدد القليل من تماثيل المتعبدين من هذه الفترة، وربما يعود ذلك الى إتلاف تماثيل هذا الملك من قبل الكوتيين الغزاة، أو إنها ضاعت في أتربة الأراضي العيلامية في إيران، بعد ان سلبها الملك (شوترك ناخنتي) بعد ذلك بحوالي الألف سنة. وفي (ملمح) آخر، يبدو إن من المنطقي التفكير بان الأسلوب الاكدي، لم يمتلك بعد، هويته المحددة، ولذلك فان مسلة النصر للملك سرجون وكذلك تماثيل المتعبدين الاكديين، ما زالت مشدودة بشكل كبير، الى الأسلوب السومري في جميع خواصها التكوينية. ويرتبط نسق تماثيل المتعبدين الأكديين، بسياقات فكرية مهيمنة، كانت بمثابة البنية الفكرية العميقة التي قررت النظام الشكلي لهذه المجموعة من التماثيل(شكل4). التي تمثل شخصيات إجتماعية متنوعة في موضوعاتها، اما مضامينها فتشكل خطاباً تداولياً بين افراد المجتمع الأكدي، كوسيلة للمثاقفة في بنية الفكر الأجتماعي. ذلك ان الطقوس والممارسات الدينية بشعائرها الدقيقة ومنذ العصر السومري، كانت تعمل بشكل فاعل الى تثبيت الخبرة الأجتماعية لدى كل فرد في المجتمع، وتفعّل خاصية إقامة عالم قوامه منظومة متماسكة من الرموز والكلمات والمفاهيم والمصطلحات. وفضيلة الأنسان الاكدي في ذلك، هو إنه أوجد حيزاً (ثقافياً) حولّه بفكرهِ وعواطفهِ الى شكل مُعبّر عن طقوسهِ ومعتقداتهِ الدينية. فالقصد والدافعية في نحت هذه المنظومة من التماثيل الأكدية(شكل4)، هو لتوثيق صور مثل هذه الشخصيات في (حالة) التعبد، إنها بمثابة العوذ او البدائل السحرية التي تنوب عن الاجساد الفيزيائية، حين ينالها(العدم) بحتميتهِ المعهودة. فهو عالم من القيم المطلقة، يسمو على عوالم الظواهر المتبدلة ويتفوق عليها، بل يحررها من كل تعسفات الحياة وإشكالاتها الوقتية. ولعل إهتمامنا في البحث عن المضمون في نسق هذه المنظومة من التماثيل، متأتي من كونهِ يمثل حالة متحركة، تقوم على فكرة (التأثير) بين المتماثلات. فصفة التشابه بين التمثال والنموذج، من شأنها ان تجعل الصورة البديلة، تعمل بفاعلية الصورة الاصلية، وكي يمعن النحات في (المشابهة)، كان يؤشر على سطوح التماثيل أسماء أصحابها. التي تعمل بفاعليتها السحرية على تأكيد الحضور، حضور (الذات) في محراب الأله، لتقديم طقوس التعبد، فوجدت هذه الأفكار، قوة تعبيرية اعمق، كانت تفتقر إليها خارج خارطة نسق الفن. وتؤكد منظومة العلامات التي تميز هذه التماثيل، الى إنها قد مثلت في وضع تقديم القربان، مثل ذلك المتعبد الذي أمسك بأحكام بحمل صغير لتضحيتهِ على دكة القرابين في المعبد(شكل4)، وتلك صورة (جديدة) ادخلها الاكديون على تقاليد التعبد، لم تكن معروفة عند السومريين سابقاً. كما ان سمات الأختزال والتبسيط وشتى التأويلات الشكلية الاخرى التي تميز الاشكال التعبيرية السومرية، قد خفت وطأتها عند الاكديين، الذين عملوا بفاعلية على سمات التأكيد على الشخصية الواقعية، بأبراز مقطع الوجه الجانبي النبيل والأنف الأقنى، والاهتمام بدراسة الزي، من خلال محاولة (تجسيم) طيات الملابس والحلي المتنوعة التي تميز الشخصيات(شكل4).
ب- تماثيل عصر (ريموش ومانشتوسو):
حدث في عهد الملكين(ريموش ومانشتوسو) ولدي الملك (سرجون)، اللذان يمثلان الجيل الثاني في سلسلة ملوك الدولة الاكدية، تحولاً ملحوظاً في بنية التماثيل الاكدية، بصدد الخطابات الفكرية الكامنة في أنسجتها البنائية، وتقنيات إظهارها، والسمات الفنية التي تميز منظومتها الشكلية. وذلك يشجعنا على القول، ان ولادة الأسلوب الاكدي الجديد، قد حدثت خلال عهد هذين الملكين. وتلك (مقولة) تؤكدها الخصائص النحتية لتمثالي الملك (مانشتوسو) (شكل5، 6) المحفوظين في متحف اللوفر في باريس، وتماثيل المتعبدين(شكل7)، ومنظومة (البورتريهات) المختلفة التي عثر عليها في المدن الأكدية (شكل8، 9، 10). لم يعامل (الزمن) بشيء من الرقة تمثالي الملك (مانشتوسو)، إذ فقد القسم العلوي من الجسم وكذلك الرأس من كليهما(شكل5-6) فقد حطم (الكوتيون) الذين أسقطوا الدولة الاكدية، هذين التمثالين، ونقلهما بعد ذلك، كأسلاب الملك العيلامي (شوترك ناخنتي) الى عاصمتهِ (سوسة) في إيران، في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. ومع ذلك يظهر من دراسة الاجزاء المتبقية من هذين التمثالين الهامين، روحية (كلاسيكية) جديدة أخذت تميز، فن نحت التماثيل الاكدية، وتلك صفة التماثيل العظيمة في فن النحت، إذ يعبر الجزء عن عظمة الكل، مهما كان ذلك الجزء المتبقي صغيراً. وتشير الادلة المادية، أنه كان للملك (مانشتوسو) الابن الثاني لسرجون، عدد كبير من التماثيل التي نحتت من خامات متنوعة، وبالحجم الطبيعي، وباوضاع وقوف وجلوس مختلفة، وقد عرضت في مدن مختلفة من المملكة الأكدية. ويمكن فهم خطاب (المركز) بشكل واضح في منظومة هذه التماثيل، الذي يظهر في الروحية الملكية التي تميز اوضاع التماثيل الحركية، وخاصية تمثيل الازياء التي تزين سطوحها الخارجية. وتلك منظومة علامية كافية في التأكيد على الخطاب الفكري لهذه التماثيل، التي تؤكد على خاصية تعظيم فكرة الملك، بمظهر مهيب، ووقفات منضبطة، وملامح حركية خالية من أي إنفعالات عاطفية. وتلك هي سمات الشكل الكلاسيكي في أي عصر من العصور. فالمضمون المتحرك في تمثالي الملك (مانشتوسو)، ليس إلا فكرة الملك، منفتحة في دلالتها على نوع من الروح الاسطورية، التي تسامت بالتمثالين الى اللامحدود في خاصية السطوة الملكية. وبغية تحقيق ذلك، وجد النحات (صيرورة) التمثالين بنوع من التعالق ما بين الروح البطولية في المضمون، وخاصية الخامة بوقعها الروحي والجمالي. فقد نحت أحد التمثالين من حجر الديورايت الصلب والأسود اللون(شكل5)، الذي كان يجلب من (مكان) سلطنة عمان حالياً، بوصفها أحدى المدن التابعة للدولة الأكدية أما الآخر فقد نحت من مادة الرخام الابيض اللون(شكل6). ومن هنا كان السفر البعيد، وكانت المشّقة، وكانت الكلفة، وكان الوعي الجمالي بخاصية الخامة التعبيرية وهو الأهم. لأحضار مثل هذه الخامات الخاصة جداً في تشييد كتل التماثيل، وبآليات إظهار جمالية تفعّل دورها التعبيري، بغية (تأسيس) تركيب ابداعي، بين (طاقة) الخامة الرمزية، وتجلي (الفكرة) الكامن فيها. وذلك فعل ابداعي يقوده القصد والارادة، لأيقاع أقصى تأثير في سايكولوجيا المتلقين من الجماهير، واقناعهم بعظمة الملك الاكدي. تمظهر الملك (مانشتوسو) بطراز جديد من نظام الأزياء، يتمثل بجلباب طويل نسج بشكل محكم من مادة صوفية، وله حاشية زخرفية مُهدّبة بامتداد حافة لحمة النسيج، وشرائب جميلة معقودة على جوانب خيوط (سداتهِ). وقد ترك الزي ليسقط بشكل طيات طولية ولولبية متموجة ومتحركة، وكأن المشهد أشبه بسطح بحيرة داعبتها عصفة ريح. ولعل في نظام إشتغال سطح التمثالين الجمالي، بما يجتازهما من مناطق إمتصاص وعكس للضياء، وتفاوت ملامس المساحات، نوعاً من تحليل سطح الصورة المرئية واعادة تركيبها، لتفعيل قوة التعبير في خاصية التلقي. وفي ذلك تحرير كامل للنحت من (ماديتهِ)، فتمثالي (مانشتوسو) لم يعودا صنمين وانما تمثالين عظيمين بالمعنى الدقيق للكلمة. أما تماثيل المتعبدين الأكديين من عصر هذين الملكين، فاشهرها تمثال من حجر الديورايت لرجل، يبلغ ارتفاعه 1.37م، وتم اكتشافه في معبد الألهة (عشتار) في آشور، ومحفوظ بمتحف الدولة في برلين حالياً(شكل7). ورغم فقدان راس التمثال، وقبضتي كفيهِ المتلاقيتين أمام صدرهِ. فأن لحيته الطويلة وحركة ذراعيهِ ووقفتهِ المتخشّبة، هي بمثابة منظومة علامية متفاعلة، تُشفر عن كون الرجل في خلوة المعبد أمام رمز الألهة عشتار التي بدت من أهم الآلهة الاكدية في (التقديس) في بنية الفكر الأجتماعي. وتظهر سمات التحول في خاصية تماثيل المتعبدين، في وصول التماثيل الى حجوم تقرب من الحجم الطبيعي للانسان، إذ بدأت نسب اجزاء الجسم تقرب من الشكل الواقعي البشري المتعارف عليهِ، وبنزعة واقعية حية وإجادة دقيقة في التمثيل. فرغم ان تنورة الرجل الطويلة قد عولجت بتقنية (التسطيح) وعدم الاهتمام بدراسة التفاصيل، إلا أن دراسة تشريح عضلات العضدين، وتدوير عضلتي الكتفين وتجسيمهما، والاهتمام بدراسة عضلات الصدر ولوحي الكتفين، يؤكد ظهور مثل هذه النزعة الواقعية في اسلوب نحت مثل هذه التماثيل الطقوسية(شكل7). ولعل أهم ما يميز تمثال المتعبد موضوع الدراسة، هو نظام العلاقة القائم على القصد بين خامة حجر الديورايت وقدسية المضمون، وتلك خاصية تعد غاية بحد ذاتها، بغية (تفعيل) نظام العلاقة الجدلي في تركيب التمثال التعبيري والجمالي. وتعد تماثيل (اليورتريهات) النسوية، من أهم روائع النحت الأكدي في عصر الملكين (ريموش ومانشتوسو) إذ يحتفظ متحف الجامعة في فيلادفيا في امريكا، ومتحف الدولة في برلين، والمتحف البريطاني في لندن. بثلاثة (رؤوس) لنساء يتراوح ارتفاعُها بين 7-9سم، ونحتت إثنين منهما من خامة الرخام الأبيض، أما الآخر فقد نحت من حجر الديورايت الاسود اللون. وقد اكتشف أثنين منهما في أور في الناصرية، اما الثالث فقد اكتشف في آشور (قلعة الشرقاط) (شكل 8، 9، 10). ويبدو أن هذه الرؤوس الجميلة، كانت اجزاء من تماثيل كاملة، وقد لقيت مثل هذا التدمير العنيف بسبب أهمية الشخصيات التي تمثلها. فلم ينحت السومريون والأكديون، تمثالا لشخصية بدلالة الرأس فقط، بل كانت النزعة (المثالية) بوصفها العامل الفكري المهيمن في نحت هذه المنظومة من التماثيل، التي تمتلك وظائف طقوسية، تفرض ان يُنحت التمثال كاملا، لان أي إقتطاع او إجتزاء من كُلية الصورة، سوف يؤثر وربما يغير دلالتها، فهذه التماثيل بوصفها (دوال)، فأنها تُشفّر عن (مدلولاتها) من خلال بنيتها الكلية، إذ تعلن حركات أجزاء الجسم، وهيمنة بعضها على الآخر، عن دلالاتها في حركة الفكر الاجتماعي. ولا يمكننا في الوقت الحاضر تحديد هوية هذه الشخصيات، هل إنها بشر إعتيادي؟ أم كاهنات من ذوات المنزلة الرفيعة؟ أم زوجات لملوك؟ فقد تجيب الوجوه عن أي من هذه التساؤلات، نظراً لقوتها التعبيرية الخارقة (شكل 8، 9، 10). وبشكل عام فأننا نرجح ان يكون لهذه (البورتريهات) الجميلة أهمية دينية، بدلالة اكتشاف نماذجها في المعابد، إذ يتعاظم الفكر التأملي للمكان في بنية هذه المنظومة من التماثيل، ليضم المناطق التي لا تدركها التجارب الحسية المباشرة كالسماوات او العالم السفلي. ففي مثل هذه الفضاءات الأسطورية، تلعب الامكنة دوراً مهماً، بمقدار العلاقة التي تعقدها مع المتخيل او لنقل مع اللاواقع. وابدع النحات الأكدي في تقنية نحت الوجوه، وجمال تشكيلها، وتمييز اجزائها بانسجام دقيق، فملامحها لها قوة تعبيرية كبيرة، فلكل منها شفتان رفيعتان متموجتان تكادان أن تنطقا، وحنك صغير مع طية رقيقة على الوجنتين أمتدت الى الأنف وزادت من جمالهِ. ورغم كون كل من (البورتريهات) يشكل مفردة من مفردات العالم المرئي، إلا إنه (مُعّدل) عن صفتهِ الواقعية، إذ إن دخوله (نسق) الفن.. قد جعل منه رمزاً، فالشخصيات (مفرغة) تماماً من وجودها المادي كأيقونة معاشة، ومرحّلة بفعل ضغوط البنية العميقة للطقس الديني، الى منطقة تتوسط الشعور واللاشعور، وفي ذلك نوع من الصوفية عصفت بالنسوة، ليجتزن حالة الانسان.. وصولاً الى حضور الأبدية. فهذه المنظومة الشكلية من رؤوس النسوة (شكل 8، 9، 10)، رغم إقتصاديتها اللغوية، فأنها (تُخبّيء) قدرة تكاثرية في ماهية خطاباتها، يمكنها الظهور في المستويين الدلالي والشكلي. ولعل ذلك يفسر تحول دلالاتها الى (ملحمة) في داخلية كل (مواطنة) أكدية. فحقيقتها أكثر تعقيداً وغرابةً مما هي عليه في الواقع.
ج- تماثيل عصر (نرام ـ سن):
يمثل الملك (نرام ـ سن) الجيل الثالث في سلسلة ملوك الدولة الأكدية، الذي إستطاع بقوة الحديد والنار، من تأسيس اعظم امبراطورية في الشرق في النصف الثاني من الالف الثالث قبل الميلاد، وقد حكم مدة سبعة وثلاثين عاماً، تمتعت الدولة الاكدية فيها، بالاستقرار الكامل والازهار الأقتصادي والسيطرة الكاملة على الاقاليم التابعة لها. يمكن القول ان الاسلوب الأكدي في الفن، قد وصلَ الى خاصيتهِ المتفردة في عهد هذا الملك، وذلك بصدد نوعية مضامينهِ الفكرية، وخواص الخامات المستخدمة في تشكيل موضوعاتهِ، وكذلك السمات الفنية المميزة لأنظمتهِ الشكلية. التي إرتبطت بالمفاهيم الملكية، ففكرة (الملكية) بالنسبة للملك (نرام ـ سن) الذي لقب نفسه بلقب (إله) أكد، والتي تميز معظم تماثيله، قد وسمتها بصفة فوق واقعية، وبالأخص ما يعرف بالرأس البرونزي، ذلك التمثال العظيم في تاريخ النحت العالمي(شكل11) الذي تشوبه روحية (ميتافيزيقية) أضفت عليه فكرة (القدسية)، وارتقت بهِ من صفته الواقعية، الى عالم الصور المثالية المتعالية. فرغم ان عيني (البورتريه) قد فقئتا بيد مجرمة، واستخرجت منهما الاحجار الكريمة الملونة، التي استخدمت في تشكيلهما، إلا ان تلك العدوانية، لم تستطع ان تنال من خاصيتهِ (القدسية) ومظهره المهيب. حيث الحُلم والخيال و(التأمل) الناشط، هو وحده الذي يكتشف عظمة التمثال. إذ إحتل الروحي في تركيبهِ الصوري مكان الصدارة، بعد تراجع ما هو (طبيعي) محض الى مرتبة ثانوية. بخاصية متفردة وحساسة جدا، لتضايف المادي والروحي في بنية العمل النحتي. فذلك النحات المُبدع على مرَّ العصور، لم ينحت تمثالاً للملك، وإنما نحت(نُصباً) لفكرة الملكية المقدسة. إكتشف (بورتريه) الملك (نرام ـ سن) في مدينة نينوى شمال العراق، بوصفها احدى مدن الدولة الأكدية، ويبلغ إرتفاعه 36سم، ويُعد من أهم روائع المتحف العراقي في بغداد(شكل11). ونحن نرجح ان يكون هذا (الرأس) البرونزي، هو الجزء المتبقي من تمثال كامل، كان معروضاً في احدى ساحات مدينة نينوى، ليؤكد خضوع هذه المدينة لسيطرة الدولة الاكدية خضوعاً كاملاً. إذ ان الروح الأكدية، كان (تنفر) نفوراً كاملاً من فكرة تمثيل ملوكها بدلالة (البورتريه)، فذلك فأل سيء، ربما يؤدي الى تداعي وسقوط هذه الامبراطورية بكامل هيكلها. فأن صحت هذه الفكرة(السحرية)، علينا ان تقابل تمثالاً مُشّعاً بارتفاع يفوق المترين. وتلك خاصية كافية لتقولب بنية التمثال بصفة اسطورية، وهي كفيله بأن توسع دلالتهِ نحو الأفكار غير المحددة في عظمتهِ الملكية، وقدرتهِ البطولية الخارقة. يَبثّ (بورتريه) الملك نرام ـ سن البرونزي، خطاباً تقنياً متفرداً، بصدد آليات الأظهار، والتمظهرات التعبيرية والجمالية لخامتهِ. فقد كان الجدل الفكري حول نظام العلاقة بين خاصية المضمون والوسيط المادي الذي يحتويهِ، يجتاز (الذات) بصدد فحص خواص الخامات كطبيعة كتلها وصلابتها وملمسها ولون سطوحها. فكان الحل الابداعي بقولبة فكرة الملكية بمادة البرونز، وذلك فعلُ ورؤية متفردة، أكسبت (البرونز) ذلك المعدن الصلب والمشع كالذهب، صفة متحركة في دلالته، تفوق خواصه الطبيعية، وفَعلّت تعبيره، كوعاء (حَلّت) بهِ الفكرة لتعبر عن صيرورتها الأبدية. إنجز تمثال الملك(نرام ـ سن) بتقنية الصب المجوف، ونرجح ان يكون قد أنجز بطريقة القالب الشمعي، وبموجبها يُصاغ الشمع حسب الشكل المطلوب على شكل التمثال الجبسي. ثم يُغطى نموذج (الصب) بعدة طبقات من طينة نقية، ممزوجة بمواد مختلفة فائدتها غلق المسامات. فعندما تكون (تكسية) الطين بدرجة كافية من السمك، يوضع النموذج في (الكورة) فيفخر الطين الذي يشكل القالب الخارجي، ويذوب الشمع الذي يجري عبر (فتحات) صغيرة مجهزّة لهذا الغرض، فبهِذه الطريقة يمكن الحصول على فراغ مجوف بين اللب والقالب، ليتم ملؤه بمعدن البرونز المذاب، وبعد تصلبهِ يُكسر قالب الفخار، ليظهر التمثال المصبوب كاملاً، إذ يتم توضيح تفاصيلهِ الدقيقة بادوات حادة من قبل النحات في المرحلة النهائية من عملية الأنجاز. تلك التقنية عرفها الجميع منذ العصر السومري في الالف الثالث قبل الميلاد، وحتى الزمن المعاصر، لكن الشيء الذي لم يعرفه الجميع، هو تلك القدرة الحرفية العالية، والأحساس العميق بالشكل، والدقة المتناهية في اخراج تفاصيل التمثال. فقد إشتغل ذلك النحات العظيم عِبرَ كل العصور، على السطح بمنظومة خطية متماسكة ورائعة، محققاً معالجة شكلية (متفاوتة) في تعدد المستويات والأنارة، ومتميزة بوحدة كلية متفاعلة، قلما تتكرر في تاريخ النحت العالمي، إلا في أعمال النحات (مانزو). إذ تشير (صنعة) التمثال، الى مهارة فائقة بلغها فن النحت الأكدي، فقد كان هذا الرأس الملكي مدهشاً، الى درجة تجعلنا نقف امامه حائرين، بفعل الاسلوب المتقن الذي نُحتَ بهِ. فهناك مُسحة من الصرامة الحادة والقوة، واضحة في خاصية إبراز ملامح الوجه، الذي تعلوه في ذات الوقت، إبتسامة خفية تغدو صارمة وأبية في الحال، حين تعقد زمام تلك الشفتين اللدنتين الرقيقتين(شكل 11) أما شعر الرأس الذي يؤطر الجبهة، فقد شَكِلَ من ثلاثة مستويات أحدها فوق آلاخر. فهناك شريط سفلي بشكل نسق من الحلقات المتجاورة يلامس الجبهة، يعلوه إكليل منبسط، وفوقه ضفيرة ملتفة حول الرأس، عُقِدَت خلفَ الرقبة بشكل كرة صغيرة، ثُبتت بثلاث حلقات من الذهب. كما إن شعر الذقن قسم كذلك الى ثلاثة صفوف تألفت من صف من الخصل الناعمة حول الشفتين، وصف آخر شُكَّل من حلزونات ناعمة على الوجه، لينتهي إيقاع هذا التدرج، بصف من حلزونات خشنة وطويلة مسترسلة في الهواء(شكل11). والجوهري في الموضوع، هو أن الفنان الأكدي لم ينحت تمثاله، بغية الحصول على (تمثلات) مشابهة لوقائع التجربة الخارجية، بل لتأويل (قوة).. تُبقي الفكرة التي يُمثلها التمثال حاضرة أبداً، فصورة التمثال هنا ليست مقصودة لذاتها، بل لتّشفيرها عن مدلولات تنتمي الى مستوى آخر غير منظور. وذلك بمثابة (التأويل) عن خاصية الفكر المتحرك في بنية الفكر الحضاري الأكدي. ولا تفوتنا الأشارة هنا، الى أن معظم المختصين قد أشاروا الى ان هذا (البورتريه) ربما يمثل الملك سرجون او حفيده نرام ـ سن. ويبدو ان حلَّ هذه المشكلة قد اصبح واضحاً الآن، فبما ان النحت الأكدي في عصر سرجون كان مشدوداً في اسلوبهِ الى الأسلوب السومري، ولم يحقق هويته المتفردة والمشخصة في عهد هذا الملك، كما يظهر في جميع المنجزات الفنية، لذلك يمكننا ان نرجح نسبة هذا التمثال الى الملك نرام ـ سن.. بفعل تكامل سمات الاسلوب الأكدي في التشكيل في عهد هذا الملك. فهمَ الأكديون أن الفن نوع من الصياغة، لبنية العلاقة بين الأنسان وواقعهِ بالمعنى الشامل لهذه العلاقة. فالتماثيل الأكدية لم تعكس صورة ذلك الواقع، وإنما .. مثلّت (حركته)، وبما إن الواقع عند الأكديين متغير دائماً، فان تمثيله في النحت متغير كذلك. ولذلك فان الجزء المتبقي من تمثال الملك نرام ـ سن، الذي يمثل القدمين فقط، بارتفاع 47سم، المنحوت من حجر الديورايت، والمحفوظ في متحف اللوفر في باريس(شكل 12). يمثل حالة جديدة في خصائص نحت التماثيل في بلاد الرافدين، فاذا كان ارتفاع قدمي التمثال بمثل هذا الأرتفاع الخيالي، فلنا ان نتأمل (نُصباً) بارتفاع شاهق، وتلك (خاصية) كسرت سياقات قاعدة حجوم التماثيل الصغيرة عند السومريين، وأحلّتْ محلها (بدعة) التعبير بدلالة الحجوم الكبيرة. تُرى هل ان هزة أرضية من النوع العنيف، أصابت مدينة أكد، فأحالت منجزاتها الخالدة الى مجرد شظايا صغيرة؟ أم ان عدوانية الغزاة الكوتيين والعيلاميين كانت على مثل القساوة والخاصية البربرية. وعلى كل حال، فرغم فقدان تمثال نرام- سين، لقسم كبير من تكوينهِ(شكل 12)، فأنه يبدو حتى هذه اللحظة أشد حياة من جسم المتأمل ذاتهِ، وذلك إحساس قد يؤدي بهِ الى الخجل من خمولهِ، مع شعور بالفخر لما حققته الروح الأنسانية من إبداعات. كتلك (الرؤية) التي تُميز تماثيل (مايكل أنجلو) المكتملة بسبب عدم إنهائها، حين (يجلي) الغبار.. عن أشكال كامنة في كتل الرخام، كان يراها هو وحدهُ. فبتجريد تمثال نرام- سين عن حدود الشخصية، فأنه قد إحتلَ دوراً (كونياً)، أي أنه غدا رمزاً مناسباً لكل الأزمنة، فقد مَرَّ عِبَر الواقع الى (التاريخ).. الذي إختارهُ ليحّوله الى تساؤل او حديث دائم. أهتم الأغريق وعلى الأخص في عصر إزدهار فنونهم في القرن الخامس قبل الميلاد، بنحت تماثيل آلهتهم وابطالهم باشكال (عارية) بغية التعبير عن مثالية الجمال الكامنة في التناسب الذهبي الذي يميز تشييد أجسامهم. وتلك (تقليعة) لم يألفها الفنانون على أرض الرافدين. إلا إن المدهش حقاً هو إكتشاف أثنين من التماثيل النصفية العارية لرجلين من العصر الاكدي وبالتحديد من عصر الملك نرام- سين. يبلغ ارتفاع الجزء المتبقي من التمثال الأول 48سم، واكتشف في مدينة آشور (قلعة الشرقاط)، ومنحوت من حجر الديورايت، ومحفوظ في متحف الدولة ببرلين (شكل13). أما ما تبقى من التمثال الآخر فيبلغ إرتفاعه 80.5سم، ومنحوت من حجر قيري، ومحفوظ بمتحف اللوفر في باريس (شكل14). ويظهر التمثالان الى ان النحاتين الاكديين قد قطعوا شوطاً طويلاً في خاصية الدراسة العلمية للجسم البشري، وذلك يؤكد على تقدم (علم) دراسة تشريح جسم الانسان، وربما يعبر كذلك عن تقدم الطب والعمليات الجراحية في عصر الملك نرام -سين. فالطريقة المؤثرة التي تم التأكيد فيها على العضلات وخاصية حركاتها الداخلية والخارجية تُعّد مدهشة حقاً، فقد درست تفاصيل عضلات الجسم وعولجت تكويراتها المتدرجة بدقة متناهية، فبدا مظهر الجلد شفافاً ليكشف عن تفاصيل الأوردة والشرايين وصولاً الى الأوعية الشعرية الدموية الدقيقة الكامنة في الاعماق، فالاغلفة الخارجية للجسم لم تعد تخفي خارطة الجسم الداخلية تحتها، بل إندمجت مع التكوين لأبراز قوتهِ الداخلية. وبنوع (خاص) من تقنيات الأظهار، والإحساس الجمالي بالخامات، يتفوق على تجارب الاغريق في البحث عن مثالية الجمال في الجسم البشري، كما يظهر في تماثيل النحات (براكزتيلس)، بعد الاكديين بنحو ألفي عام. في عقد السبعينات من القرن العشرين، حصلت هيئة الآثار العراقية من منطقة (باسطكي) في قضاء زاخو شمال العراق، على تمثال برونزي أكدي فريد من نوعه، في اسلوب نحتهِ ودلالتهِ الرمزية (شكل 15). ويتألف التمثال من قاعدة برونزية دائرية الشكل قطرها 71.5سم، إستقر عليها شكل رجل، وقد (شَكَّل) رجليهِ بوضعية صعبة ومتفردة، لم يظهر مثيلها إلا في العاب الجمناستك، وبينهما قاعدة مجوفة اسطوانية الشكل إعدت لتثبيت شيء ما، فيما استغل الجزء المتبقي من القاعدة الدائرية المستوية السطح، لتشكيل نص كتابي، مسماري له شكل مستطيل منتظم، وللاسف الشديد فقد الجزء العلوي من جسم الرجل، وشأنه في ذلك شأن الروائع الاكدية، التي لم يعاملها الاعداء بشيء من اللطف. في جريمة (نَهبْ) المتحف العراقي التي حدثت في العام 2003، حاول (اللصوص) سرقة هذا التمثال، وصعدوا بهِ من قاعة العرض، الى شباك مفتوح يؤدي الى الخارج، ولحسن الحظ فأن حجم التمثال كان اكبر من فتحة الشباك، ولذلك ترك في مكانهِ، ليعود الى مكانه في القاعة الأكدية بالمتحف العراقي، بوصفهِ واحدا من اهم الروائع الأكدية المتفردة. يقدم تمثال (باسطكي) خطابه الأبداعي في نقطتين، الأولى تكمن في خاصية تقنية النحت وآليات الأظهار الشكلية، والثانية دلالة هذا النصب الفكرية. فشاعرية الخط فيها شيء من (روعة) الخط عند الفنان (بيكاسو)، ودراسة تفاصيل اصابع القدمين، وشكل الساقين والفخذين الرشيق، فيه شيء كذلك من دقة الاشكال النحتية عند الفنان (كانوفا). وهندسة التكوين في (تركيب) النص المكتوب مع الشكل البشري على المساحة الصغيرة المعدة للتنفيذ، ففيهِ الكثير من تقليلية (جاكومتي) في أنظمة تكوين منحوتاته وعلى الأخص في منجزه (رجل المدينة). أما نعومة وشفافية المشهد المتبقي من التمثال، فلا يضاهيها جمالاً إلا ساقي الألهة أفروديت او أثينا، في مشهد الأفريز الداخلي لمعبد البارثنون في اثينا، من ابداع النحات (فيدياس). أما بصدد دلالة التمثال، فقد تمكن الدكتور فوزي رشيد، من إعادة إكمال التمثال في ضوء ما ظهر من مشاهد مشابهة على سطوح الأختام الاسطوانية الاكدية، وذلك في دراستهِ المنشورة في مجلة سومر للعام 1976 (شكل 16). كما قدَّم قراءة للنص المكتوب على قاعدة التمثال مفادها: "نرام -سين، الملك القوي، ملك أكد، عندما تحالفت ضده جهات العالم الأربع سوية، بواسطة محبتهِ مع الألهة عشتار التي تحبهُ، إستطاع أن ينتصر في تسع معارك في سنة واحدة، وكبَّل ملوك منطقة شجر الصنوبر" (فوزي، 1976، ص 53). فاذا إتفقنا مع إقتراح (د. فوزي رشيد) الذي هو قريب من الصحة أو لنقل منطقي، فذلك يعني ان الفكر الأكدي قد إختزل مفهوم الأنتصار الى شكل بطل اسطوري، كان يُثبّت (رايات) الجيش الأكدي. في الاماكن الجغرافية المختلفة والواسعة التي وصلتها الماكنة الحربية الأكدية. فالفكر الأكدي هنا، قد (فعَّل) خاصية الانتقال من الأشارات المحددة الدلالات الى الرموز المنفتحة المتعددة المدلولات، والحرة الحركة في الفكر الحضاري. وبذلك إنتقل الفكر من التعامل مع المادي الملموس الى صورتهِ الذهنية، ومن إستخدام الاشياء الى إستخدام رموزها. فعملية تكوين المفاهيم، قد (أحلّت) المفهوم محل الاشياء المدركة، فأتاحت للانسان الفرصة لان يتعامل مع مفاهيم (دالة).. على وفرة من المدلولات. إن شكل البطل الأكدي الرمزي، الذي يروي حيوان الجاموس تارة، ويصارع الأسود تارة اخرى، في مشاهد الأختام الاسطوانية الأكدية ويعلن عن إنتصارات الدولة الأكدية. هو شكل (هرقلي) بشعر (أشعث) طويل له ثلاثة حلزونات على جانبي الوجه، ولحية مسترسلة عريضة، ويتمنطق دائما بحزام ذو اربعة (غضون) مع نهاية منسابة الى الاسفل (شكل 16). يرتبط بمرجعياتهِ الفكرية باعمال البطل (كلكامش) في الحضارة السومرية السابقة، فقد سعى الفكر الاكدي كذلك، في تمثيل شكل بطله، الى تحطيم نظام المشابهة والتشخيص مع قالب الجسم البشري، وبقصدية باحثة عن (تفعيل) نظام العلاقة الرمزية بين الشكل ومضمونه، وذلك بالأنتقال بالشكل من صورته العرضية الى نظامه الاسطوري الذي يبغي الأعمام واللامحدود في تعبيره الرمزي، نحو إنفتاح النص الى تغييب محدودية الزمان والمكان نحو المتخيل. وفي ذلك نوع من التسامي فوق مستوى الواقع، لكشف المضمون الباطن للمفاهيم المهيمنة في بنية الفكر الأكدي. [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] | |
|
بثينة الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 18/02/2012 العمر : 68 البلد /المدينة : النمسا / فيينا
| موضوع: رد: التماثيل الأكدية. 4/7/2012, 15:35 | |
| التماثيل الأكدية.. آليات إظهار جمالية، تفعّل دورها التعبيري، بغية (تأسيس) تركيب إبداعي
دراسة تحليلية قيمة لهذا النوع من الفن اختياراتك دائماً رائعة.
| |
|
عثمان محمد نائب المديرة
تاريخ التسجيل : 22/12/2011 العمر : 42 البلد /المدينة : فلسطين
بطاقة الشخصية المجلة: 0
| موضوع: رد: التماثيل الأكدية. 4/7/2012, 21:21 | |
| | |
|