الهندسة والفنون
مع باقة ورد عطرة منتدى الهندسة والفنون يرحب بكم ويدعوكم للإنضمام الينا

د.م. أنوار صفار

الأختام الاسطوانية الأكدية  %D9%88%D8%B1%D8%AF%D8%A9+%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9+%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9



الهندسة والفنون
مع باقة ورد عطرة منتدى الهندسة والفنون يرحب بكم ويدعوكم للإنضمام الينا

د.م. أنوار صفار

الأختام الاسطوانية الأكدية  %D9%88%D8%B1%D8%AF%D8%A9+%D8%AC%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A9+%D8%B5%D8%BA%D9%8A%D8%B1%D8%A9



الهندسة والفنون
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الهندسة والفنون

 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل    دخولدخول        الأختام الاسطوانية الأكدية  I_icon_mini_login  

 

 الأختام الاسطوانية الأكدية

اذهب الى الأسفل 
5 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
دكتورة.م انوار صفار
Admin
دكتورة.م انوار صفار


تاريخ التسجيل : 04/04/2010
البلد /المدينة : bahrain

بطاقة الشخصية
المجلة:

الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty
مُساهمةموضوع: الأختام الاسطوانية الأكدية    الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty4/6/2012, 17:05

إن خارطة (تطور).. الفن على أرض الرافدين، تمثل سلسلة متصلة الحلقات من التقاليد والموروث الحضاري. نوع من السلسلة التاريخية الأصيلة، التي تتبادل التأثر والتأثير في التاريخ الأنساني.



وبفعل هذه (التواصلية) في بنية الفكر الحضاري الرافديني، فقد إستثمر الأكديون (فكرة) الختم الأسطواني التي إكتشفها السومريون في 3500ق.م، بغية (تنظيم) حزم الأنظمة الفكرية والمفاهيم المتحركة في بنية فكرهم الأجتماعي. فالختم الاسطواني الاكدي (الموضوع)، يفصح عن بنية المعتقدات والأعراف والشعائر والطقوس والقيم الأجتماعية. فقد (وجدت) هذه المنظومات الفكرية دلالاتها وفعلها التعبيري (العميق)، بمثل هذه الأستظهارات الشكلية. إنها معادلة التمثيل والأنعكاس بين ما (يبلغه) التشكيل من دلالات، والاشكالات الفكرية الأجتماعية التي (فَعلّت) إبداعهُ.

فاذا كانت التماثيل والمنحوتات البارزة، بمثابة (أبنية) ترتبط بماكنة الدولة الأكدية، فان الاختام الاسطوانية كانت فناً (شعبياً)، بوصفها (بُنىً) تُفسّر الدلالات (اللاشعورية) في حركة الفكر الأجتماعي، حين (شُكلِنَت) الخطابات التداولية الاجتماعية، على شكل منظومة من العلاقات الشكلية على سطوح مثل هذه القطع الحجرية الصغيرة الحجوم. فخاصية التفكير الاسطوري والملحمي واقاصيص البطولة التي تعمل بفاعلية على إظهارها، هي محاولات (إبداعية) لوضع دعامات تحت فوضى وبلبلة الفكر الأجتماعي، لتمكنه من الكشف عن معالم بنائهِ وإظهار صور التنسيق في حركة (وحداتهِ)، وإيضاح التماسك والمعنى في (بنائهِ)، لتكون له بمثابة (الحامل). فالتصوير (الشعري) لمعظم مشاهدها، الذي إستحال الى منظومة من العلاقات الشكلية، لم يكن مجرد (سرد) لقصص تُخبّيء مضامين رمزية، بل هو (إبلاغ) شكلاني يُمثل بنية الفكر المجردة، الذي اصبحت (التجربة) فيه واعية لذاتها.

والعظيم في كل ذلك، هو أن الأنسان الأكدي، أسس (وسيلة) للمثاقفة مع الآخر، التي (صيرّها) بفعل تفكيرهِ الابداعي، الى (شكل).. معبر عن معتقداتهِ. فأضحى خطاباً روحياً جمعياً، ذلك أن المحتوى الفكري او لنقل (مقولة) المضامين الفكرية في مشاهد الأختام الاكدية، كانت (تتعايش) مع وسيط بيئي (خاص) بمنظومة من الدلالات الثقافية والاجتماعية والدينية، فتبادلت معه الأثر والتأثير بآليات متفاعلة، وبخاصية (متفردة) من التكيف لنوعية المهيمنات الضاغطة الخارجية.

ومنذ العصر السومري المبكر (3500 ـ 2800)ق.م وحتى العصر الأكدي، ما زالت وظيفة الاختام الاسطوانية ترتبط بفكرة تنظيم معاملات البيع والشراء بين الأفراد. فقد كانت بمثابة التوقيع الشخصي الذي تختم به الوثائق التجارية. ومع ولادة فكرة التفرد بالتوقيع الشخصي، كانت خاصية (تميز) الذات في حركة الفكر الاجتماعي، إذ تسود الحرية بكل ما لها من معنى، فيشعر المرء بمكانتهِ الاجتماعية المميزة قبل عصر (ديكارت) باكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة سنة. وذلك هو التحقق (الأول).. لنشوء الافكار الأنسانية على ارض الرافدين.

وفي (ملمح) آخر، فان استخدام الاختام على ارض الرافدين، كان أقدم نشوء لفكرة (الطباعة) في تاريخ الفكر الانساني، إذ أصبح بالامكان إنجاز العديد من (طبعات) المشاهد التشكيلية بمجرد ضغط جسم الختم على الطين وتدويره، فكان اقدم اكتشاف لتقنيات إنجاز المشاهد في فن (الغرافيك).

الاختام الاسطوانية الاكدية مثل سابقتها الاختام السومرية، (مُشكلّة) بعناية فائقة الى اشكال اسطوانية منتظمة ومتناسقة، من احجار مختلفة الصلابة ومتنوعة الألوان، إلا انها اكبر حجماً إذ يتراوح طولها في معظم الاحوال بين 2 ـ 4سم. وتكون دائماً مثقوبة طولياً بثقب يسمح بتمرير خيط، لتعليقها برقاب الأشخاص، بوصفها من المقتنيات الشخصية الملازمة لمعظم الأفراد، لاستخدامها بمثابة التوقيع الشخصي، لتأكيد حقوق الشخصية في البناء الاجتماعي. اما سطوحها فمزينة بمشاهد منحوتة تتنوع ما بين المواضيع الأسطورية ومشاهد الصراع الملحمية ومناظر طبيعية حسب ذائقة الأفراد وتفضيلهم الجمالي. وتنحت مشاهدها نحتاً غائراً ببراعة كبيرة وبشكل (شريط) معكوس يعود فيلتقي مع بدايتهِ، فاذا دُحرجَ الختم على سطح الطين الطري، سرعان ما (يُؤشّر) طبعة مشهده واضحةً بشكل صحيح .

وتثير تقنيات نحت سطوح الأختام الاسطوانية الاكدية وكذا السومرية (الضيقة)، إشكالات ما زالت تشغل إهتمامات الفكر المعاصر. فمن الصعب تصور إنجاز مثل هذه المشاهد النحتية الدقيقة باوضاعها (المعكوسة)، دون إستخدام انواع من العدسات المكبرّة، وذلك إفتراض لم تؤيده الاكتشافات العلمية، الأمر الذي يؤكد توفر انواعٍ من الادوات والآلات الحجرية والمعدنية الدقيقة، لانجاز نحت المشاهد، وكذلك (وجوب) توفر نوعٍ من الخبرة والمراس والتجريب لحفر الاشكال الصغيرة الحجوم.

تقدم الأختام الاسطوانية الاكدية خطابها (الوجودي) بدلالة صلابة خاماتها الحجرية، فالزمن ذلك (البُعد) الذي اصاب الشخصية الاكدية بالصميم، وأربكها بمزيد من عدم التوازن السايكولوجي، كان يجد حلولاً لأشكالاتهِ (الأنطلوجية) نحو نيل البقاء والصمود أمام عاديات الزمن، بدلالة صلابة خامات هذه الأختام، إذ ان بنيتها كانت حجرية في عمومها وجوهرها. أما تنوع ألوانها المدهش، فيدلّل على (سمو) الذائقية الجمالية ورقيها لدى الشعب الاكدي من جهة، وله ارتباطات بدلالاته الرمزية بثقافة الشخصيات من جهة اخرى. في حين يكشف وضع الاختام داخل أغلفة ذهبية، او تزيينها بتماثيل صغيرة في الأعلى، عن اهمية الشخصية من الناحية الاجتماعية.

وتؤكد الاختام الاسطوانية الاكدية اهميتها التاريخية بوصفها نوع من (الوثائق)، من خلال أسطر الكتابة التي تجتاز فضاءات السطوح البصرية بين الأشكال، التي (تبلغ) عن أسماء الاشخاص والآلهة المعبودة والأدعية ومراكز الشخصيات الأجتماعية، فهي توفر قراءة علامية للمشاهد بدلالة (أرصفة) الكلمات، أي إنها تشرك (اللغة) في فك (شفرات) الاشكال المتحركة على سطوح الاختام الحجرية.

لقد ظهرت الكتابة على سطوح الاختام منذ العصر السومري الذهبي (2800 ـ 2370) ق.م، إلا أنها كانت في البداية مبعثرة بين الاشكال. وفضيلة الفنان الاكدي هنا، هو أن أدخل اسطر الكتابة بنظام أنيق من الحس الجمالي العالي في الترتيب والتنظيم، فقد اصبحت العلامات الكتابية (تُنفّذ) بشكل اسطر هندسية الشكل، إذ تحفر حفراً عميقاً، وبتقنية إظهار تُدلّل على خبرة عظيمة لدى الكتبة، ومهما تنوعت الفضاءات المحددة لها على السطوح البصرية، فانها تشكل مع وحدات المشاهد تكوينات مدروسة ومتناسقة بصدد المساحات والحجوم، وهي في ذلك تشبه أناقة اللوحات الكلاسيكية للفنان (دافيد) وإن خلت سطوحها من أسطر الكتابة.

ولعل أهم ما يميز تقنية إظهار المشاهد على سطوح الأختام الاسطوانية الاكدية، هو وضوح طباعاتها وكأنها مشاهد عظيمة من منجزات النحت البارز، فرغم ضيق مساحة السطوح الحجرية الصلبة المهيأة للتنفيذ، إلا ان أنساق الخطوط قد حفرت حفراً عميقاً، فيما درست ادق تفاصيل العضلات والعظام والمفاصل للاشكال البشرية والحيوانية بشكل ممتاز يفوق التصور، وذلك يحتاج الى نوع من الخبرة والصبر وكذلك القصد والارادة لتحقيق مثل هذا الأمر الصعب المنال، الذي لا يمكن أن يكون إلا في ورشة أحد الصاغة المعاصرين في مدن العالم المتقدمة.

إن اكثر المواضيع إنتشاراً في مشاهد الاختام الاسطوانية الأكدية، هي أكثرها تداولاً للأفكار المتحركة في بنية الفكر الأجتماعي. إذ لاقت فكرة (البطل) الاكدي الرمزي الذي يحدد مساحات وإتجاهات الفتوح الاكدية في منجزات النحت المدور كما في تمثال (باسطكي)، إقبالاً إجتماعياً واسعا في مواضيع الأختام الاسطوانية كذلك، لكنه في ختم الملك الاكدي (شار ـ كالي ـ شري) يظهر وهو يروي (فحل) حيوان الجاموس من إناء إنسابت منه المياه بوفرة، وقد امسكه بكلتي يديهِ بكل إهتمام. فقد استقر البطل على الأرض بجلسة (الركبة ونصف) بكل ثبات، مستعرضاً شكله الاسطوري الذي يتألف من مظهر امامي لوجهه المؤطر بثلاث حلقات دائرية من الشعر على جانبيهِ، وتمنطق بحزام له ثلاث دورات حول الخصر وقد لفت وربطت ربطا محكماً، فيما راح (شفج) الجاموس منشغلاً بكل وداعة بارتشاف آلاف الأمتار المكعبة من مياه الرافدين الخالدين دجلة والفرات التي لا تنتهي (إن شاء الله) الى يوم الدين.

وبغية (تخصيب) دلالة المشهد، فقد تم تكرار ذات الصورة الاسطورية للبطل والحيوان بوضع متقابل ومتماثل بشكل تام على جانبي الختم، فيما احتل مستطيل النص الكتابي الفضاء البصري بين قرون الجاموس التي مثلت بوضع إستعراضي أشبه بسعفتي نخيل وكأنها واحدة من العلامات المهيمنة في القراءة التعرفية للنص. ويظهر من خلال حشود العلامات المركبة في بنية المشهد ان (الحدث) قد جرى على احدى ضفاف الأنهار في منطقة جبلية بدلالة صفوف الأشكال الحرشفية التي تؤطر ضفتي النهر .

وربما يجتاز المتلقي (المسؤول) للنص، شيئاً من الملل عند بحثهِ عن دلالة مثل هذه الأفعال، بسبب سمة التكرار التي تميز المشهد، إلا ان عليه ان يُدرك، ان عملية فك مغاليق مثل هذه النصوص الاسطورية، وتعرف آليات (شُكلِنَت) مضامينها، فان للتكرار في بنيتها وظيفة إيقاعية تشبه تكرار الانغام في المعزوفات الموسيقية، فالمشهد بقدر ما هو (إبلاغ) عن معنى، فانه في نفس الوقت، (موسقة) للوحدات التكوينية وأنساقها، كي توحي بمدلولاتها المتشظية بقدر ما يمتلك النص من إنفتاح، الذي يتسع ويكبر ويتفعّل، نحو أبعاد دلالية جديدة، لها مهام وصفية وتأكيدية في (تعميق) الدلالة الفكرية.

أما البنية العميقة للنص، فيمكن تعرفها من خلال خاصية الاشكال الرمزية المتحركة على السطح البصري، فقد إختزل المفكر الأكدي وكثّف قوة الحياة وحيويتها بفكرة (الماء)، وتلك مسألة تأويلية معروفة في الفنون الرافدينية منذ عصر قبل الكتابة مروراً بالعصر السومري والادوار الحضارية التي اعقبته. لكن الجديد في التأويل هو إبتكار نوع من الاشكال الاسطورية التي تهب هذه القوة (الحيوية) للموجودات، فذلك البطل الذي ينتمي الى عالم الاشكال الملحمية اكثر من حدوده البشرية، هو القوة غير المحددة الامكانات التي تهب حتى اقوى المخلوقات رمز البقاء والديمومة بكل سخاء. وتلك محاولة سحرية (لإجبار) الطبيعة، في ان تكون، وأن تتجدد كل عام.

ويظهر في بنية النص (تغييب) مقصود لتحديد مكان الحدث، دون تشخيص أسماء النهر والجبل وموقعهما الجغرافي، ولعلها كائنة في (نقطة) لا يمكن تحديدها إلا في (خيال) المتلقي. وطالما ان (المستقبل) لهذه الرسالة هو الفكر الانساني في عالميتهِ غير المحددة، تبقى الاشكالية، هي اشكالية ابداع في بنية مثل هذه النصوص الملحمية، ولعلها (وجدت).. خصوصيتها في تفعيل (الابلاغ) عن الحدث او الحدوث بدلالة المكان غير المعين، إنها ازمنة وأمكنة كونية، لا يمكن تعرفها في بنية الاساطير والملاحم الأكدية.

ومع ان ختم الملك (شار ـ كالي ـ شري) يقدم خطابهِ التقني بقدرة متفردة من آليات الأظهار، وكانه جدارية آشورية من بضعة امتار، وقد حفرت على مساحة حجرية صلبة ومستديرة لا تتجاوز الثلاثة سنتمترات، وتلك إشكالية مستعصية الحل حتى الوقت الحاضر (شكل 28). فانه من ناحية أخرى، يثير إهتمامات الفكر المعاصر، بالخيال المتعالي الكامن في إبتكار وتركيب اشكال وحداتهِ التكوينية، إنها (قوى) من إبداع بنية لا شعورية تتصل بالمغيبات. ومع ذلك فانها تعني ببساطة ما تقول، فهي تُخبّيء معناً حقيقياً تحت موضوعها الظاهر، بوصفها تمتلك أثراً علاجياً نفسياً للذين (آمنوا) بها من الاكديين، فهي تُفسّر للحائرين منهم، ما يجري في (لاوعيهِ) وبما يُبقيهِ متماسكاً.

ومع اجواء البطولة والقوة والفتوحات الناجحة الاكدية، شاعت في مشاهد طبعات الاختام الاسطوانية، نوع من مشاهد الصراع الدراماتيكية التي ينبري بها (هرقل) الاكدي، رمز قوة الدولة وسطوتها، للدخول في جولات (صراع) عنيفة مع نوعين من الحيوان هما فحل الجاموس والاسد. ودلالة المشهدين اللذين لقيا إقبالاً شعبياً واسعاً، مختلفة، فالبطل حين يطأ بقدمه عنق فحل الجاموس، ماسكاً باحدى قرنيه وبطرفهِ الخلفي، تمهيداً لتمزيقهِ شلواً فشلواً بيديه القويتين فأنه (يعلن) هذه المرة عن قوتهِ الاسطورية، إذ باستطاعتهِ تحطيم اقوى الموجودات في عالم الطبيعة بحركة واحدة. فالبطل (الرمز) حين (يروي) اقوى الموجودات ويمنحها الحياة تارة، او يحطمها الى مجموعة عظام ومفاصل تارة اخرى، فانه يعرض احداثاً ملحمية، ويؤدي أدواراً درامية، مثقلة باشكالات فكرية إِجتماعية، كونها جزءاً فاعلاً في الشعائر الطقوسية الناشطة في الوعي الأجتماعي.

في طبعة الختم الاسطواني الاكدي يظهر البطل بصراع دراماتيكي مع أسد قوي هذه المرة، فقد أثنى البطل (الرمز) ركبتيه وراح يخنق أسداً هائلاً، ويوشك ان يقذف به طائراً في الهواء. بجو من الصراع الدراماتيكي المحتدم، الذي ليس له مثيل إلا في لوحات (تيرنر) التي يختلط فيها (زَيَد) البحر بصخور الشاطىء في بنية واحدة.

ويُخبّي المشهد في تشفيره الدلالي، عن قوتين، هما طاقة الوجود المتمثلة بالبطل، وقوة الفناء الكامنة في الأسد. فالتعبير في المشهد البصري، لم يكن نسخاً لواقع مُعطى، بل هو كشف لأشكالات الفكر الاجتماعي، بما يجتازها من رغبات ومخاوف، تبثهُ اشكال فنية مُحمّلة بدلالات رمزية، كانت بمثابة اللغة المتداولة في أسواق المدن الأكدية.

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]

فمثل هذه الاشكال الرمزية، قد (أولّت) من اشكالها ودلالاتها الطبيعية المألوفة، فاصبحت حرة من صيرورتها الطبيعية، لتؤدي فعلها في نسق الفن، بدلالات مضافة، للتعبير عن معتقدات الانسان ومخاوفهِ. إنه (فعل) الانتصار على رمز الموت، لتحقيق التوازن الكوني، الذي أستمر فعله في مشاهد الصراع هذه حتى العصر الآشوري، فالقصد من هذه (الممارسات).. التي هي بمثابة طقوس روحية، هو إثارة نوع من العاطفة في سايكولوجيا الجماعة، لتكون عاملاً مؤثراً في حياة المجتمع العملية. فقد كرر الافراد في المجتمع الأكدي مثل هذه الشعائر عدة مرات، فأستنتجوا بفعل التجريب (طقوساً رمزية) او وسائل تعبير يتجسد بها مثل هذا النشاط الجمعي. إنه السحر الكائن في جذور الفكر الأنساني، الذي يوحي في نفس الآن: احساساً بالعجز ووعي بالقوة، تحسباً من احداث الوجود، مع القدرة بالسيطرة عليها، وذلك هو الجوهر الأصيل لمثل هذه المنجزات الابداعية.

لقد كانت إشكالات الفكر التأملي عند الأكديين، هي الانسان وطبيعتهِ وقيمهِ، فالانسان الأكدي لم ينجح بل لم يحاول في جعل نفسه موضوعاً علمياً لنفسهِ، فكانت حاجته المُلّحة للسمو على فوضى التجارب والحقائق المتناقضة، تؤدي به الى البحث عن إفتراضات ميتافيزيقيه، فالانسان إذا ما تناول موضوع ذاتهِ، فانه لن يحيد عن التأمل حتى يومنا هذا.

إذ تمثل احدى طبعات الاختام الاسطوانية من العصر الأكدي (المحفوظة في متحف برلين، (قصة) صعود الملك (إيتانا) الى السماء. الذي نصحته الآلهة بالطيران نحو السماء للحصول على نبات الخصب لأن امرأته كانت (عاقراً). فعلى المساحة التصويرية الضيقة جداً لسطح الختم، حشد الفنان مجموعة كبيرة من الاشكال تمثل موجودات بيتهِ. فقد فتحت باب البيت المصنوعة من (جريد) النخيل على مصراعيها، لتكشف عن أمرأتهِ جالسة بجوار (تنور) الخبز، وقد نشرت بشكل جميل ما أعدّتهُ من أرغفة، فيما راحت حاشيتهُ وكلابه تُحدق يائسة في اجواء السماء وقد (حيرّها) إختفاء سيدها المفاجيء على ظهر نسر في أجواء السماء .

وخلال عملية الطيران، طلب النسر من (إيتانا) ان ينظر الى حجم الارض ومعالمها عدة مرات، فشاهدها كأنها التل وبحارها كالأنهار الصغيرة، واستمر في الصعود حتى بلغ مدخل سماء (آنو). وهنا ينخرم النص المسماري للقصة عند هذه العقدة من الدراما (الأيتانية) فلا نعلم هل حصل على نبات الخصب الذي يساعد على الأنجاب أم لا، "على ان المرجح انه حصل على مبتغاه كما تشير الى ذلك دلالة أثبات الملوك، إذ ورد فيها اسم الملك (باليخ) على أنه إبن (إيتانا) الذي تولى الحكم من بعدهِ"(طه باقر،1976، ص 134).

من الصعب حساب الزمن في مثل هذه النصوص المايثولوجية، على وفق قياساتنا ومفاهيمنا المعتادة، فالزمن لا يعلن عن ذاتهِ إلا في ضوء النتائج والأفعال، فنحن لا نعرف مثلاً، كم إستغرق (إيتانا) في رحلتهِ نحو السماء؟ وكم مكث هناك؟ ومتى كانت العودة؟ فاذا كان الزمن يؤثر بالفعل في السرد الاسطوري، فأن أثر الفعل أهم من مدة ديموتهِ. تُرى، هل طار (إيتانا) حقاً الى السماء؟ محققاً اول محاولة بشرية للطيران، أم انه طار في خيالهِ فقط، وذلك هو المهم، بسبب قلق سايكولوجي (أرّقه) من الداخل، وتلك مشكلة الأبن وولي العهد التي ما زالت مؤثرة في الفكر الشرقي القديم والمعاصر على حد سواء.

نحتت الاشكال على سطح ختم (إيتانا) باسلوب يمكن وصفه بالبدائي، واهمية مثل هذه (المشيدات) البدائية في الفن الحديث، تكمن في خطاب (فان كوخ) الى صديقه الأديب (أميل برنار) قائلاً: "أندري.. ان هناك شيئاً، إفتقدته، وشعرت بالأسى لأني لم أره في المعرض. إنه سلسلة من البيوت الطينية البدائية، فهل تستطيع أن تمدني بفكرة عن تلك البيوت البدائية؟، فقد وقع نظري على بعض الاوراق الأيضاحية، التي تحمل رسوماً لمساكن بدائية، إنها تبدو بدائية وجميلة جداً. آه لو قُيضَّ للمرء ان يتعرف على مساكن تلك العصور، وآهٍ لو قدَّر له ان يرسم الناس الذين عاشوا في دواخلها، لكانت تلك الرسوم تماثل اعمال (ميليه) جمالاً، أنا لا أقول من حيث ألوانها، بل بقدر ما للأمر من صلة بهويتها، فأنها تبدو شيئا مميزاً.. شيئاً يؤمن المرء بهِ إيماناً راسخاً (ريد،1994،ص 36).

هناك فكرتان تبرزان في خطاب (كوخ)، الاولى: أن ما هو بدائي كان جميلاً ويماثل اعمال (ميليه) جمالاً. والثانية: ان مثل هذا الفن ليس جميلاً فحسب، بل إن له (هوية) مميزة، ويمنح المرء إيماناً راسخاً بروعة الفن، وإيماناً بالانسانية. وتلك هي عظمة مثل هذه المنجزات الابداعية الصغيرة (الاختام) وعظمة مبدعيها، الأمر الذي جعل الاجيال تتحدث وتناقش مآثرهم الابداعية على مَرّ التاريخ.

من أشهر الأختام الأسطوانية في العصر الاكدي، هو ما يعرف بختم الطائر (زو) أو (آنزو) Anzu ، إذ تمثل طبعة هذا الختم، إسطورة سرقة ألواح القدر من الأله (إنليل) إله الهواء، ومعنى اسمه السيد العاصفة، وأرادته هي الدستور غير المدون للدولة الكونية. من قبل هذا الطائر الكاسح الذي يرجح انه كان احد آلهة العالم الاسفل. وبفعل جسامة الحدث، لان حيازته لالواح القدر، ستجعله يمتلك السلطة المطلقة على الكون والآلهة. إجتمعت مجموعة من الآلهة لأنزال العقوبة به، إذ يتوسط شكل الأله (شمش) إله العدالة والشرائع مشرقاً من بين الجبال الشرقية سطح الختم الاسطواني، مميزاً بحزم الأشعة الضوئية التي تنبعث من كتفيه. فيما وقفت خلفه الألهة عشتار باسطة جناحيها ومتسلحة بصولجانها وهراواتها الحربية بوصفها إلهة الحرب، وعلى يمين السطح البصري بالنسبة للمشاهد يخطو الاله (إنكي) إله المياه، وقد انسابت امواج المياه من كتفيه، ووقف خلفه وزيره الخاص الذي يتميز بوجين أمامي وخلفي، كي يرى كل شيء بوصفه وزير لأله المعرفة. اما الى أقصى اليسار فيقف الاله (ننورتا) مسلحاً بالقوس والسهم مع قرينهِ الاسد، إذ إنتخب لغرض القضاء على الطائر (آنزو) وقتلهِ واسترداد الواح القدر منه.



يعرض مشهد الختم، فكرة الاكديين الذين عملوا على (تنظيم) القوى الماورائية على شكل منظومات مجتمعية، فنظّموها ونمذجوها، بشكل لم يعرف له العالم القديم مثيلا، حتى غدت مؤسسات واضحة المعالم. وفي (ملمح) آخر لم يستطع الاكديون فهم الدلالات الرمزية لهذه الاشكال المقدسة (الآلهة) كما في المشهد الاسطوري مجال التحليل، على أنها كينونات خاصة ترمز الى الآلهة او القوى الماورائية وبذات الوقت هي منفصلة عنها، إنها تعامل كالشبه بين شيئين، أي انها دلالة رابطة بين الشيئين المتشابهين، ولذا يلتئم الرمز والمرموز إليه جميعا، كما يلتئم المتشابهان، إذ يغدو الواحد بديل الآخر، فالعدالة والحرب والحكمة والشجاعة، ما هي في الغالب إلا ذات الافكار مزودة بقوة إرادة.

فابطال مشهدنا الدرامي، هي آلهة (نظرية) لها بنية فلسفية، فهي لا تباشر وجودها الفعلي وصلتها بعالم الانسان، إلا عندما تعلن عن فعاليتها الواضحة في الزمن. فتنبيء عن وجودها في سياق زمني محدد، فيتحول الوعي الانساني من فكرة الآلهة الى تأريخها. فهي عندما تجتمع وتقرر وتعاقب، فانها تنتقل من الوجود المجرد الى الفعل، وذلك يُظهرها في عالم الانسان، ويشدّها الى مسار حياتهِ، ويجعلها احد المواضيع المحببة في مشاهد الأختام الاسطوانية الشخصية.

ما أسعد تلك المرأة او ربما ذلك الرجل، الذي أنتقى (شكل) منظر طبيعي ليكون مشهداً يميز (توقيعهُ) الشخصي، لاشك ان ذلك (الأنسان) كان من أول الأنطباعيين في التاريخ. إذ ابدع احد النحاتين الاكديين على سطح احد الاختام الحجرية الضيقة، منظراً طبيعياً يحتاج في تقنيات الفن المعاصر الى لوحة كبيرة بقياس 3م ×2م لاحتواء جميع وحداتهِ التكوينية، في حين تصور طبعة أحد الأختام الأسطوانية مجموعة كبيرة من اشكال الوعول والأسود، باوضاع حركية متنوعة بين القفز والجري والوقوف الحذر، على أرض جبلية مليئة باشجار الجوز والصنوبر او ربما أنساق من (شقائق النعمان) المتنوعة الالوان، التي أفترشت ارضية المشهد، فيما أشرقت الشمس في الزاوية اليسرى العليا من المشهد. بينما إقتنص الفرصة في مثل هذا الوجود السعيد، احد الصيادين ليصيب طرديته باحدى سهامه الجارحة.

وعلى الرغم من النهايات المفتوحة للمشهد، فقد كانت المساحة التصويرية المتاحة لنحت شكل واحد من الأشكال الحيوانية على سطح الختم الحجري الصلب لا تتجاوز في أفضل الاحوال بضعة ملمترات، تُرى كيف استطاعت تلك اليد المبدعة ان تنجز بمثل هذه الواقعية التي تميز الاشكال، بحركاتها الدقيقة، وحساسية خطوطها العظيمة، مع دراسة التفاصيل التشريحية لاجسامها، ومراعاة خاصية المستويات على المساحة البصرية. لاشك ان الموضوع أشبه بالأعجاز، الذي حققه الفنان العراقي في اقدم مناطق التاريخ، بعدتهِ النحتية المتواضعة.

أظهرت دراستنا التحليلية لاجناس الفنون التشكيلية الاكدية، أنها شملت فن العمارة والنحت بجنسيه المدور والبارز وكذلك الاختام الاسطوانية، ويبدو إن من السابق لأوانهِ التكهن بوجود الرسوم الجدارية او عدم وجودها. إلا إن من المنطقي التفكير بوجود الرسوم الجميلة التي كانت تزين جدران القصور الاكدية.فمثل هذه السطوح توفر مساحات كبيرة لاستعراض تفاصيل إنتصارات الجيوش الاكدية وبما يتفق مع الايدلوجيا الاكدية، التي أصرّت على ان تخلّد للاجيال ما حققته من مآثر بجميع احداثها وتفاصيلها الدقيقة. إلا إن مثل هذه الأفتراضات سابقة لأوانها، وتنتظر إثبات وجودها بوساطة الاكتشافات الأثرية في المدن الاكدية.



أ. د. زهير صاحب

كلية الفنون الجميلة – بغداد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://eng-art.yoo7.com
فؤاد حسني الزعبي
المراقب العام المميز
المراقب العام المميز
فؤاد حسني الزعبي


العذراء
تاريخ التسجيل : 22/10/2011
العمر : 80
البلد /المدينة : فيينا - النمسا

الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأختام الإسطوانية   الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty4/7/2012, 00:11

**** لقد كانت إشكالات الفكر التأملي عند الأكديين، هي الانسان وطبيعتهِ وقيمهِ، فالانسان الأكدي لم ينجح بل لم يحاول في جعل نفسه موضوعاً علمياً لنفسهِ،.......... ******
شكرا لك, موضوع جميل للغاية بما فيه من الشرح الكافي عن تلك الفترة الزمنية وعن الحالة الإجتماعية وتوثيق المعاملات بالأختام مما يدل على تقدم ورقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
ميسون احمد
عضو
ميسون احمد


تاريخ التسجيل : 01/06/2010

بطاقة الشخصية
المجلة: 0

الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأختام الاسطوانية الأكدية    الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty4/7/2012, 12:45

بارك الله فيك وجزاك خير الجزاء
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
بثينة الزعبي
المراقب العام المميز
المراقب العام المميز
بثينة الزعبي


الميزان
تاريخ التسجيل : 18/02/2012
العمر : 67
البلد /المدينة : النمسا / فيينا

الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأختام الاسطوانية الأكدية    الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty4/7/2012, 15:59

معلومات قيمة في موضوع رائع, شكراً لك.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
عثمان محمد
نائب المديرة
نائب المديرة
عثمان محمد


الجدي
تاريخ التسجيل : 22/12/2011
العمر : 42
البلد /المدينة : فلسطين

بطاقة الشخصية
المجلة: 0

الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأختام الاسطوانية الأكدية    الأختام الاسطوانية الأكدية  Empty4/7/2012, 21:17

قيم ما قدمتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأختام الاسطوانية الأكدية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» التماثيل الأكدية.

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الهندسة والفنون :: الفنون :: --الفنون :: الفنون-
انتقل الى: