السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مـــــــن أسباب الوقــــــوع فـــــي الفتن
من أول أسباب الوقوع في الفتنة استعداد القلب لقبولها كما في الحديث: "
تعرض الفتن على القلوب...وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء"، وكذلك قبول
السعي فيها، ففي الصحيح: "...الماشي فيها خير من الساعي ، من تشّرف لها
تستشرفه". أي من تطلع لها صرعته فيها.
وأشد ما يؤجج الفتن الخوص بالألسنة، يقول القرطبي في تعليل أسباب كثير من
الفتن أنها تبدأ: " بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم، فربما
ينشأ من ذلك الغضب والقتل، أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها".
وكم
تكبر الفتنة حينما يبني المرء موقفه على وهم!! وذلك مثلما حصل مع
الصحابيْين الكريميْن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حينما أشار أبو بكر
بتأمير رجل على وفد بني تميم وأشار عمر بتأمير غيره، فقال أبو بكر: " إنما
أردتَ خلافي"، وعمر يقول له: " ما أردتُ خلافك"، وعلت أصواتهما عند رسول
الله صلى الله عليه وسلم حتى إن راوي الحديث قال: " كاد الخيّران أن
يهلكا".
وأخطر ما يقود إلى الفتن تقديم الرأي على حكم الشرع، فقد جاء
في صحيح البخاري أن سهل بن حنيف قال: " أيها الناس اتهموا رأيكم على
دينكم...".
وقد تفرّ من الفتنة فيلاحقك أهلها وأنت كاره للخوض فيها كما
ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " إن ناقدت ناقدوك، وإن تركتهم لم
يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك....".
وقد يكون استلامك لإمارة لا تقدر
عليها سبب فتنة لك ولمن معك، ولذلك جزع عمرو بن العاص رضي الله عنه جزعا
شديدا لما حضرته الوفاة، وتذكر حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى
أن قال: " فلو مت حينئذ قال الناس: هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير فمات
فرُجيَ له الجنة، ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء، فلا أدري عليّ أم
لي....".
وإن كنت في موضع القدوة أو الإمرة فلا تحمّل الناس ما لا
يطيقون، فتفتنهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن معاذا رضي
الله عنه يطيل الصلاة بالناس قال له ثلاثا: " يا معاذ! أفتّان أنت؟!"، وفي
خطبة لعمر رضي الله عنه قوله" ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا
تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكفِروهم".
وإن الانشغال
بالقول عن العمل كثيرا ما يفضي إلى كثير من الفتن والمشكلات، يقول ابن
تيمية رحمه الله: " فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن
يوقع بينهم العداوة، حتى تقع بينهم الفتنة ـ كما هو الواقع ـ " ،