اختلف العلماء فى تحديد فترة دخول نبى الله يوسف – عليه السلام - لمصر والتى سوف يعقبها توالد بنى إسرائيل على أرض مصر حتى خروج نبى الله موسى – عليه السلام- من مصر . ومن خلال الحقائق الدينية والتى تؤكدها الأدلة الأثرية توصل الباحث الأثرى عماد مهدى عضو جمعية الأثريين المصريين وصاحب الدراسة الشهيرة عن تحديد موقع العبد الصالح الخضر ولقاؤه مع نبى الله موسى بسيناء لتحديد تاريخ دخول نبى الله يوسف لمصر
الحقائق الدينية
يتطرق الباحث للإعجاز اللغوى فى القرآن الكريم والذى كشف عن أسراره الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى والذى حدد من خلالها تاريخ دخول نبى الله يوسف لمصر ففى سورة "يوسف " ذكر لأول مرة لقب حاكم مصر بلفظ "ملك" وليس لفظ فرعون كما ذكر فى كل الآيات الخاصة بعلاقة نبى الله موسى بفرعون مصر " وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ" يوسف 43
" وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ " يوسف 54
وهذا دليل قرآنى يضاف بل ويسبق بعض الأدلة الأثرية المكتشفة ليثبت ويحدد أن فترة وزمن دخول نبى الله يوسف لمصر وارتقائه إلى منصب عزيز مصر كان فى عصر الهكسوس وذلك للمدلول اللفظى والتاريخى لكلمة "الملك"
وقد ذكر عالم اللغة المصرية القديمة جاردنر أن كلمة هكسوس تعنى "الملوك الرعاة" ومشتقة من اصطلاح "حقا خست " أى رئيس البلاد الأجنبية أو مشايخ البدو وأن " هك " تعنى فى اللغة المقدسة ملك وأن " سوس " تعنى فى اللغة الدارجة راعى فكلمة " هكسوس " تعنى الملوك الرعاة أو الحكام الأجانب ، أما ذكر لفظ فرعون فى قصة نبى الله موسى فتعنى فى اللغة المصرية القديمة " برعا " بمعنى بيت العظيم أو بيت الحاكم وتنطق بالعبرية برعون وللفظ مدلول تاريخى واضح حيث بيت الحاكم هو الحاكم الشرعى عن آلهة المصريين وله قدسيته بين أفراد الشعب بينما الملك الهكسوسي هو حاكم أجنبى على البلاد ولا يستحق اللقب المصرى وهذا ما أورده القرآن الكريم فى التفريق بين عصر نبى الله يوسف وعصر نبى الله موسى والألقاب الملكية الخاصة بحكام هذه العصور
الهكسوس
الهكسوس كما أطلق عليهم المؤرخ المصرى مانيتون لا ينتمون إلى جنس واحد بل هم مجموعة من قبائل آسيوية وشعوب بربرية تحركت من آسيا فى تجمعات عشوائية غير منتظمة وقد أطلق عليهم بعض المؤرخين اسم (الآريين أو الهندوآريين) وعرفوا في مصر باسم حقا خاسوت التى تحرفت إلى الهكسوس وقد تدفقوا على مصر فى عصر الأسرة الثالثة عشر فى ظل الضعف السياسى وعدم مراقبة الحدود ودخلوا مصر كهجرات شعوبية لمصر فى دفعات متتابعة واستقروا على الحدود الشرقية للبلاد .
ولقد ساعد تفوق الهكسوس العسكرى واستخدامهم للعربات الحربية التى لم تعرف فى مصر من قبل فى حسم المعركة لصالحهم واستقروا في الدلتا فى منطقة أفاريس التى تقع بين الزقازيق وقناة السويس حالياً وجعلوها عاصمة لهم وقد اختاروا هذا المكان ليكونوا قريبين من فلسطين فى حالة أى خطر وقد كانت الفترة التى غزا فيها الهكسوس مصر تمثل حقبة زمنية سوداء للمصريين
الحقائق الأثرية
يشير الباحث عماد مهدى للدليل الأثرى الذى يؤكد الفترة الزمنية لدخول نبى الله يوسف لمصر وهو نقش خاص يوضح وصول وفد آسيوى رفيع المستوى لمصر على أحد جدران مقابر بنى حسن بالمنيا وهذا النقش عبارة عن لوحة تسمى " أبشا " وأبشا معناها الزعيم وكما هو معروف أن اسم إبرام أو إبراهيم هو قائد أو أب لجمهور الناس .
وقد سجل فى هذا النقش زيارة وفد آسيوى رفيع المستوى وربما كان أبشا هو نبى الله إبراهيم علما بأنه لم يسجل من قبل فى الآثار المصرية تسجيل لزيارات آسيوية بهذا المستوى وربما أن الفرعون سنوسرت الثانى قد تعرف على شخصية هذا القادم وإنه نبى وحين أدرك الفرعون إنه أمام شخص غير عادى زاد من وقاره واحترامه ووهبه أميرة مصرية وهى السيدة هاجر أم نبى الله إسماعيل .
وقد سمح لنبى الله إبراهيم بالتجول فى أرض مصر بسلام بدليل وصول الوفد الآسيوى المصاحب له إلى حدود المنيا ونبى الله إبراهيم هو الجد الثانى لنبى الله يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم وبناءاً على النقش الذى يؤكد تاريخ دخول نبى الله إبراهيم لمصر فى عصر الدولة الوسطى وبالتحديد فى عصر الأسرة الثانية عشر تحت حكم الملك سنوسرت الثانى وبالمقارنة بالتتابع الزمنى بين نبى الله إبراهيم عليه السلام ونبى الله يوسف وبحساب المتوسط الزمنى بين الآباء والأبناء من نبى الله إبراهيم حتى نبى الله يوسف وحساب متوسط الأعمار بين الأجيال وعدد سنوات شباب نبى الله يوسف نصل إلى حوالى 400 سنة وهى المسافة الزمنية بين الأسرة الثانية عشر وعصر الهكسوس
بردية نفروهو وبنو إسرائيل
كان المصريون فى فترة من الفترات يعانون سنوات الجفاف والمجاعة واحتلال الهكسوس بينما بنو إسرائيل يعيشون فى ترف وغنى وقد ذكرت هذه المرحلة التى مرت على مصر فى نبؤه كاهن اسمه " نفروهو " وكان معاصراً للملك سنفرو الأسرة الرابعة وهذه النبؤة مدونة فى بردية محفوظة الآن بمتحف الهيرميتاج بليننجراد بروسيا .وذكر سليم حسن فى موسوعة مصر القديمة أن هذه البردية تتحدث فى نبؤة عن أحوال المصريين فى المستقبل حينما يأتى الآسيويون بقوتهم ، وجاء فيها بالنص : " لقد أصبت تلك البلاد خرابا فلا من يهتم بها، ولا من يتكلم عنها، ولا من ينزف الدمع، فأية حال تلك التى عليها البلاد؟ لقد حجبت الشمس فلا تضئ حتى يبصر الناس وقد كان من نتيجة تعطيل أعمال الرى العظيمة العامة أن أصبح نيل مصر جافاً فيمكن للإنسان أن يخوضه بالقدم ، وصار الإنسان عندما يريد أن يبحث عن ماء لتجرى عليه السفن وجد طريقة قد صار شاطئاً ، والشاطئ صار ماء ، وكل طيب قد اختفى وصارت البلاد طريحة الشقاء بسبب طعام البدو والذين يغزون البلاد ، وظهر الأعداء فى مصر فانحدر الأسيويون إلى مصر وسأريك البلاد وهى مغزوة تتألم وقد حدث فى البلاد ما لم يحدث قط من قبل فالرجل يجلس فى عقر داره موليا ظهره عندما يذبح والده ، وكل فم ملؤه أجنبى ، وكل الأشياء الطيبة قد ذهبت والبلاد تحتضر وأملاك الرجل تغتصب منه وتعطى الأجنبى وسأريك أن المالك صار فى حاجة والأجنبى فى غنى وأن الأرض قد تضاعف حكامها ، وصارت الحياة شحيحة مع أن المكيال صار كبيراً، وتكال الحبوب حتى يطنح الكيل ، سأريك البلاد ، وقد صارت تتألم، وأن منطقة عين شمس لن تصير بعد مكان ولادة كل إله.
سيأتى ملك من الجنوب اسمه " آمين " وهو ابن إمرأة نوبية الأصل ، وقد ولد فى الوجه القبلى وسيتسلم التاج الأبيض وسيلبس التاج الأحمر فيوحد البلاد بذلك التاج المزدوج وسينشر السلام فى الأرضيين فيبهج أهلها وسيفرح أهل زمانه وسيجعل إبن الإنسان يبقى أبد الآبدين ، أما الذين كانوا قد تآمروا على الشر ودبروا الفتنه فقد أخرسوا أفواههم خوفا منه "" والآسيويون سيقتلون بسيفه واللوبيون سيحرقون بلهيبه ، والثوار سيستسلمون لنصائحه، والعصاة إلى بطشه وسيقيمون سور الحاكم حتى لا يتمكن الآسيويون من أن يغزوا مصر وسيجدون الماء حسب طريقتهم التقليدية لأجل أن تردها أنعامهم والعدالة ستعود إلى مكانها والظلم ينفى من الأرض فليبتهج من سيراها ومن سيكون فى نصيبه خدمة ذلك الملك ".
ولقد ذكر بعض المؤرخين ومنهم الدكتور سليم حسن أن هذه البردية كانت تخص عصر الاضمحلال الأول بعد سقوط الدولة القديمة وحتى تعطى الصبغة الشرعية لحكم الملك أمنمحات وتكون بمثابة مقدمة سياسية لحكمه ولكن بتحليل النص المذكور فى البردية نجد هناك بعض المصطلحات الهامة والأسيويون والمتآمرون والبدو وبالرجوع إلي عصر الاضمحلال الأول كما يذكر المؤرخون عن البردية نجد أن عصر الاضمحلال الأول التى شهدته مصر كان عصر لسقوط المركزية الحاكمة فى البلاد وبالرجوع إلى التاريخ المصرى لم تشهد مصر بعد سقوط الدولة القديمة أى غزو آسيوى منظم كما حدث فى أعقاب الدولة الوسطى .ولقد أشار النص الذى ذكره الكاهن( نفروهو) عن تعرض مصر لغزو مؤلم وكذلك شقاء الشعب بسبب طعام البدو والذين غزوا البلاد من الآسيويين ويتضح من هذا أنهم بنى إسرائيل القادمين من البدو كما أشار القرآن في قوله تعالي " وقد أحسن بي إذ أخرجنى من السجن وجاء بكم من البدو "يوسف 100
وكان أخوة نبى الله يوسف وهم بنى إسرائيل (وإسرائيل هو نبى الله يعقوب كما ذكر بالقرآن الكريم فى سورة مريم آية 58) يعيشون فى حماية الهكسوس في ذلك الوقت وربما قد ساند بنى إسرائيل بعد وفاة نبى الله يوسف الهكسوس على المصريين وقد ذكر النص السابق فى البردية " أما الذين كانوا قد تآمروا علي الشر ودبرو الفتنه فقد أخرسوا أفواهم خوفاً منه " وتعتبر هذه البردية من أهم المصادر الأثرية التى تحدد تزامن الهكسوس وبنى إسرائيل وأحوالهم فى مصر قبل الخروج مع نبى الله موسى عليه السلام ، وتشير الأدلة الأثرية إلى أن أكثر من مجاعة ضربت مصر فى عصورها القديمة وكذلك بلاد الشام وفلسطين ، وأحياناً كان الجفاف يعم منطقة الشرق الأوسط كله ، وكان بدو هذه المناطق يأتون إلى مصر ليأخذوا من الحبوب الذى اختزنها نبى الله يوسف لمثل هذه الأيام الصعبة