قال مولانا عبد القاهر الجرجاني
إذا قلت: ما فعلت.
كنت نفيت عن نفسك فعلاً لم يثبت أنه مفعول
وإذا قلت: ما أنا فعلت
كنت نفيت عن نفسك فعلاً يثبت أنه مفعول
تفسير ذلك
أنك إذا قلت: ” ما قلت هذا “. كنت نفيت أن تكون قد قلت ذاك، وكنت نوظرت في شيء لم يثبت أنه مقول.
وإذا قلت: ” ما أنا قلت هذا “. كنت نفيت أن تكون القائل له، وكانت المناظرة في شيء ثبت أنه مقول.
وكذلك إذا قلت: ” ما ضربت زيداً “. كنت نفيت عنك ضربه ولم يجب أن يكون قد ضُرب. بل يجوز أن يكون قد ضربه غيرك أو لا يكون قد ضُرب أصلاً.
وإذا قلت: ” ما أنا ضربت زيداً “. لم تقله إلا وزيد مضروب وكان القصد أن تنفي أن تكون أنت الضارب.
قال المتنبي
وما أنا أسقمت جسمي به .. ولا أنا اضرمت في القلب ناراً
المعنى، كما لا يخفى، أن السقم ثابت موجود، وليس القصد بالنفي إليه، ولكن إلى أن يكون هو الجالب له، ويكون قد جره إلى نفسه.
ومثله في الوضوح قول المتنبي
وما أنا وحدي قلت ذا الشعر كله .. ولكن لِشعري فيك من نَفسِه شِعرُ
فالنفي لأن يكون هو وحده القائل له.
مسألة هامة
يصح لك أن تقول
ما ضربت زيداً ولا ضربه أحد سواي. أو ما قلت هذا ولا قاله أحد سواي.
لكن لا يصح أن تقول
ما أنا ضربت زيداً ولا ضربه أحد سواي. أو ما أنا قلت هذا ولا قاله أحد سواي
فهذا قول رديء، لأنك تثبت في المقطع الأول من الجملة أن زيداً قد ضُرب ثم تنفي أن يكون قد ضُرب في المقطع الثاني.
ومثله قولك
لست الشارب الماء أمس ولا شربه أحد سواي
فتثبت شرب الماء ثم تنفيه.
مسألة هامة 2
أنك تقول: ” ما ضربت إلا زيداً “ . فيكون كلاماً مستقيماً.
ولو قلت: ” ما أنا ضربت إلا زيداً”. كان لغواً من القول. وذلك لأن نقض النفي ب ” إلا” يقتضي أن تكون ضربت زيداً. وتقديمك ضميرك وإيلاؤه حرف النفي يقتضي نفي أن تكون ضربته، فهما يتدافعان، فاعرفه.
وتقديم المفعول كقوله : ” ما زيداً ضربت” كان المعنى على أن ضرباً وقع منك على إنسان، وظُن أن ذلك الإنسان زيد، فنفيت أن يكون إياه.
مسألة هامة 3
ومما ينبغي أن تعلمه أنه يصح لك أن تقول: ” ما ضربت زيداً، ولكني أكرمته”، فتُعقِب الفعل المنفي بإثبات فعل هو ضده.
ولا يصح أن تقول: ” ما زيداً ضربت، ولكني أكرمته “، وذلك أنك لم ترد أن تقول: لم يكن الفعل هذا ولكن ذاك، ولكنك أردت أنه لم يكن المفعول هذا، ولكن ذاك. فالواجب إذن أن تقول: ” ما زيداً ضربت ولكن عمراً”.
وحكم الجار والمجرور في جميع ما ذكرنا كحكم المنصوب،
فإذا قلت: ” ما أمرتك بهذا “، كان المعنى على نفي أن تكون قد أمرته بذلك ولم يجب أن تكون قد أمرته بشيء آخر.
وإذا قلت: ” ما بهذا أمرتك “. كنت قد أمرته بشيء غيره.