زواج الأقارب و آثاره السلبية على الولادات

الزواج هو الرابطة الإنسانية الأسمى والأنبل التي وضعتها وأصرت عليها الأديان السماوية فالأسرة ، وهي الغاية من هذا الارتباط ، تشكل أي الأسرة اللبنة الأساسية في بناء المجتمع ولذالك فإن أمر الاختيار يتطلب نقاط وأسس عديدة من الدين والخلق والتكافؤ الاجتماعي قبل التوافق الطبي الذي يتضمن أمرين هامين كما أوضح الدكتور عهد شهاب وهما :

- الكشف الطبي وفحوصات قبل الزواج‏

- زواج الأقارب وهو موضوعنا الأساسي‏

في الحقيقة تشجع العادات والتقاليد العربية زواج الأقارب وذلك لأسباب عديدة مثل الرغبة في الاحتفاظ بالثروة داخل الأسرة وتفرد الآباء بالقرار ومقولة أن ابن العم هو أحق بابنة عمه رغم أن ديننا الحنيف قال كلمته في هذا المجال ، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس )‏

ووجد طبياً أن الظواهر المحيطة ببعض الأمراض الوراثية تسود بصورة واضحة عندما يتكرر الزواج المغلق من الأقارب القريبين ومثلما يورث الآباء لأبنائهم صفات وراثية معينة كلون العينين وشكل الأذن فإنهم يورثونهم أيضاً صفات مرضية تسبب إصابتهم بعيوب وعاهات وأمراض وراثية‏

إذ أن احتمال حمل زوجين قريبين جينات من نوع واحد تكون مرتفعة وهذا ما يزيد من اكتساب المواليد جيناً وراثياً لمرض نادر‏

ويرى الأطباء أن الخطر في مثل هذا الزواج يكمن في الأمراض الوراثية التي يحمل جيناتها الزوج والزوجة معاً‏

ومع أن هذه الأمراض من الممكن ألا تظهر عليهما فلربما تورث بعد الزواج للأطفال والأحفاد كما في أمراض التخلف العقلي والغالاكتوسيميا وأمراض الكبد ( ويلسون ) إلى جانب أمراض الدم مثل فقر الدم المنجلي والتلاسيميا والفشل الكلوي وتليف الرئةوالبنكرياس كما يعتقد أن مرض الصرع والأمراض القلبية وداء السكري تزداد في بعض الأسر وتتضاعف احتمالات توارثها بزواج الأقارب‏

والعوامل الوراثية على الأغلب إما أن تكون سائدة ( قوية ) أو متنحية ( ضعيفة ) والعامل الوراثي السائد هو الذي يستطيع الظهور والتعبير عن نفسه والعامل الوراثي المتنحي لا يستطيع ذلك إلا إذا اجتمع مع عامل وراثي متنح مماثل تماماً وعندئذ تظهر الصفة الوراثية التي يحملانها معاً‏

وعند وجود العوامل السائدة والمتنحية الحاملة للصفات الوراثية تظهر تلك الصفات في الأبناء والأحفاد‏

وطبقاً للنظريات العلمية فإن وجود مرض وراثي في أحد الوالدين ينقله عامل وراثي سائد يكشف عن نفسه في نسبة معينة من الأبناء ولا يظهر في الآخرين‏

أما في حالة العوامل الوراثية المتنحية فلا بد أن تكون كامنة في كل من الأب والأم معاً ثم يظهر المرض بنسبة معينة من الأبناء بعد أن تجتمع لديهم عاملان وراثيان متنحيان ( وهذا لا يظهر فيمن ينتقل إليه عامل وراثي متنح واحد )‏

وتجتمع العوامل الوراثية المتنحية في الأقارب في الحبل الأول بنسبة / 1 إلى 8 / وتقل هذه النسبة في غير الأقارب .‏

وهذا كله يولد خطورة زواج الأقارب في ظهور الأمراض الوراثية وخاصة النادرة منها .‏

وإذا استمر زواج الأقارب جيلاً بعد جيل فإن العوامل المتنحية تجتمع فيهم أكثر وعلى سبيل المثال : إذا تزوج الرجل بابنة عمه أو ابنة خاله وكان كل منهما يحمل العامل الوراثي المتنحي نفسه لصفة مرضية فإن 25 % من الأبناء سوف تظهر عليهم هذه الصفة و 50 % سوف يحملون العامل الوراثي المتنحي في حين أن 25 % لا يحملون هذه الصفة‏

ويشكل زواج الأقارب نسبة كبيرة من الزيجات في البلاد العربية والإسلامية ، فقد أشار الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 1997 أن معدل انتشار هذه الظاهرة بفلسطين هو 49 % وهو الأعلى بين الدول العربية والإسلامية ، بينما لا تزيد هذه النسبة في أوربا عن 1 - 2 % أما نسبت زواج الأقارب في الكويت فقد بلغت 40 % وذلك بنتيجة دراسة ميدانية 1983‏

فيما أظهرت دراسة في السعودية أن 73 % من حالات الاستسقاء الدماغي وأمراض الجهاز العصبي في حديثي الولادة ترجع إلى زواج الأقارب وتعدد الحمل‏

إن فحوصات قبل الزواج والاستشارة الوراثية قبل الزواج تساعد على التنبؤ عن احتمال إصابة الأطفال بمرض وراثي إلى حد ما وتقول الأبحاث العلمية الوراثية أن كل إنسان مهما كان عمره أو حالته الصحية لديه / 5 - 10 / جينات معطوبة أي بها ( طفرة وراثية ) وهذه الجينات لا تسبب مرض لمن يحملها لأن الإنسان لديه دائماً نسخة أخرى سليمة من الجين ، وحين يتم زواج طرفين يحملان الجين المعطوب نفسه فالأطفال حتماً سيحصلون على جرعة مزدوجة من هذا الجين وهنا تحصل المشكلات الصحية حسب نوع هذا الجين وهذا ما يحدث في زواج الأقارب‏

ومجتمعنا من المجتمعات التي يشيع فيها زواج الأقارب ضمن نطاق العشيرة والأسرة الواحدة‏

ونحن في مواجهة كل ما سبق ليس لدينا من وسيلة فعالة لهذه المعضلة إلا بالوقاية من هذه الأمراض بالتخير الوراثي ، أي إجراء الاستشارة الوراثية قبل الزواج والابتعاد عن زواج الأقارب .‏