مقدمــــة
نظراً للتبذير في المياه والطاقة، فقد تولّدت فكرة توظيف التكنولوجيات الحديثة لبناء ما يسمى بـ «البيوت الذكية» أو «المساكن الإيكولوجية»، التي لا تقلّ عن غيرها من حيث توفير وسائل الراحة والرفاهية لأصحابها. لكنها مبنيّة من مواد خاصة ومجهزة بوسائل تكنولوجية تجعلها تقتصد الطاقة وتحمي البيئة.
فهي بيوت يُعتمد في بنائها أساسا على الخشب والزجاج، ونسبة قليلة من المواد الكيماوية العازلة. أو التي تعتمد في إنشائها على مواد البناء الطبيعية منخفضة التكاليف وتستخدم أنظمة تحقق ترشيد استخدام الطاقة ومياه الشرب والاستخدام السليم للأراضي كما تتمتع بنظام للإدارة البيئية يكفل التخلص الآمن من النفايات.
ويُمكن القول عن بيت ما أنه من البيوت الإيكولوجية إذا كان لا يعتمد على أية وسيلة من وسائل التدفئة الداخلية ووسائل تسخين الماء، بل يستعيض عنها بالطاقة الشمسية فقط، بدلاً من الطاقة البترولية أو الكهربائية التي تُعتمد في البيوت التقليدية العادية.
وأهم القواعد التي تدخل في بناء البيوت الإيكولوجية: استعمال الخشب بنسبة كبيرة داخل البيت، لما له ميزات جمالية، وأيضاً لأنه مادة طبيعية مائة بالمائة، وبالتالي فهي تحفظ الطاقة الحرارية أكثر من غيرها من المواد المعدنية أو البلاستيكية التي تعتمد في البيوت العادية.
"البيت الإيكولوجي في شانغهاي"
وقع الاختيار على "البيت الإيكولوجي" في شانغهاي ليكون ضمن منطقة "أفضل ممارسة حضرية" في إكسبو شانغهاي. هذا النموذج يعتبر تطبيقا لفكرة المعماري الأمريكي المشهور فرانك لويد رايت (1867-1959)، الذي تصور أن بيت المستقبل ينبغي أن يكون "بناية تنبت من الأرض وتواجه الشمس."
عمارة إيكولوجية نموذجية
يقدم "البيت الإيكولوجي" نموذجا لحضر شانغهاي في المستقبل، والنموذج الأصلي له هو أول عمارة إيكولوجية نموذجية بحي مينهانغ في مدينة شانغهاي.
يتكون البيت من هيكل بناء ضخم يدعم سطحا منحدرا، تنتشر عليه ألواح معدنية لامعة. تعدل النوافذ ظلها آليا حسب حركة الشمس. وعندما تمطر السماء لا ترى الماء يندفع من المزاريب، وهو المشهد المألوف في البنايات التقليدية، حيث تتم إعادة تدويرها داخل البيت.
في سبتمبر سنة 2004، تم إنجاز "البيت الإيكولوجي" داخل منطقة العلوم والتكنولوجيا في أكاديمية شانغهاي لهندسة العمارة. تستخدم في "البيت الإيكولوجي" أكثر من عشر تقنيات حديثة على المستوى الدولي. على سبيل المثال، إذا زاد حجم ثاني أكسيد الكربون في البيت، تصدر أجهزة الاستشعار إشارات، تؤدي إلى فتح منافذ التهوية آليا، فيأتي الهواء المنعش إلى البيت، وهذه العملية يمكن أن تتم عشرات المرات كل ساعة. بالإضافة إلى ذلك، توجد كوة زجاجية شفافة ضخمة في سقف القاعة المركزية للبيت، تتغير زاوية فتحها آليا على نحو يسمح بدخول أشعة الشمس إلى كل أركان البيت. في هذا البيت، يقل استخدام أجهزة تكييف الهواء شهرين أو ثلاثة شهور كل سنة عن البيت العادي.
يستهلك "البيت الإيكولوجي" من الطاقة ربع نظيره العادي، و20% من الطاقة التي يستهلكها طاقة متجددة. تبلغ تكلفة البناء لكل متر مربع في "البيت الإيكولوجي" أكثر قليلا من أربعة آلاف يوان (باستثناء ثمن الأرض) (الدولار الأمريكي يساوي 8ر6 يوانات)، وهذا المبلغ أقل كثيرا من معدل التكلفة في بنايات المكاتب العادية. أكثر من 60% من مواد البناء المستخدمة فيه عبارة عن مخلفات بناء، مثل الخرسانة والجص من البنايات المهدمة، ومن النفايات الصناعية الصلبة أيضا. هذا الابتكار صديق للبيئة واقتصادي في نفس الوقت.
قال تساو جيا مينغ، رئيس جمعية الهندسة المعمارية بشانغهاي: "التقنيات والمفاهيم التي تعرضها هذه البناية الإيكولوجية مستخدمة بالفعل في بعض النماذج في مدينة شانغهاي. ومن خلال المزيد من إلقاء الضوء على المفهوم الأخضر للحياة في المستقبل، نأمل أن نعمم المفهوم السكني الأكثر صحة في التصميم المعماري والتخطيط الحضري في المستقبل".
ويرى السيد تساو أن البناية الإيكولوجية هي بناية مقتصدة في استهلاك الموارد (الطاقة والأرض والماء والمواد المعمارية) ومناسبة لحماية البيئة وتقليل التلوث، وتوفر الفضاء الصالح للاستخدام الفعال للناس، وتكون منسجمة مع الطبيعة.
تكلفة ممكنة
هذه البناية الإيكولوجية النموذجية هي جزء من أول مشروع نموذجي للبيئة السكنية الإيكولوجية في الصين. وهناك مشروع آخر يتكون من مسكن إيكولوجي مستقل تبلغ مساحته الإنشائية 200 متر مربع، وعمارة وحدات سكنية تبلغ مساحتها الإنشائية 5ر391 مترا مربعا.
حول تكلفة إنشاء البنايات الإيكولوجية التي يخشى الناس أن تكون عالية، مثل أسعار الخضراوات العضوية، يقول سون دا مينغ، مدير عام مركز دراسات العمارة الخضراء والإيكولوجية بشانغهاي التابع للأكاديمية الصينية لهندسة العمارة إن "العمارة الخضراء" تستخدم بعض التقنيات والتجهيزات الموفرة الطاقة وفقا لحاجات المشروع وأهدافه، ولكن العمارة الخضراء لا تكدس التقنيات ولا تعني "التكلفة العالية".
وأوضح سون أنه مع ارتفاع مستوى التقنيات وبدعم السياسات، تتحسن البيئة الأساسية لتطور العمارة الخضراء، ويظهر اتجاه كبير لتقليل التكلفة الإضافية لبناء العمارة الخضراء. وفقا لإحصاء أجري سنة 2008، كانت تكلفة تحقيق مستوى النجمة الواحدة للمعيار البيئي الأخضر الوطني هي 100 يوان لكل متر مربع، ومستوى النجمتين 250 – 270 يوانا، والثلاث نجوم 350 – 450 يوانا. وفقا لطريقة الحساب الجديدة حاليا، تبلغ التكلفة الإضافية لتحقيق نفس المستويات حوالي 50 يوانا و150 يوانا و250 يوانا، على التوالي. الفضل في ذلك يرجع إلى الدعم القوي من الحكومة الصينية لاستخدام الطاقة المتجددة.
مدينة منخفضة الكربون
يقول وو جيان تشونغ، مستشار إكسبو شانغهاي إن "البيت الإيكولوجي في شانغهاي" ونموذجه الأصلي لا يعرضان تقنيات توفير الطاقة وتخفيض الانبعاثات فقط، بل يعرضان أيضا مفهوم "بناء مدينة منخفضة الكربون وصديقة للبيئة" وفكرة أن العمارة النموذجية هي خلية في كائن أكبر هو المدينة. وإذا قل استخدام الموارد والطاقة في كل عمارة لاستخدامها في المستقبل، فسوف يتحقق هدف بناء مدينة منخفضة الكربون.
ويرى وانغ وي، نائب رئيس أكاديمية شانغهاي لهندسة العمارة، المسؤول العام عن مشروع العمارة الإيكولوجية، أن العمارة الإيكولوجية، باعتبارها اتجاه تطور البناء في العالم في القرن الحادي والعشرين، لا تحقق الوحدة والتناغم بين الإنسان والبناء والطبيعة فحسب، بل تدفع أيضا تطور أكثر من ثلاثين قطاعا، منها الحوائط الحديثة الموفرة الطاقة والأبواب والنوافذ الموفرة للطاقة واستخدام المواد الجديدة. وهناك مجال واسع لتطور العمارة الإيكولوجية، ففي شانغهاي وحدها يبلغ حجم سوق البنايات الإيكولوجية 4ر16 مليار يوان. باستخدام تقنيات العمارة الإيكولوجية، يمكن توفير مائة مليون من تكلفة معالجة المخلفات والقمامة، وتوفير ثلاثة ملايين طن من الأسمنت ومواد أخرى قيمتها ستمائة مليون يوان، ويمكن أن توفر طاقة تعادل 8ر747 ألف طن من الفحم القياسي سنويا، كما أن استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة يوفر 420 ألف طن من الفحم، ويقلل 35ر1 مليون طن من ابنعاثات ثاني أكسيد الكربون سنويا.
تشير دراسة إلى أن متوسط استهلاك الطاقة في العمارات بشانغهاي يعادل ثلاثة أو أربعة أضعاف المتوسط في الدول المتقدمة. إذا تم إصلاح تلك العمارات، سيحتاج مشرع الحوائط العازلة للحرارة استثمارات قدرها 2ر5 مليارات يوان.
يرى الخبراء أن تطوير العمارة الخضراء سيحدث ثورة في التقنيات الموفرة والمفاهيم المعمارية وأنماط الاستهلاك. التحدي الأكبر في هذا الموضوع هو كيفية بناء العمارة الخضراء بدون تكلفة إضافية. وتواجه الصين حاليا معضلات في توفير الطاقة والعمارة الخضراء، والأهم، عدم وجود سياسات فعالة لتشجيع وإرشاد ودعم العمارة الخضراء، والافتقار إلى القوانين واللوائح، مع عدم وجود نظام شامل لمقاييس ومعايير العمارة الخضراء.
منقول