اللبان العماني.. ثمرة الأشجار الحزينةارتبطت محافظة ظفار في المنطقة الجنوبية من سلطنة عمان منذ
آلاف السنين باللبان العماني الذي ما تزال شهرته مستمرة حتى
الآن لما يتميز به من رائحة طبيعية وخواص طبية تستخدم في شفاء الجروح وعمليات التجميل.
واللبان العماني موضع اهتمام منذ القدم وكان يمثل اهمية بالغة لا
تقل عن قيمة الذهب وهدايا الملوك وحافظ على مكانته حتى
عصرنا الحديث لتتجاوز شجرته المنتشرة في ظفار أهميتها من
مجرد شجرة جميلة تعطي اللبان ذا الرائحة الجميلة الى قدرات
اخرى تجعل منها صيدلية طبية لأن لبانها له فوائده الطبية وقدرته
على شفاء الامراض العضوية والنفسية.
ويصف المؤرخ الروماني بليني مادة اللبان بأنها بيضاء لامعة
تتجمع في الفجر على شكل قطرات أو دموع كأنها اللؤلؤ
والمقصود باللؤلؤ المادة الراتنجية التي تنتج عند جرح شجرة اللبان في مواقع معينة.
وفي اوائل شهر ابريل/نيسان وبعد ان تميل درجة الحرارة الى
الارتفاع يجمع المشتغلون الثمار بتجريح الشجرة في مواضع عدة
تتراوح بين عشرة وثلاثين حسب حجمها بواسطة اداة صغيرة.
وتسمى الضربة الاولى للشجرة التوقيع ويقصد بها كشط القشرة
الخارجية لاعضائها وجذعها وبعد هذه الضربة يظهر سائل لزج
سرعان ما يتجمد فيترك اسبوعين ثم تبدأ المرحلة الثانية من
استخراج الثمار من المواقع المكشوطة.
ويبدأ الجمع الحقيقي بعد اسبوعين من التجريح الثاني وتنقر
الشجرة للمرة الثالثة وبعدها يبدأ خروج السائل ذي النوعية الجيدة
ويكون مائلاً للصفرة وضرب الشجرة لا يكون عشوائيا لأن ذلك قد
يصيبها بالعقم ويبلغ متوسط انتاج الشجرة الواحدة حوالي عشرة
كيلوجرامات.
وكان اللبان قديما يستهلك بكميات كبيرة وطبقاً لما ورد في الوثائق
التاريخية فإن استهلاك اللبان بلغ في معبد زبعلس في بابليون
حوالي 2،5 طن. وقبل اكثر من ألفي عام ثبت ان ظفار كانت تصدر
حوالي 3 آلاف طن من البخور سنوياً واكتسب اللبان اهمية كبيرة
في الحضارات القديمة خاصة في الشرق الادنى والبحر المتوسط
والصين التي كانت ترسل الأواني الخزفية الصينية مقابل الحصول عليه.
ويعتبر اللبان النجدي الذي ينتج من الاشجار الموجودة في شمال
تلال ظفار الافضل يليه الشرزي ثم الشعبي الذي يستخرج من اشجار السهل الساحلي.
وقديما كان اللبان ينقل من ظفار في رحلات برية طويلة وينقل
قسم منه بواسطة البحر، وسعى الحكام القدماء من الاسكندر ومن
ثم ملك حضرموت الى السيطرة على طرق تجارة اللبان. ولهذا
ارسل ملك حضرموت مجموعة من المغامرين لانشاء ميناء قريب
من مصدر انتاج اللبان فاكتشفوا خور روري وهناك على الصخرة
العالية قاموا ببناء مدينة سمهرم وتعني المشروع العظيم وكانت
مدينة عظيمة يسكنها صفوة المثقفين في ذلك الوقت.
والمدينة الاكثر شهرة من سمهرم هي أوبار التي ترقد تحت رمال
شمال المنطقة التي تنتج اللبان حيث كانت مركزاً تجارياً مزدهراً
للبان واصبح طريقها الذي كان يستخدم لنقل اللبان هو الطريق
المفضل لأنه لا يمر بالمناطق التي تدفع فيها الضرائب الباهظة في
ذلك الوقت على الطريق.