شعراء من حمص: وصفـــي قرنفـــلي. وصفـــي قرنفـــلي 1911 ـ 1972[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]وُلِدَ وصفي بن كامل قرنفلي في مدينة حمص عام 1911 وتلقّى دراسته الابتدائية في المدارس الأرثوذكسية بحمص ولم يتمكّن من متابعة دراسته ، وأنهاها عند الصف الحادي عشر والتحق بالعمل في دائرة المساحة بحمص عام 1929 . لم ينقطع عن المطالعة فانكبَّ عليها بحُبٍّ وشغف ، وتلقّى بعض الدروس باللغة العربية على يد أستاذه يوسف شـــاهين
( 1853 ـ 1944 ) الذي كان مديراً للمدارس الأرثوذكسية بحمص كما تلقّى بعض الدروس على يد الأستاذ جرجس كنعان . بدأ ينظم الشعر بقصائد وطنية وغزلية وهو في السادسة عشر من عمره .
سافر فترة إلى مصر واطّلع على الحركة الأدبية فيها ونشر بعض إنتاجه في الصحف والمجلات التي تصدر في القاهرة . عاد إلى حمص وتوطّدت علاقته مع الأديب نصوح فاخوري ( 1924 ـ 2002 ) والأديب عبد السلام عيون السود ( 1922 ـ 1954 ) وفي عام 1954 أصدر كُرَّاساً مع صديقه نصوح فاخوري بعنوان موعد وعهد.
لم يدخل وصفي القفص الزوجي طيلة حياته ، بدأ المرض يتغلغل في جسمه منذ عام 1957 وأهمل نفسه في العِلاج فاستفحل المرض واستحال الطب شفاءه ، فأصيب بالشلل بنهاية عام 1967 وبقي طريح الفراش حتى وافته المنية صباح يوم الثلاثاء في 12/كانون الأول / 1972 . وانطلقت الجنازة من بيته إلى كنيسة القديس إليان يوم الأربعاء الساعة 11بتاريخ 13/12/1972 ورثاه على القبر :
الأستاذ عبد الرحيم الحمصي فقال :
أفنيتَ عمركَ في النضال مُجالِداً وعَبَرْتَ ريعان الشباب مُجاهدا
وعملتَ للوطن المُحَبّب عـندما كان الظلام على المـربع سائدا
مهلاً رفيق العمر شِعرك لم يزل للواهنين مفاخــراً . وقلائـدا
قم تشهد الأحبابَ حولكَ خُشّـعاً ينسـاب دمهمُ عليـك روافـدا
وقال محي الدين الدرويش :
شاعر الحُب والجــمال توارى ولقد كان ملء عين الزمـان
بورِكَ الشِعر قد تسامى بــناء يبهر الناظـرين بالعنـفوان
لاتقولوا : قد غاب بانيه ولكـن هو في القلب حاضر واللّسان
إيه وصفي والعمر سرّ عجيب هات شِعراً مطيّـباً بالمثـاني
قم كعهدي طلق المحيا ضحوكاً ناضر الوجه ألمعي الجنــان
قم تأمّـل تجد ليـوثاً حيـارى وظباء مقروحـة الأجــفان
هو شاعر تقدّمي رومانسي النزعة صاحب مدرسة التجديد في الشِعر العربي المُعاصر
وظّفَ قصائده في خدمة قضايا الوطن والإنسان ومحاربة الاستعمار والدفاع عن الفقراء والكادحين ، لقّبوه بشاعر حمص . لكنّه كان يكره الألقاب فصاح بهم :
أنا لستُ شاعر حمص ، في ما يدّعي قومٌ ، ولســتُ بشاعرِ الناسِ
أنا شاعــري ، أنا عالمي أنا أمّتي وهناك شِعري في ضمير الكاس
وعلى ظـلال الهدب أيقظ في دمي خدراً ، ولف مفاصـلي بنعاس
قال عنه صديقه الأديب ممدوح سكاف في مجلة الثقافة الأسبوعية عام 1969 :
( إن وصفي يملك موهبة ممتازة في التعبير عن خلجات النفس الإنسانية والعواطف المتلهّفة والأحاسيس الطاغية ، فالكلمة عنده شحنة من الشعور المتدفّق والصدى الرمزي المسموع في اللفظة والصورة . والصورة في شعره وليدة الكلمة وضلع من حروفها ، فهي أحياناً مُثقلة بالضباب ، مضمّخة بالغموض وأحياناً أخرى صافية كالصباح الجميل ) .
كما كتبت الأديبة الدكتورة نجاح العطّار دراسة قيّمة عنه في مجلة المعرفة العدد 129 لشهر تشرين الثاني عام 1972 .
ونشرت جريدة ( الرأي ) الأردنية يوم الثلاثاء في 9/كانون الثاني 1973 في عددها رقم 525 مقالاً للأستاذ عيسى الناعوري بعنوان ( وردة من بعيد على قبر الشاعر الراحل وصفي قرنفلي ) شارحاً بإسهاب عن موهبة الشاعر الراحل وأسلوبه في كتابة الشِعر مستشهداً بمقاطع من قصائده ومداخلاته عنها .
وأقام له اتحاد الكتّاب العرب بحمص حفلاً تأبينياً يوم الأحد بتاريخ 25/شباط /1973 في المركز الثقافي بحمص شارك فيه عدد كبيرمن الأدباء منهم :
نزار قباني ، مراد السباعي ، عبد المعين ملوحي ، حامد حسن ، الياس خليل زكريا ، عبد الرحيم الحصني ، أنطون مقدسي ، محمد الحريري ، خليل هنداوي ، مدحت عكاش ، عبد القادر عيّاش ، محي الدين الدرويش ، عفيف قرنفلي .
نبين أدناه مقتطفات مما قاله بعض الشعراء والأدباء في حفل التأبين :
قال نزار قباني :
( أيها الشاعر الصديق : لم أقطع مئات الأميال لأبكيك فلا أنا أُجيد حرفة البكاء ولا أنت تقبل مذلّة الدموع ... ولكنني أتيت لأهنِّئك لأن جهازك العصبي قد توقّف عن الفعل والانفعال . وأعصابك لم تعد كأعواد الكبريت ، قابلة للاشتعال في كل لحظة . من حسن حظّك إنك أخذت إجازة من حواسك الخمس .. أما أنا فما زلت يا صديقي مُحاَصراً بحواسي الخمس ... وما زلت مضطرّاً مع الأسف أن أفتح شراييني وأكتب .. يا صديقي وصفي : لقد اتّحد وجعك بوجعي ، وتداخل موتك بموتي ، حتى لم أعد أدري مَن يرثي مَن ...... ) .
وقال عبد الرحيم الحصني :
( سرابك ) العذب هام الظامئون به فيمّموه . ولما مسّهم ســكروا
وأنت فـوق ذرى الآلام مؤتــلق ومشعل النصر في يُمناكَ يستعر
في ذمة الخلد والتاريخ ما عـبرت بطيب أنسامك الأعوام والعصر
*************
مــــؤلفــاته :
ـ " موعد وعهد " : بالاشتراك مع نصوح فاخوري عام 1954.
حيث ضمّنه ثلاث قصائد :
1 ـ لنا النصر : بمناسبة الاحتفال بيوم الطفل .
2 ـ موعد وعهد : تحية لمؤتمر بخارست عام 1953 .
3 ـ مع الســـلم
ـ ديوان وراء السّـراب: ينقسم إلى قسمين :
1 ـ وراء السراب : يحتوي على 72 قصيدة .
2 ـ أوراق مُبعْثرة : يحتوي على 15 قصيدة .
وتقديراً لدوره الريادي في حركة الشِعر العربي المعاصر :
ـ منحته الحكومة السورية يوم الثلاثاء بتاريخ 5/ آب / 1969وسم الاستحقاق السوري
تقديراً لدوره الريادي في حركة الشِعــر المعاصر ومنــاداته بالعدالة الإنســانية
والاجتماعية والحرية للشعوب المقهورة .
ـ أصدرت وزارة الثقافة ديوانه ( وراء السّراب ) في نفس العام الذي مُنِحَ فيه الوِسام .
ـ أطلقت مديرية التربية بحمص اسمه على إحدى مدارسها : ( ثانوية الشاعر وصفي
قرنفلي ) في حي باب تدمر ـ شارع عمر المختار .
مقتطفـــات من أعمــاله :
1 ـ من قصيدة ( موعد وعهد ):
بـلادنــا ، مُتّكــأ أخضـر غنّــى ، على أقدامـه ، جدولُ
صحراؤنـا شعر ، وأنجــادنا خمر ، وخصب سهلنا ، مخمـلُ
************
فتياننا الأحرار ، قد أقسمــوا ، ألاّ يسيروا ، في لـواء الظّـلامْ
عبْر الحدود البُلْه ، عبر الدُّجى ، بينـــكم الشّـام . ونحن الشآمْ
************
2 ـ قصيدة قلب ضــائع :
يا قلب ويحـكَ ضيّعوك وما برحــت لهم وفِيّــا
أمسيتَ يا مسكين لا ميّتاً فيسلو في التراب ولستَ حيّا
قد كان أمس ومات أمس فخــلِّ أمس وعش خليّـا
3 ـ من قصيدة : فلان .... وتاريخنا .... والغُزاة :
نحن العروبة ، في أنقى شمــائلها يا من على يدكــم إنسانها صـُلِبا
والمجد ، نحن العوالي من شوامخه ، والمجد ، إذ ينتخي ، لم يَعْـدنا نسبا
ليس الأذِلاّء في التاريخ ، من عرب، ـ وأنت منهم ـ ولا مَن يعبد الذهبا
هذي البلاد لنا ، ليســت لكم أبدا ، ونحن تاريخ هذا الشرق إن كُتبــا
الحب والسّلم ركــنٌ في حضارتنا ، وكنتم الحقد ، في التاريخ ، والرُعُبا
4 ـ قصيدة رائحة الصّــوت :
غليظ ثقيل الظِلِّ ما ضجّ صوته بأذني إلاّ هزّ بي كل جارحه
وأقســم لم يٌخطىء إلي وإنما تلمّست نفساً بين شدقيه كالحه
كذلك للأصوات طعم نُحسّــه ولون وراء العين حيّ ورائحه
5 ـ على ضريحي : نظمَ هذه الأبيات كي تُكتَب على ضريحه :
لقد غــدوت ترابا ، لايحــــرّّكني بيت من الشـعر أو زهر على غُصنِ
حسبي ـ ولا حسب خلف القبرـ متّكئي في حضـن أمي وإني في ثرى وطني
وإنني كنت ـ والأحــرار تعرفني ـ حُرّاً ، أضأت دروب الشِعر في زمني
***************
المهندس جورج فارس رباحية