الوقتُ
تـــكاتَبْتُ وصديقي، فكانت هذه العجالة، أكثرها منه، وأقلها مني:الوقتُ
العُمْــرُ هو الزَّمـنُ الُمْمَتـدُّ بين استهلالِ الميلاد وزفيِر الموتِ، لذا فالوقتُ هو مادّةُ العُمرِ وقِوامه. وإذا كان لا يسَعُنا إطالة أعمارِنا فلا أقلَّ من أن نَزيدَ أعمارَنا عمقاً، وهذا لا يكونُ إلاّ بحسنِ استثمارِ كلِّ ثالثةٍ فيها. وإنّ طريقةَ تعامل كلِّ واحدٍ معَ الوقتِ هيَ التي تُحدّد طَبيعةَ عُمْرِهِ: جامداً أو حيّاً، فصاحِبُ العُمْرِ الجامدِ خامِلٌ في الداثرين، وذو العمرِ الحيِّ نابـهٌ من الخالدين.
مما تقدّم يتضحُ أنَّ الحياةَ والجمودَ – باعتبارهما ضدَّينِ – تفصِلُهمــا مسـافةٌ تساوي تلك التي بين عمر الخامل وعمر الخالد: عمرُ الخامل عمرٌ ينقضي بالأجل، أمّا الخالدُ فعمرهُ حياةٌ يقضّيها بالعمل والعطاء وتمتدُّ بعد الأجل بالذّكر والنباهة ربّمـا إلى شفا الأبد، عمرُ الخالد إذن أشبه ما يكون ببرقٍ خَفَى على استحياءٍ خَفْياً خفيفاً خاطفاً، أمّا الخالدُ فكَنُورِ الشمسِ الضافي سَرمداً.
إن خلودَ الذكرِ جائزةٌ تُقَدَّم فقطْ لمنْ يبرَعُ في إدارة الوقتِ.
إنّ يومـاً يـمُـرُّ هيهــاتَ هيهـا *** تَ يُـغادي الطريقَ بعد ذَهــابِهْ!
نحن نستدفعُ الزمــانَ فإن فــــا *** تَ أَخذْنـا بالذَّيل من جِلبابِـــه
يـا لـهُ زائــراً يُمَــلُّ إذا جـا *** ءَ ويُفـدى بالروحِ بعد غيــابـهْ!
فلا تثريبَ على الموت إذن ما دام أنَّ بعد الموت حياةً أبديّةً تُوهَبُ لمن يدرك قيمةَ الوقت!.
إذا شـيّعوني يـومَ تُقضـى منـيَّـتي *** وقالـوا: أراح اللّـه ذاك المعَـذَبـا
فلا تحمـلــوني صـامتين إلى الثرى؛*** فإنِّـي أخـاف الرَّمْـسَ أن يتهيّـبا
وغنّـوا ؛ فإنّ الموتَ كأسٌ شهيـــةٌ*** وما زال يحلــو أن يـغـنّى ويُشرَبا
وما النعشُ إلاّ المهـدُ مُـهدِبُـني الودى*** فـلا تُحزنـوا فيه الوليـدَ المغيَّبــا
ولا تذكروني بالبكــاء وإنّمــــا*** أعيدوا على سـمْـعي القصيدَ فأَطربا
-*-*-*-*-*-*-
نابه من الخالدين: نبه (بفتح الباء أو ضمِّها) ينبُـهُ نَباهةً: اشتهر وشَرُفَ وعلا ذِكرُه فهو نابهٌ ونبيهٌ.
خفى على استحياء: لمع خفيفاً معترضا السحاب، وهو بهذا دون الوميض.
الرمس: القبر