نوادر شعرية.
اليكم بعضا من النوادر الشعرية الطريفة واللذيذة....
سأل أحدهم - وكان أسمه محمود - صديقاً له (وكان أسوداً) من بابِ المداعبة: ما رأيك في قصيدة المتنبي
عيد بأية حال عدت يا عيد ......بما مضى أم لأمر فيك تجديد
وكان قد أراد -في خبث- أن يشير إلى قوله:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه ......إن العبيد لأنجاس مناكيد
ففطن الرجل لما أراده صديقه فرد قائلا: هي بلا شك قصيدة رائعة جميلة وبخاصة قوله فيها
ما كنت احسبني أحيا إلى زمن.....يسيؤني فيه كلب وهو [محمود].
قدم أديب على أحد الملوك في قصره ، وعندما وقف على باب القصر منعه الحاجب من الدخول ، فطلب رقعة وكتب فيها :
إن شئت سلَّمنـا فكنَّا كريشةٍ .....متى تلقها الريحُ في الأجواءِ تذهبِ
فدخل الحاجب بالرقعة على الملك وبعد أن قرأها قال له : قل له قد خففت جداً .
فرجع الحاجب إلى الأديب وأخبره بما قاله الملك ، فكتب عليها :
وإن شئت سلمنا فكنا كصخرةٍ .....متى تلقها في حومة الماء ترسُبِ
فدخل الحاجب مرة أخرى بالرقعة على الملك فقال له الملك : قل له قد ثقلت جداً
فعاد أدراجه إلى الأديب فأخبره بكلام الملك ، فكتب عليها :
وإن شئت سلمنا فكنا كراكبٍ .....متى يقض حقاً من لقائك يذهبِ
وعندما دخل الحاجب على الملك أمره بأن يأذن له بالدخول وقضى له حوائجه وانصرف .
دخل إعرابي على الخليفة العباسي المأمون وأنشأ يقول :
رأيت في النومِ أني مالكٌ فرساً .....ولي وصيف وفي كفي دنانيرُ
فقال قومٌ لهم علمٌ ومعـرفةٌ ..... رأيت خيراً وللأحلامِ تفسيرُ
أقصص رؤياك في قصر الأمير تجد.....تحقيق ذاك وللفأل التباشيرُ
فقال المأمون : أضغاث أحلامٍ وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين
يروى أن شاعراً كانت له ابنتان على قدر من الذكاء والفطنة، وحدث أن لقي الشاعر عدواً كان يطلبه فعرف أنه مقتول لا محالة، فرجى عدوه بعد أن يقتله أن يذهب إلى منزله، الذي وصفه له، فيلقي علي ابنتيه شطر بيت من الشعر، وهو:
ألا أيها البنتان إن أباكما
فوعده الرجل أن يفعل ذلك، وبالفعل بعد أن قتله ذهب إلى منزله وطرق الباب فلما ردت عليه إحدى البنيتن من داخل البيت، قال:
ألا أيها البنتان إن أباكما
فردت البنتان في صوت واحد:
قتيلٌ خذا بالثار ممن أتاكما
ثم صاحتا حتى التم الناس فطلبت البنتان منهم أن يقبضوا على الرجل ويرفعوه إلى القضاء حيث اقر بقتل الشاعر ونفذ فيه القصاص.
تزوج القاضي شريح من زينب بنت حدير وكان يحبها حباً شديداً ، زارته أمها ذات يوم في بيته وقالت له : أذنت لك في أن تؤدبها بكل ما تستطيع إن هي خرجت عن طوعك ، ولا ترحمها في غلطةٍ صغيرةٍ كانت أم كبيرة ترتكبها ، فضحك وأنشأ يقول :
رأيتُ رجالاً يضربون نساءهـم .....فشُلَّت يميـنـي يـوم أضربُ زينبا
أأضربها من غير ذنب أتـت به ..... فما العدلُ مني ضرب من ليس يذنبا
فزينبُ شمسٌ والنساءُ كواكبٌ .....إذا برزتْ لـم تُبدِ منهـنَّ كوكبـا
فتاةٌ تزيـن الحُلي إن هي حُلِّيتْ ....... كأنَّ المسـكَ بفيهـا خـالط مجلبا
فبكيت زينب وتعانقا وزاد الحب بينهما .
مرت امرأة حسناء على قوم من بني نمير يتسامرون ، فقال منهم قائلٌ : أنظروا لهذه المرأة كم هي جميلة ، لم أر مثلها في حياتي قط ، فقالت لهم : ويحكم يا بني نمير ، لم تمتثلوا فيَّ واحدةً من إثنتين ، لا قول الله عز وجل ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ولا قول جرير :
فغُضَّ الطَّرْفَ إنَّك من نُمّيْرٍ ..... فلا كعْباً بلغتَ ولا كِلابا
فلم يستطع أحد أن يرد عليها .
إشتد المرض على الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في آخر أيامه ، وفد إليه الزائرون من كل صوب ليتفقدوا حاله ويخففوا عنه ، فأخذته غشية طويلة ثم انتبه وهو يصيح ويصرخ ويستغيث ، فجعلوا يهدئوا من روعه : مالك يا إبن مروان ؟ ماذا دهاك ؟ فانتحب وأنشأ يقول :
تفكرتُ في حشري ويومِ قيامتي .....وإصباحِ خدي في المقابرِ ثاويا
فريداً وحيـداً بعد عزٍ ومنعةٍ .....رهيناً بجرمي والتراب وساديا
تفكرتُ في طولِ الحسابِ وعرضه.....وذلِّ مقامي حين أُعطى كتابيا
ولكن رجائي فيك ربي وخالقي..... بأنك تعفو يا إلهى مساويا
فبكوا جميعاً ثم دعوا له بالمغفرة والرحمة وانصرفوا.