عزيزتي الام: علمي أولادك قيمة تقدير وإحترام الوقتمَن منّا يستطيع أن ينكر أنّ هناك ثروات مهمة وطاقات لا يُستهان بها تهدر وتذهب سدى في مجتمعاتنا لا لسبب إلا لعدم تقدير أبنائها لعامل الوقت
وحتى نتلافى هذا يتوجّب أن ننشئ أجيالنا المستقبلية على إدراك قيمة الزمن والوعي بخطورته ذلك لأنّ الحرب الطويلة التي ننتظرها غداً هي حرب ضدّ الوقت
إنّ مسألة إكساب الطفل هذا الوعي بالزمن لا يمكن أن تؤتي أكلها إلا إذا شاركت الأسرة المدرسة وسهرت على بناء هذا الجانب العام الذي يعتبر أساساً مهمّاً في بناء المجتمع، وخصوصاً في مجتمعاتنا النامية التي ما أحوجها إلى (تربية وقتية) تجعل الفرد يدرك أنّ الوقت رأسمال وجب إستغلاله وترشيده ترشيداً حسناً.
وإذا كان عصرنا يشهد الآن ثورة في ميدان الزمن، إن صحّ هذا التعبير، وإذا كان الوقت قد أصبح بهذه القيمة، فما العمل بالنسبة إلينا، نحن شعوب العالم الثالث؟ هل يلزمنا الخضوع لهذه الوتيرة السريعة التي تلفّ العالم الآن؟ أم يتوجّب علينا السير وفقاً لخطط وقتية تقليدية وحاجياتنا وإمكاناتنا تنبع من ظروفنا؟ أم نبحث بدلاً من هذا وذاك عن خطة ثالثة توفيقية؟
لن أجيب عن هذا التساؤل لأنِّي بدوري أطرحه على المهتمين والباحثين في شؤون المجتمعات وتطوراتها وحركياتها، ولكن كيفما كان الحال، فإنّه لابدّ لنا أوّلاً وقبل كل شيء من أن نهتم بعنصر الوقت وأن ننشئ أبناءنا على الوعي به وبقيمته.
هنا إذاً يبرز دور التربية الوقتية التي نقصد بها تلك العملية التي تقوم على إكساب الفرد وعياً بالزمن وبأهميّته، وذلك بتلقينه الوسائل النظرية والعملية الكافية لتنظيم أوقاته وتصريفها تصريفاً إيجابياً وفق أهداف وغايات تحدِّدها فلسفة المجتمع وتخطيطه التنموي، وذلك حتى يكون مهيّأ لإستقبال ظروف مجتمعه والمساهمة في حل مشاكله أو على الأقل المساهمة في بحثها ودراستها. وحتى يقدر هذا الفرد وقته، علينا أن نضبط أوقاته منذ نعومة أظفاره ونسهر على هذه العملية بكامل المسؤولية: إحترام أوقات الأكل والنوم والوقت الحر (لعب، مطالعة، فسح)، وقت الدراسة، المواعيد... إلخ. إضافة إلى هذا، هناك محاولة الإستفادة من الوسائل التي تستجد في عالم التكنولوجيا والتي تعينه على التعلُّم الذاتي والبحث عن المعلومات من خلال الإستعانة – مثلاً – بالوسائط متعددة الإتصال: كمبيوتر، إنترنت... إلخ، وذلك حتى يتمكّن من مسايرة تضخم المعلومات وتراكم المعارف بسرعة أكثر.
إدراك قيمة الزمن والوعي بخطورتهوإذا كنّا نعيش بالفعل في عصر تسيطر فيه التكنولوجيا وآلياتها التي تجتاح بيوتنا لتتعايش مع عاداتنا وتقاليدنا جنباً إلى جنب، إن لم نقل إنّها اصبحت تقضي على بعضها لتحل محلها، فما أحوجنا في هذا الظرف إلى خطة ومنهج يتعلقان بترشيد هذه العملة التي هي الوقت. ولا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في حياتنا اليوم، خصوصاً كعامل من عوامل النمو والتطور. ولكن من جهة أخرى، يجب ألا يغيب عن أذهاننا أنّه لا يمكن لهذه الوسائل أن تؤدِّي دورها إلا بوساطة عقلية – ذهنية تحسب للزمن حساباً وتقدِّره تقديراً، إذ من دون هذه العقلية لا يمكن أن ننتظر النتائج المرجوّة ولو كنا نملك ما نملك من القدرات العلمية والتكنولوجية المتطورة. فَمَن منّا يستطيع أن ينكر أنّ هناك ثروات مهمة وطاقات لا يُستهان بها تهدر وتذهب سدى في مجتمعاتنا لا لسبب إلا لعدم تقدير أبنائها لعامل الوقت. وحتى نتلافى هذا، يتوجّب أن ننشئ أجيالنا المستقبلية على إدراك قيمة الزمن والوعي بخطورته، ذلك لأنّ الحرب الطويلة التي ننتظرها غداً هي حرب ضدّ الوقت.