العمارة الإسلامية في مصر في العصر العثماني.
لما قضي العثمانيون علي دولة المماليك سنة (923 هـ - 1517 م) فقدت البلاد إستقلالها و نقل منها و رحل عنها كثير من مهرة الصناع فيها و قل نشاط من بقي فيها من الفنيين و أصبح العصر التركي في مصر عصر ركود فني كما كان عصر ركود سياسي، ففقدت مصر أهميتها و اصبحت ولاية تركية، و شوهد عدة أسبلة و كتاتيب بعضها متصل بالمسجد و البعض الآخر منفصل عنه، كما أن القبة استعملت علي نطاق أوسع فأصبحت تغطي رواق الصلاة كله بعد أن كانت تغطي جزءاً منه فقط. و أثرت حضارة الأتراك السلاجقة تأثيراً عميقاً في الحضارة الإسلامية و قد أخذ الأتراك العثمانيون عن السلاجقة كثير من العناصر المعمارية منها:
1-المقرنصات و الدلايات المستقيمة المميزة لعمارتهم و التي تختلف عن الأخري المدببة التي كانت في كل من مصر و سوريا.
2-الأبواب المتداخلة العميقة و الموضوعة داخل إطار مزخرف بزخارف بارزة.
3-الزخرفة بإستخدام الخزف بكل حرية و اتي تملأ في بعض الأحيان جميع أجزاء المسجد.
و ينسب للقرن السابع عشر عدة بيوت إسلامية أهمها :
1- بيت الكريدلية (1631 م)
و هو منزل محمد بن الحاج سالم الجزار و يعرف ببيت الكريدلية و يقع بجوار مسجد ابن طولون
البيت ملحق به سبيل لسقاية الناس وهو ما يندر وجوده فى عمارة البيوت فالسبيل دائما كان ملحقا بعمارة دينية: مسجد أو زاوية أو رباط وفى أحيان قليلة بعمارة مدينة مثل شاهد أو مدفن أما أن يكون ملحقا ببيت فهذا نادر جدا .
2- منزل جمال الدين الذهبي (1637 م)
بحارة خـو شـقدم بالغورية أنشأه جمال الدين الذهـبى كبير التجار بمصر سنة 1047هـ ( 1637م) ويدل تخطيطه وتناسق أجزائه على براعة مهندس فقد راعى ان تحيط جميع غرفه بالحوش الذى توجد بوسطه الآن فسقية من الرخام ليستمتع سكانه فى كل فصل من فصول السنة بمزاياه الخاصة
3- بيت السناري (1209 هـ - 1794 م)
هو منزل ابراهيم كتخدا السناري و يقع بحارة منج بالسيدة زينب
وتكمن أهمية بيت السناري فـي انــه يحمل بين جدراته وأسقفه جماليات الفن المعماري الزخرفي، مما يجعله تحفة نادرة في شكل بيت أثري , كمـاانـه نموذج مكتمل التكـوين، بدليل مـا يظـهر فـي عمارته الفريدة بوجود المشربيـات الرائـعة المطلة بواجـهتها على الشــارع الرئيسي.
المدخل الرئيسي للمنزل الذي يعلوه مشربيه كبيره من خشب الخرط و يفضي هذا الباب المربع ذو الضرفه الواحده الي هذا المنزل عبر مدخل منكسر يفتح عليه باب علي اليمين يفتح علي قــاعه ارضيه مخصصه للاستقبال و هي ذات سقف من عقود متقاطعه, اما الضلع الجنوبي فيشغل الطابق الارضي منه تختبوش (عباره عن مساحه مستطيله مغطاه بسقف خشبي به زخارف ملونه يرتكز علي عمود رخامي).
وبالضلع الجنوبي الغربي خزانتان حائطيتان و التختبوش عباره عن مكان مخصص لاستقبال العامه من الزوار, والي اليسار من هذه الواجهه اي فــي الزاويه الجنوبيه الغــربيه للفنــاء تقوم كتله مدخل المقعد التي هي عباره عن باب مربع يتقدمه 6 درجات دائريه توصل اليــه ويعلوه عتب مستقيم عليه 3 دوائر في الوسطي منــها زخــارف نجميه وعلي ر جانبيها حفر في الدائرتين الاخرتين علي هيئه اشكال اوراق نباتيه بارزه .
4- بيت السحيمي (1058 هـ - 1211 هـ) (1648 م – 1796 م)
و هو منزل الشيخ عبد الوهاب الطبلاوي و يقع بشارع الدرب الأصفر بقسم الجمالية.
يتكون بيت السحيمى من قسمين: قسم جنوبى (قبلى) أنشأوه الشيخ عبد الوهاب الطبلاوى سنة 1648 م/1058 هـ وقسم شمالى (بحرى) وأنشأوه الحاج اسماعيل شلبى 1796 م/1211هـ.
وربطه بالقسم الأول وجعل منهما بيتاً واحداً وسمى هذا البيت بيت السحيمى نسبة إلى آخر مالك له وهو السيد محمد أمين السحيمى شيخ رواق الأتراك بالجامع الازهر والذى توفى سنة 1928 م.
ويمكن الدخول للبيت عن طريق مجاز وظيفته حجب رؤية من بداخل البيت بالنسبة للخارج.
من أهم المساجد التي ظهرت في العصر التركي ما يلي:
1- مسجد سليمان باشا بالقلعة 935 هجرية = 1528 م.
يقع هذا المسجد داخل قلعة صلاح الدين أنشأه سليمان باشا الخادم أحد الولاة العثمانيين على مصر سنة 935 هجرية = 1528/ 29م على أنقاض مسجد قديم كان قد شيده فى سنة 535 هجرية = 1141م فى هذا المكان قبل بناء القلعة أبو منصور قسطه والى الإسكندرية فى زمن الفاطميين, ومسجد سليمان باشا يعتبر أول المساجد التى أنشئت بمصر على الطراز العثمانى فالجزء المسقوف منه مغطى بقبة فى الوسط تحيط بها أنصاف قباب حليت جميعها بنقوش ملونة جميلة تتخللها كتابات منوعة .
ويكسو حوائطه من أسفل وزرة من الرخام تنتهى بطراز مكتوب به بالخط الكوفى المزهر آيات قرآنية وبوسط جداره الشرقى محراب رخامى، وللمسجد منبر من الرخام الأبيض المحلى بزخارف محفورة فيه وبالجدار الغربى باب يؤدى إلى صحن مكشوف فرشت أرضيته بالرخام الملون وأحيط بأربعة أروقة تغطيها قباب محمولة على عقود ترتكز عليها أكتاف بنائه، ويكسو حائط الرواق الشرقى منها وزرة من الرخام الملون، وقد ألحق بالصحن من الجهة الغربية قبة صغيرة بها عدة قبور عليها تراكيب رخامية ذات شواهد تنتهى بنماذج مختلفة لأغطية الرأس التى كانت منتشرة فى ذلك العصر.
2- مسجد المحمودية بميدان صلاح الدين (979 هـ - 1568 م)
يقع هذا المسجد أمام باب العزبة بالقلعة و شرقي مسجد السلطان حسن و قبلي مدرسة قاني باي الرماح، أنشأه "محمود باشا" و هذا المسجد يصعد إليه ببضع درجات.
و تصميم المسجد علي شكل تخطيط مربع عبارة عن قاعة كبيرة تتوسطها أربعة أعمدة كبيرة من الجرانيت و تحمل منوراً كبيراً مرتفعاً عن السقف، و علي كوابيل حجرية عوراض خشبية تحمل السقوف حوله و هي مذهبة و ملونة، و في جدار المحراب باب يوصل إلي قاعة الضريح الملحقة بالمسجد و يعلوها قبة و هذا الضريح بارز عن حائط المسجد الخارجي، و مئذنة هذا المسجد من النوع البسيط شأن المآذن التركية في أول أمرها.
وهى تقوم على قاعدة أسطوانية مثلها تقع بالناصية الشرقية الجنوبية للمسجد كنظيرتها بمسجد السلطان حسن, وتخطيطه عبارة عن حيز مربع طول ضلعه 19.80 متر تتوسطه أربعة أعمدة ضخمة من الجرانيت ترتكز عليها أربعة عقود تحمل سقف الجزء الأوسط من المسجد المرتفع عن باقى سقفه, ويتوسط الجدار الشرقى محراب حجرى بجواره منبر خشبى وإلى يساره باب يؤدى إلى مربع صغير بارز عن سمت جدار المحراب تغطيه قبة مرتفعة ووقوع القبة خلف المحراب ظاهرة اقتبست من مثيلتها بمسجد السلطان حسن أيضا.
وجميع أسقف المسجد من الخشب المنقوش بزخارف جميلة ملونة ومذهبة ويحيط بها إزار مكتوب به آيات قرآنية واسم المنشئ وتاريخ الإنشاء سنة 975 هجرية, هذا ويحلى جدران المسجد من الداخل شبابيك من الجص المفرغ المملوء بالزجاج الملون.
3- مسجد سنان باشا ببولاق (1574 م)
يقع هذا المسجد بشارع جامع السنانية و ينسب لـ "سنان باشا"
و يتكون هذا المسجد من مربع كبير تعلوه قبة منخفضة علي الطراز البيزنطي و يحيطه من ثلاث جوانب عدا حائط القبلة دهليز معقود و مقسم إلي بلاطات مربعة مغطاه بقباب صغيرة، و النوافذ بالواجهة مكونة من صف واحد فقط , و المئذنة تنتهي بمخروط مدبب يشبه نهاية القلم الرصاص و هو من طراز المآذن التركية, والقبة مبنية من الحجر من الداخل والطوب من الخارج، وهى محمولة فى كل ركن من أركانها بواسطة عقد كبير بداخله طاقية مقرنصة كتب بها لفظ الجلالة - الله - ويحلى رقبتها شبابيك من الجص المفرغ بالزجاج الملون، ويحيط بها شرفة لها درابزين خشبى تطل على المسجد، ويتوسط جدار القبلة محراب مكسو بالرخام الملون وبجانبه منبر خشبى، ويعلو الباب الغربى قبالة المحراب دكة المبلغ يتوصل إليها وإلى الشرفة بسلم فى داخل سمك الحائط. أما من الخارج فقد فتح برقبة القبة شبابيك بينها دعامات مضلعة تنتهى بأنصاف قباب مضلعة أيضا.
وتكوير القبة تسوده البساطة، وهو مغطى بطبقة من البياض. وقد استعملت القبة كما هو الشأن فى المساجد العثمانية بمصر لتغطى المسجد نفسه، بعد أن كان استعمالها قاصرا على تغطية الأضرحة الملحقة بالمساجد فقط، أو لتغطية الجزء الواقع أمام المحراب. وسنرى فيما بعد أن محمد بك أبو الذهب قد قبس تخطيط مسجده الذى أنشأه فى مواجهة الجامع الأزهر محاكيا طراز هذا المسجد فيما عدا منارته.
4- مسجد الملكة صفية بشارع محمد علي (1610 م)
الملكة صفية هي زوجة السلطان مراد الثالث و أصلها من البندقية (فينيسيا).
و المسجد مرتفع عن منسوب الشارع بنحو أربعة أمتار، و المدخل يؤدي إلي صحن مكشوف يحيطه من أربع جهاته دهليز مقسم إلي مساحات مربعة تعلو كل منها قبة منخفضة كما أن الواجهة المطلة علي الصحن تتكون من عقود محمولة علي أعمدة بيزنطية, و الصحن يؤدي إلي قاعة الصلاة و تتوسطها قبة مسدسة الشكل و هي مقامة فوق ستة عقود مدببة محمولة علي أعمدة قديمة، وبالحائط الشرقية لهذا الصحن ثلاث أبواب، أهمها الأوسط منها، ثبت فوقه لوحة تذكارية كتب بها أن هذا الجامع أنشأته والدة السلطان محمد خان على يد إسماعيل أغا ناظر الوقف سنة 1019 هجرية, وتؤدى هذه الأبواب الثلاثة إلى حيز مربع يبرز من جانبه الشرقى دخلة القبلة بصدرها المحراب وإلى جواره منبر رخامى، ويغطى هذا المربع قبة كبيرة فى الوسط تحيط بها قباب صغيرة محمولة على عقود حجرية ترتكز على ستة أعمدة من الجرانيت .
ويحيط بدائر رقبة القبة الكبيرة شرفة لها درابزين من الخشب الخرط، وفتح بها شبابيك من الجص المفرغ المحلى بالزجاج الملون. وتقع دكة المبلغ فوق الباب الأوسط فى مواجهة المحراب، وهى محمولة على عمودين من الرخام ولها درابزين من الخشب الخرط. وقد بنى المسجد مرتفعا عن مستوى الطريق، ووجهاته تسودها البساطة التامة، وأمام كل باب من أبوابه سلم دائرى ضخم، ومنارته على الطراز العثمانى وهى أسطوانية ولها دورة واحدة وتنتهى بمسلة مخروطية.
5- مسجد البرديني بشارع الداودية (1025- 1038 هـ - 1616-1629 م)
المسجد مبني من الحجر و تصميمه عبارة عن قاعة صغيرة قد كسيت جدرانها بوزرة من الرخام الدقيق المتنوع الألوان، و المحراب من الرخام، و النوافذ من الجص المحلي بزجاج ملون، و بجوار المحراب منبر صغير مطعم بالصدف و السن. و توجد بالجهة الغربية دكة المبلغ و لها درابزين من خشب الخرط الجميل، و سقف المسجد محلي بنقوش مذهبة.
أما المئذنة فتقع علي يسار المدخل و هي مكونة من ثلاثة أدوار مملوئة بالكتابات و النقوش بخلاف المآذن التركية التي تسودها البساطة، و بالرغم من أن المسجد من منشئات العصر التركي إلا أنه جمع محاسن العمارة في أيام دولة المماليك الجراكسة. وهو على صغره قد حوى من بدائع الفن الشىء الكثير فمحرابه المكسو بالرخام الملون الجميل ووزرته الرخامية التى تكسو جدرانه وما يعلوها من شبابيك جصية محلاة بالزجاج الملون جميعها تنطق بالتناسق والدقة والإبداع، أما سقفه الخشبى فيعتبر بنقوشه المذهبة من أجمل أسقف المساجد الأثرية وأروعها، هذا وتتمثل فى منبره الصغير وفى درابزين دكة المبلغ دقة صناعة النجارة.
والمسجد لا يعدو أن يكون قاعة مستطيلة 10 فى 6.70 متر عدا دخلتين أحدهما بالجانب البحرى والثانية فى مؤخرة المسجد وتكسو جدرانه بارتفاع ثلاثة أمتار من الجانبين وبكامل ارتفاع جدار القبلة ووزرة من الرخام المختلف الألوان يعلوها شبابيك من الجص المفرغ بأشكال زخرفية دقيقة محلاة بالزجاج الملون وبصدر جدار القبلة محراب رخامى دقيق وإلى جانبه منبر خشبى يعتبر من أصغر المنابر وأدقها صنعا إذ تحصر تقاسيمه الهندسية حشوات مطعمة بالسن والصدف والزرنشان تتخللها قطع من الباغة الملصوق خلفها ورق من الذهب وقد جدد هذا المنبر فى سنة 1307 هجرية = 1889/ 90م.
وفى مؤخرة المسجد تقوم دكة المبلغ محمولة على عمود من الرخام ولها درابزين من القشر البلدى والخرط المنوع الأشكال. أما السقف فمقسم إلى مربوعات وطبال زينت بنقوش مذهبة جميلة ويحيط بدائره إزار مكتوب به آيات قرآنية واسم المنشئ وتاريخ الإنشاء.
6- زاوية عبد الرحمن كتخدا بالمغربلين (1142 هـ - 1729 م)
يقع هذا الأثر بشارع المغربلين بحوار جامع جنبك، أنشأها الأمير عبد الرحمن كتخدا، و الكتخدا كان وكيل الباشا ممثل السلطان في مصر ينوب عنه في كامل إختصاصاته.
و يعتبر هذا الأثر من أجمل آثار عبد الرحمن كتخدا بمدينة القاهرة فواجهته من الحجر و تمتاز بالزخارف الجميلة منحوتة نحتاً متقناً.
و يتكون هذا البناء من طابقين إذ يحتوي الطابق الأارضي منه علي ثلاثة حوانيت تشرف علي الشارع و توجد خلفها من الداخل حنفيات للوضوء يصل إليها الإنسان من مدخل الزاوية، أما الطابق العلوي فيحتوي علي قاعة كبيرة للصلاة يصعد إليها بدرج و لها ثلاث نوافذ مستطيلة كبيرة تطل علي الطريق و عليها خشب خرط علي شكل تربيعات صغيرة من نوع المشربيات.
و السقف مكون من كمرات من الخشب مزخرف بزخارف ملونة، و الدرج يصل إلي ردهة تتقدم المصلي و يواجهها باب يصل إلي سلم صغير يصل الإنسان منه إلي شرفة صغيرة تقع مدخل الزاوية، و تحمل هذه الشرفة من الخارج عدة صفوف أفقية من المقرنصات الجميلة و هي تقوم مقام المئذنة في لدعوة للصلاة.
و مدخل الزاوية يعلوه عقد مدبب ذو صفين يتكون من صنجات صغيرة متقاربة و يغطي المدخل عتب يعلوه منطقة محصورة بين العتب و العقد العاتق مغطاه ببلاطات القيشاني الملون ومزخرفة بزخارف نباتية ملونة من صناعة آسيا الصغري.
و العقد الكبير المحيط بالمدخل مرتكز علي عمودين من الرخام من نوع الأعمدة الدورية، و فتحات النوافذ الثلاثة المستطيلة الشكل المطلة علي الشارع يحيط بها عقود ذات فصوص و ترتكز علي أعمدة متصلة بالحائط،و لها تيجان علي شكل المقرنص، أما بدن الأعمدة فمقسم إلي جزئين العلوي منها مجدول حلزونياً و السفلي مزخرف بزخارف نباتية جميلة و مجموعة الثلاثة عقود ذوات الفصوص محاطة بإطار مستطيل.
يتبع ... يتبع