( حياته ونشأته:ـ)
حندج بن حجر من قبيلة كندة اليمانية إما امرؤ ألقيس هو الاسم الذي عرف واشتهر به,فهو لقب لًقب به ويعني الرجل الشديد. ولد امرؤ ألقيس في نجد حوالي سنه 500م،ونشأ في أسرة ملك وسيادة وترف, فقد كان والده حجر ملكا على بني أسد وغطفان, ودام ملكه ما يقارب ستين عاماً.
كان أصغر إخوته وعاش في كنف والده الملك, كما عاش أبناء الملوك في ذلك الزمان ، وتعلم الفروسية ووسائل النجدة والشجاعة, وكان كثير التردد على أخواله في بني تغلب , فتعلم الشعر من خاله الشاعر المشهورالمهلهل , الذي كان على اطلاع ومعرفة بذكائه وتوقد ذهنه وطلاقه لسانه.
تمكن من قول الشعر وهو في عنفوان الشباب, وميعه الصبا, وأكثر من التغزل في فتيات بني أسد والتشبيب بهن, مما أدى إلى إغضاب والده الذي زجره، ولكنه لم يزدجر, وإنما واصل قول الشعر فيما يغضب والده الملك، الأمر الذي أدى إلى طرده وخروجه من كنف والده ورعايته, فالتفت حوله زمرة من الصعاليك , والشذاذ, واللصوص, وكان يغير على إحياء العرب ويسطون على ممتلكاتهم، ثم يتقاسمون الغنائم فيما بينهم ويشربون الخمر ويلعبون النرد وينشدون الشعر ويتغنون القيان.
ولكن الصفاء لا يدوم والفرح لا يستمر والزمان لا يؤمن جانبه، فينما كان غارقاً في اللذات كعادته يعاقر الخمر ويلعب النرد جاءه الخبر بمقتل والده على يد بعض رجال بني أسد، فقال قولته المشهورة التي حفظها الزمان في ذاكرته وهي"ضيعني أبي صغيرا, وحملني دمه كبيرا,ولا صحو اليوم ولا سكر غدا ،اليوم خمر وغدا أمر".
نعم لقد ودع امرؤ ألقيس ذلك اليوم اللهو و والترف، وبدا بالاستعداد للأخذ بالثار واسترجاع الملك الضائع وقد حرضه على ذلك بنو تغلب وبكر, وأصاب ثارة من قاتل أبيه.
لقد واصل امرؤ ألقيس رحله التشرد في الحياة طلبا لمزيد من الثار وانتهى به المطاف في القسطنطينية طالبا من القيصر جوستنياس المساعدة لأدراك هدفه ولكن جهوده لم تتكلل بالنجاح, فعاد من عاصمة الروم يائسا, وعندما وصل مدينه أنقرة تفشى في جسده الجدري , فسبب له القروح التي أودت بحياته, ولما بلغ خير وفاته امر القيصر ملك القسطنطينية بنحت له تمثال وان ينصب على ضريحه.
(شعره)
نشأ امرؤ ألقيس منذ صغره وفي أعماقه شاعرية فياضة, تسندها عاطفة شديدة الانفعال, وظروف بيئيه أسهمت في تغذية هذه الشاعرية وتعميق مجراها. لقد عاش امرؤ ألقيس موزعا بين فترتين مختلفتين، صنعت كل واحدة منها شاعرا متميزاً، فقبل مقتل والده كان ذلك الشاعر اللاهي العابث الذي انطلق مع المتع والشراب والغزل دون حدود أو ضوابط، ولكن مقتل والده قلبَ حياته رأسا على عقب, فادى إلى انهيار الماضي اللاهي الذي كان مسكوناً به، ليحل مكانه حاضر جديد صنع منه شاعر العزم والبأس والثبات والصبر على الشدائد.
نعم لقد أمسى خمراً إما حاضره ومستقبله بعد مقتل والده الملك فقد أصبح امرأ وحربا وأخذا للثار فجاء شعره في المرحلة الثانية من عمره متسماً بصبغه الثورة والشدة.
وكما جاء شعره صدى لنوعين من الحياة: حياة اللهو والترف والعبث و حياة الجد والعزم والثأر فقد جاء شعره صدى لنوعين من البيئة: بيئة البداوة التي أكسبت شعره مسحه القوة والصفاء, وبيئة الحضارة التي منحت شعره سمه الرقة واللين.
لقد قال الشعر في كل ما يحتاج إليه الشاب المترف العابث الماجن,وقال في الخمر والنساء وفي كل أنواع المتع الجسدية وقال في وصف الطبيعة في كل مظاهرها وصنوفها ، وقال الشعر في الحرب والثار والتهديد واستنهاض الهمم والعزائم.
قال كل ذلك بألفاظ جمعت بين خشونة البادية ورقة الحاضر وبموسيقى شعرية جذابة امتزج فيها رنين الحزن ولوعه الحنين ، مع اندفاع الشباب وطيش اللهو وبعاطفة جارفة جمعت بين نجوى الوجدان ونبض الفؤاد. ولذلك كانت إحدى قصائده ضمن المعلقات الشعرية التي كتبها العرب في جاهليتهم بماء الذهب وعلقوها على أستار الكعبة وهي ألقصيده التي مطلعها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
(ومن معلقاته)
قال يرثي إخوته :
ألا يا عــين جودي لي شنيناً ........... وبكي للمـلوك الذاهـبينا
ملوك من بني صخر بن عمرو ............ يقادون العــشية يقتلونا
فلم تغسل رءوسهم بســدرٍ ............... ولكن في الدماء مزمَّلينا
فلو في يوم معركة أصيبوا .............. ولكن في ديار بني مرينا
(من قصائده الشهيرة)
جزعتُ ولم أجزع من البين مجزعاً
جزعتُ ولم أجزع من البينمجزعاً
وَعزَّيْتُ قلْباً باكَوَاعِبِمُولَعا
وَأصْبَحْتُ وَدَّعْتُ الصِّباغَيْرَ أنّني
أراقب خلات من العيش أربعا
فَمِنْهُنَّ: قَوْلي للنَّدَامىتَرَفَّقُوا،
يداجون نشاجاً من الخمر مترعاً
وَمنهُنَّ: رَكْضُ الخَيْلِتَرْجُمُ بِالقَنا
يُبادُرْنَ سِرْباً آمِناً أنْيُفَزَّعا
وَمنْهُنَّ: نَصُّ العِيسِواللّيلُ شامِلٌ
تَيَممَّ مجْهُولاً مِنَالأرْضِ بَلْقَعا
خَوَارِجُ مِنْ بَرِّيّة ٍنَحْوَ قَرْيَة ٍ،
يجددن وصلاً أو يقربنَ مطمعا
وَمِنْهُنَّ: سوْقي الخَوْدَقَد بَلّها النَّدى
تُرَاقِبُ مَنْظُومَالتَّمائِمِ، مُرْضَعا
تعز عليها ريبتيويسوؤها
بكاهُ فتثني الجيدَ أن يتضوعا
بَعَثْتُ إلَيْها، وَالنُّجُومُطَوَالعٌ،
حذاراً عليها أن تقوم فتسمعا
فجاءت قطوف المشي هيابة َالسّرى
يدافع رُكناها كواعَب أربعا
يُزَجِّينَها مَشْيَ النَّزِيفِوَقدْ جَرَى
صبابُ الكرى في مخها فتقطعا
تَقُولُ وَقَدْ جَرَّدْتُهامِنْ ثِيابِها
كَما رُعتَ مَكحولَ المَدامِعِأتْلعا:
وجدكَ لو شيءٌ أتانارسوله
سواكَ ولكن لم نجد لك مدفعا
فَبِتْنا تَصُدّ الوَحْشُ عَنّاكَأنّنا
قتيلان لم يعلم لنا الناسُمصرعا
تجافى عن المأثور بينيوبينها
وتدني علي السابريَّ المضلعا
إذا أخذتها هزة ُ الروعأمسكت
بِمَنْكِبِ مِقْدَامٍ علىالهَوْلِ أرْوَعا
(موته)
في روايات كثير تذكر بأن امرؤ القيس قد تغزل و تحرّش بزوجة الملك الغساني , فلما علم هذا الملك بالامر
غضب كثيرا ودبّر له خطة يقتله فيها دون أن يطلب أحد دمه أويثأر له , فكانت عبارة عن بردة ( وشاح ) مطرزة بالذهب مطلية من الداخل بسُم قاتل أهداها إياه , وطبعا امرؤ القيس لم يكن يعلم بأمر هذه البردة فقبل الهدية كونها من ملك إلى ملك ولبسها عائدا بها الى دياره و ملكه .
وقتها بدأ السم ينتشر في جسده وهو في الطريق الى دياره وبدأ جلده يتقشر حتى أنه سمي بعد وفاته ( بذي القروح) , عانى منها كثيرا وكان يتالم منها ألما كبيرا ولم يعلم بأمر هذا البردة المسمومة الا عند رجل رآه في الصحراء بعد ان هجره رفاقه و قومه العائدين معه , وحاول هذا الرجل نجدته ومداواته لكن قد فات الاوان على ذلك فقد بلغ منه السم مبلغا كبيرا .
جلس معه هذا الرجل في الصحراء المقفرة لا يستطيع ان يقدم له شيئا , وقبل ايام من وفاته طلب امرؤالقيس من هذا الرجل ان يقبره في مكان مأهول وغير موحش , فأخذه هذا الرجل عند جبل يقال له ( عسيب ) قبرت بجانبه فتاة فقال امرؤ القيس هذين البيتين وكانا آخر ما قاله الشاعر امرؤ القيس قبل وفاته .
أيا جارتا انا ههنا غريبان وكل غريبٍ للغريب نسيبُ
أيا جارتا إن المزار قريب وإني مقيمٌ ما أقام عسيبُ*