العناصر الرئيسية للموضوع :
1)بيان أن الابتلاء سنة إلهية . 2)توضيح الفرق بين المؤمن وغيره في مواجهة الابتلاء .
3) موقف الإسلام من ظاهرة الانكسار النفسي أمام الابتلاء .
4) مفاهيم خاطئة لأحاديث نبوية صحيحة .
5) المبشرات النبوية في مواجهة المثبطات الشيطانية .
عرض الموضوع
1) تقوم سنة الله تعالي في المخلوقات علي أساس الابتلاء ، لمعرفة الصادق منهم من الكاذب ، والخبيث من الطيب وفي القرآن الكريم إشارات عدة في هذا المعني .
يقول الله تعالي Sad أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت:2) .
ويقول سبحانه Sad وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِين)(محمد: من الآية31) .
ويقول عز من قائل : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّب)(آل عمران: من الآية179) .
والآيات في هذا المعني كثيرة .
وتفيد السنة أن درجة الابتلاء تزيد مع زيادة إيمان الشخص ، فمن زاد إيمانه زاد بلاؤه ، ففي الحديث الذي أخرجه الترمذى وأبن ماجة عن مصعب بن سعد عن أبيه قال : قلت يا رسول الله : أي الناس أشد بلاء ؟ قال : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، فيبتلي الرجل علي حسب دينه ، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه ، وإن كان في دينه رقة ابتلي علي حسب دينه ... الحديث .
2) وبالنظر في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نري أن الإيمان بالله تعالي يجعل أصحابه أقدر علي مواجهة الابتلاءات دون جزع أو يأس ، ففي القرآن الكريم يقول الله تعالي Sad وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) (البقرة 155 :157) .
بينما ينعى القرآن الكريم علي طوائف أخري لم تأخذ حظها من الإيمان كاملاً ، فإذا بالبلاء يقصم ظهورها ، ويتسرب اليأس إلي نفوس أصحابها ، وفي هذا يقول ربنا Sad وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُورٌ) (هود:9) .
ويقول سبحانه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) (الحج:11) وفي الدلالة علي الفرق بين المؤمن والكافر – إلي جانب الآيات القرآنية – تشير السنة إلي ذلك ، ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – عن الرسول . قال : [ مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع ، من حيث أتتها الريح كفأتها ، فإذا اعتدلت تكفأ بالبلاء ، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء ] ومثله – في الدلالة علي هذا أيضاً – حديث مسلم عن صهيب الرومي : عجباً لأمر المؤمن ، إن أمره كله خير ( وليس ذلك لأحد إلا المؤمن ) إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له .
وهكذا نجد أن الإيمان يعصم صاحبه من الانكسار والهزيمة واليأس أمام أنواع البلاء ، طمعاً في ثواب الله تعالي وثقة بأن الشدة يعقبها الفرج ، والعسر يتلوه اليسر .
3) وقد أشار القرآن الكريم إلي خطورة الانكسار النفسي أمام الابتلاء ، وبين أن أصحاب هذه الصفات ليسوا بمؤمنين حتماً ، ففي سورة يوسف يقول ربنا : ( إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ)(يوسف: من الآية87) ، ويقول تعالي في سورة الحجر Sad قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) (الحجر:56) .
4) وسواء كان الابتلاء علي مستوي الفرد أم علي مستوي المجموع فإن الإسلام يقاوم روح الانهزامية ، ويأبى الاستسلام لليأس ، ويدفع أصحابه إلي التفاؤل لا إلي التشاؤم ( فإن مع العسر يسراً ، إن مع العسر يسراً ) والعسر هنا معرفة فيكون اللفظ المكرر هو عينة الأول ، بينما لفظ اليسر نكرة ، فيكون الثاني غير الأول ،ولن يغلب عسر يسرين وفي الحديث الذي أخرجه البخاري وغيره عن خباب بن الأرت – رضي الله عنه – قال : شكونا إلي رسول الله . وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا : ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو لنا ؟ فقال : [ قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، فيجعل فيها ، فيجاء بالمنشار فيوضع علي رأسه ، فيجعل نصفين ، ويمشط بأمشاط الحديد مادون لحمه وعظمه ، فما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلي حضر موت ، لا يخاف إلا الله والذئب علي غنمه ، ولكنكم تستعجلون ] ( أخلاق الدعاة ) .
5) ومن عجيب الأمر أن بعض من أصيبوا بالانكسار النفسي أمام موجات البلاء المتلاحقة التي أحاطت بالأمة الإسلامية يبررون مواقفهم هذه بأحاديث نبوية ، فهموها علي غير وجهها ، أو وضعوها في غير موضعها ، ومن ذلك قوله . فيما رواه مسلم:[بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ] . وقوله فيما رواه أبو داود وأحمد : [ يوشك الأمم أن تداعي عليكم كما تداعي الأكلة إلي قصعتها ، فقال قائل : أو من قلة نحن يومئذ ؟ قال : بل أنتم يومئذ كثير ، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن .
فقال قائل : يا رسول الله ، وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا ، وكراهية الموت .
يتصور هؤلاء أن هذين الحديثين – وأمثالهما – يوحيان باليأس من أي عمل ، ونفض اليد من أي محاولة لإصلاح الفساد، أو معالجة الأخطاء .
ولا يتصور عاقل – مهما قلت درجة ثقافته – أن رسول الله . يقول مثل هذه الأحاديث ليثبط عزائم أمته ، أو يقعدهم عن واجب الأمر والنهي إذا لزم ذلك .
كيف يتفق هذا الفهم مع أن الرسول . وصحابته عاشوا غرباء – بنص الحديث – ومع ذلك جاهدوا وصبروا ، ولم يتخاذلوا .
وكيف يتفق هذا الفهم مع ما ورد في نهاية هذا الحديث في بعض الروايات : " فطوبى للغرباء " قيل : ومن الغرباء يا رسول الله ؟ قال : [ الذين يصلحون ما أفسد الناس من بعدي من سنتي ] .
ألا يفهم من له أدني عقل أن هذه دعوة صريحة لإصلاح ما يفسده الناس من منهج النبوة ، والاجتهاد في الأخذ بيد الشاردين لردهم إلي المنهج المستقيم ؟
وأما الحديث الثاني فهو اخبار عما سيئول إليه أمر الأمة في مستقبلها ، فيلفت النبي . نظر الأمة إلي السبب الرئيسي في الضعف حتى تحاول التغلب عليه ، والمعروف أن أول مراحل العلاج معرفة أسباب المرض . ( أخلاق الدعاة ) .
6) هذا ؛ ومن أهم أسباب تحصيل الثقة بالله تعالي في مواجهة دعاوى التثبيط والخذلان ما تمتليء به السنة المطهرة من أحاديث تبشر بأن الغد المشرق والمستقبل الواعد إنما هو للإسلام والمسلمين رغم شدة المحنة ، وقسوة الواقع ، ففي الحديث الذي أخرجه أبو داود : " أن الله يالظلم والطغيان لهذه الأمة علي رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها ".
هذا ما ورد في السنة بشأن معركة المسلمين مع اليهود وانتصار المسلمين فيها حتى ينطق الحجر والشجر نصرة لهم وما ورد من فتح روما بعد فتح القسطنطينية ، وما ورد بشأن الخلافة الراشدة التي تلي الملك العضوض والحكم الجبري .
وكلها أحاديث ثابتة نطق بها النبي . ، وهو لا ينطق عن الهوى .
فإذا أضفنا إلي ذلك إفلاس الحضارات المعاصرة في جلب السعادة للبشرية ، وأدركنا أن هذه الحضارات إلي زوال ، ويبقي دور المسلمين ليعمقوا صلتهم بالله الخالق ، فإذا حققوا ما طلبه الله منهم وفي الله لهم بما وعد ( ولينصرن الله من ينصره ) ، ومما قلته شعراً في هذا :
يا أخوة الإسلام لا تتخاذلوا وادعوا الإله ودونما إبطاء
وتعاونوا من أجل نصرة دينكم وحذار من داء الهوى وعداء
وثقوا بأن النصر آت إن غداً أو بعده ، والله خير رجاء
وتوقعوا للكفر شر نهاية فالله موهن كيدهم بفناء
ونهاية السوفييت كانت عبرة وغداً ترون مصارع الحلفاء
فالأرض أرض الله جل جلاله و مآلها بالإرث للصلحاء
اللهم أنصر الإسلام وأعز المسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، واجعلنا من عبادك المخلصين .