هذه مقتطفات من سيرة أشعر الشعراء الجاهليين وهو النابغة الذبياني:
النابغة الذبياني
توفي سنة 18قبل الهجرة - 604 للميلاد
نسبه وكنيته:
هو النابغة و إسمه زياد بن عمرو بن معاوية بن ضباب بن جابر يربوع جابر بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس بن عيلان بن مضر ويكنى أبا أمامة وقيل أنه إنما لقب بالنابغة لقوله :
وحلت في بني القين بن جسر..... فقد نبغت لهم منا شؤون
وقيل لقب النابغة لأنه كبر ولم يقل شعرا فنبغ فيه بغته وقيل :هو مشتق من نبغت الحمامة إذا تغنت , وحكى ابن ولاد أنه يقال : نبغ الماء ونبغ بالشعر كالمادة الماء النابغ قال أبن قتيبه (طبقات الشعراء) ونبغ بالشعر بعد ما أحتنك وأهلك قبل أن يهتر
طبقة في الشعراء :
وهو أحد فحول اهل الجاهلية عده ابن سلام في الطبقة الاولى قرنه بإمرئ القيس و الاعشى وزهير و تقدم الخلاف في أيهم أشعر وهو أحد الاشراف الذين غض الشعر منهم وهو أشحنهم ديباجة شعر و أكثر رونق كلام و أجزلهم بيتا كان شعره كلام ليس فيه تكلف
قال الاصمع : سألت بشارا عن أشعر الناس فقال أجمع أهل البصرة على تقدم أمرئ القيس و طرفة و أهل اهل الكوفة على بشر بن أبي خازم و الاعشى وأهل الحجاز على النابغو و زهير و أهل الشام على الاخطل وجرير و الفرزدق و تقدم ما فيه بعض مخالفة بحسب الاراء
أول نبوغه في الشعر :
روي عن الاصمعي أنه قال أول الناس ما تكلم به النابغة من الشعر أنه حضر مع عمه عند رجل وكان عمه يشاهد به الناس , ويخاف أن يكون عييا فوضع الرجل كأسا في يده وقال:
تطيب كؤوسنا لولا قذاها..... ويحتمل الجليس على أذاها
فقال النابغة وحمي لذلك :
قذاها أن صاحبها بخيل.......يحسب نفسه بكم اشتراها
وهذا يعارضه ما قيل إنما لقب النايغة لأنه كبر ولم يقل شعرا، وروي أن عمر رضي الله عنه قال: يا معشر غطفان من الذي يقول:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي ..... على خوف تظن بي الظنون
قالوا النابغة، قال: ذاك أشعر شعرائكم. وروي من وجه آخر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لجلسائه يوما: من أشعر الناس؟ قالوا: أنت أعلم يا امير المؤمنين، قالمن الذي يقول:
إلا سليمان إذ قال الإله له.....قم في البرية فاحددها عن الفند
وخيّس الجن إني قد أذنت لهم.....يبنون تدمر بالصفاخ والعمد
قالوا: النابغة، قال فمن الذي يقول:
أتيتك عاريا خلقا ثيابي
قالوا النابغة، قال: فمن الذي يقول:
حلفت فلم أترك لنفسك ريبة.....وليس وراء الله للمرء مذهب
لئن كنت قد بلغت عني خيانة....لمبلغك الواشي أغش وأكذب
ولست بمستبق أخا لا تلمه.....على شعث أي الرجال المهذب
قالوا النابغة، قال فهو أشعر العرب.
خبر هاجسه وشيء من سيرته:
واسم هاجس النابغة هاذر، قال رجل من أهل الشام في قصة تقدم بعضها في ترجمة امريء القيس مع جني اجتمع به فسأله من أشعر العرب فأنشأ يقول:
ذهب بن حجر بالقريض وقوله.....ولقد أجاد فما يعاب زياد
لله هاذر إذ يجود بقوله.....إن إبن ماهر بعدها لجواد
فقال له الشامي: من هاذر؟ قال: صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأضنّهم بشعره، فالعجب له كيف سلسل لأخني ذبيان، ولقد علَّم بنية لي قصيدة له فيه إلى أذمها ثم صرخ بها: أخرجي فدى لك من ولدت حواء، فقلت له: ما أنصفت أيها الشيخ، فقال: ما قلت بأسا، ثم رجعت إلى نافسي فعرفت ما أراد فسكت، ثم أنشدتني الجارية :
نأت بسعاد عنك نوى شطون......فبانت والفؤاد بها حزين
حتى أتت على قوله منها:
فألفيت الأمانة لم تخنها..... كذلك كان نوح لا يخون
فقال: لو كان رأي قوم نوح فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق، وكانوا يقولو: إن الناةبغة أشعر العرب إذا خاف، وذلك لجودة قصائده التي اعتذر فيها إلى النعمان وهذا غير صحيح لأن النعمان ما كان يقدر عليه وهو عند آل جفنة.
وقد سئل أبو عمرو بن العلاء فقيل له: أمن مخافته امتدحه وأتاه بعد هربه منه أم لغير ذلك؟ فقال: لا لعمر الله لا مخافته فعل إن كان لآمنا من أن يوجه إليه جيشا، وما كان النابغة يأكل ويشرب إلا في آنية الذهب والفضة من عطايا النتعمان وأبيه وجده، ولا يستعمل غير ذلك.
وروي أن عبد الملك بن مروان أرسل إلى الحجاج: إن إالظلم والطغيان إلى عامرا الشعبي وكان الشعبي من أمثل أهنل وقته، فلما أمره بالجلوس فجلس فالتفت عبد الملك إلى رجل كان عنده قبل مجئ الشعبي فقال: ويحك من أشعر الناس؟ فقال: أنا يا أمير المؤمنين، قال الشعبي: فأظلم ما بيني وبين عبد الملك من البيت ولم أظصبر أن قلت: من هذا يا أمير المؤمنين الذي يزعم أنه أشعر الناس، فعجب عبد الملك من عجلتي قبل أن يسألني، وقال: هذا الأخطل، قلت: بل أشعر منك يا أخطل الذي يقول:
هذا غلام حسن وجهه......مستقبل الخير سريع التمام
للحارث الأكبر والحارث الأعـ.....ـرج والأصغر خير الأنام
ثم لهند ولهند وقد.....أسرع في الخيرات منهم إمام
فستة آبائهم ما هم..... أكرم من يشرب صوب الغمام
قال: فرددتها حتى حفظها عبد الله، فقال الأخطل: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذا الشعبي، فقال الأخطل: والإنجيل هذا ما استعذت بالله من شره، صدق الله النابغة أشعر مناي، فالتفت عبد الملك فقال: ما تقول يا شعبي؟ فقلت: قدمه عمر بن الخطاب في غير موضع على جميع الشعراء، وكان مهيبا وقدم المدينة فأنشد الناس قصيدته الذي سيأتي سببها وهي:
من آل مية رائح أو منغتدي.....عجلان ذا زاد وغير مزود
وكان أقوى فيها فما تجاسر أحد أن يقول له، فأتوه بقينة فغنت منها:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه.... فتناولته واتّقتنا باليد
بمخضب رخص كأن بنانه.....عنم يكاد من اللّطافة يعقد
فمدت القينة صوتها فصارت الكسرة ياء، ومدت يعقد فصارت الضمّة واوا فانتبه ولم يعد إلى الإقواء وغير قوله: - يكاد من اللطافة يعقد، وجعله عنم على أغصانه لم يعقد، وقال دخلت يثرب وفي شعري بعض العاهة، فخرجت منها وأنا أشعر الناس.
تحاكم الشعراء إليه:
وكانت تضرب للنابغة قبة من أدم بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض عليه أشعارها، ففي إحدى السنين فعل به ذلك فأول من أنشده الأعشى ثم حسان بن ثابت ثم أنشدته الشعراء، ثم أنشدته الخنساء بنت عمرو بن الشريد قصيدتها التي تقول فيها ترثي صخرا
وإن صخرا لتأتم الهداة به....كأنه علم في رأسه النار
فقال: والله لولا أن أبا بصير أنشدني آنفا لقلت أنك أشعر الجن والإنس، فقام حسان وقال: والله لأنا أشعر منك ومن أبيك، ووفي رواية فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومنها ومن أبيك، فقال النابغة: حيث تقول ماذا؟ قال: حيث أقول:
لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضحى....وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرق...فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال له: إنك شاعر ولكنك أقللت جفناك وأسيافك، فخرت بمن ولدت ولم تفتخر بمن ولدك – يعني أن الجفنات لأدنى العدد الكبير والكثير جفان. وكذلك أسياف لأنى العدد والكثير سيوف- وقلت : بالضحى ولو قلت يبرقن بالدجى لكن أبلغ في المديح لأن الضيف في الليل أكثر وقلت: يقطرن من نجدة دما فدللت على قلة القتل ولو قلت يجرين لكان لانصباب الدم ولن تستطيع أن تقول "الطويل "
فإنك كالليل الذي هو مدركي....وأن خلت أن المنتأى عنك واسع
خطاطيف حجن في حبال متينة .... تمد بها أيدي إليك نوازع
خبره مع النعمان بن المنذر:
وروي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه حدث أنه وفد في الجاهلية عل النعمان بن المنذر، فلما دخل بلاده لقيه جل قال: فسألني عن وجهي وما أقدمني، فأنزلني فإذا هو صائغ وقال: ممن أنت؟ فقلت: من أهل الحجاز، إلى أن قال في حديث طويل أخبره فيه بكيفية وصوله إليه وكيف يعامله، إلى أن قال حسان، فوجدته كما قال لي، وجعلت أخبر صاحبي بما صاع ويقول: إنه لا يزال هكذا حتى يأتيه أبو إمامة "يعني النابغة" فإذا قدم فلا حظّ فيه لأحد من الشعراء.
قال حسان: فأقمت كذلك إلى أن دخلت عليه ليلة فدعا بالعشاء فأتى بطبيخ فأكل منه بعض جلسائه، إلى أن قال حسان: فو الله إني لجالس عنده إذا بصوت خلف قبته وكان يوم ترد فيه النعم السود، ولم يكن للعرب نعم سود إلا للنعمان، فأقبل النابغة فاستأذن فقدم وهو يقول :
أنام أم يسمع رب القبّة..... يا أوهب الناس للعنس صلبه
ضرابة بالمشفر الأذبّة .... ذات تجاف في يديها حديه.
قال: أبو أمامة أدخلوه، فأنشده قصيدته التي يقول فيها:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه.....على شعث أي الرجال المهذب
فأمر بمئة نلقة فيها رعاؤها ومطافيلها وكلابها من السود، قال حسان: فخرجت من عنده لا أدري أكنت له أحسد على شعره، أم على ما نال من جزيل عطائه فرجعت إلى صاحبي فأخبرته خبره، فقال: انصرف فلا شيء لك عندي سوى ما أخذت.
وكان النابغة من أخصّاء النعمان، فدخل عليه يوما فجأة ومعه امرأته المتجردة فالتفتت إليه مذعورة فسقط نصيفها فاستترت بيدها وذراعيها فكادت ذراعيها تستر وجهها لغلظها وكثرة لحمها، فأمره المنعمان أن يقول قصيدة يصفها فيها فقال قصيدته التي يقول فيها:
سقط النصيف ولم ترد إسقاطه...فتناولته واتّقتنا باليد
فوصف منها مواضع لا يليق ذكرها، وكان المنخل اليشكري من ندماء النعمان وكان فاسقا، وأما النابغة فكان عفيفا نقيا، فغار من وصف النابغة لها فقال: والله لا يقول هذا إلا من جرب، فغضب النعمان وأراد أن يبطش بالنابغة، وكان للنعمان بواب يقال له عصام بن شهبرة الذي يقول عن نفسه:
نفس عصام سودت عصاما.... وصيرته ملكا هماما
فصار مثلا يضرب لمن شرف نفسه، فقال للنابغة وكان صديقا له: إن النعملن موقع بك، فهرب إلى ملوك غسان بالشامفكان يمدحهم، ثم إن النعمان اطلع على ما بين المتجردة إمرأته والمنخل من الريبة فقتلهما في قصة طويلة، فكتب إلى النابغة إنك لم تعتذر من سخطة إن كانت بلغتك، لكنا تغيرنا لك عن شيء مما كنا لك عتليه، لقد كان في قومك ممتنع وحصن فتركته ثم انطلقت إلى قوم قتلوا جدي وبيني وبينهم ما قد علمت، فقدم إليه فوجده محمولا على سرير وكانت العرب تحمل ملوكها على السري إذا مرض أحدهم فقال أبياته التي مطلعها:
ألم أقسم عليك لتخبرني....أمحمول على النعش الهمام
وقيل: إن النابغة قدم في جوار رجلين من فزارة لهما منزلة عند النعمان، فرأى إحدى قيان النعمان فلقنها قصيدته التي اعتذر إليه فيها وهي:
يا دار مية بالعلياء فالسند....أقوت وطالت عليها سالف الأبد
فشرب النعموان فلما سكر، غنته فطرب، وقال شعري عُلْوي، هذا شعر أبي أمامة، فرضي عنه.
هذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ويلم تسليما كثيرا .