خبر يصدم القارئ ويثير اشمئزازه ويستفزُّ مشاعره . وعندما صدمني الخبر البشع وجدت نفسي أقول : " عشق الصغيرات في الغرب وزواج القاصرات في المجتمع العربي هما وجهان لعملة واحدة هي الشذوذ الجنسي " .
وتساءلت لماذا يسمح المجتمع العربي المسلم بهذا الانتهاك السافر لبراءة الطفولة ويُضفي عليه صبغة شرعيّة بعقد زواج بين والد تجرّد من إنسانيته وعجوز ثري منحرف ؟
وهذا الخبر البشع لا يُشكّل حالة فردية بل صار " زواج القاصرات " من المشكلات الاجتماعية الخطيرة التي يعاني منها المجتمع العربي في مختلف بلدانه . وقد أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الدينية والقانونية والإعلاميّة . وانقسم علماء الدين في موقفهم منه إلى فريقين : أحدهما مؤيّد والآخر معارض ولكل فريق حججه التي يستند عليها في موقفه . يقول المؤيّدون لزواج القاصرات أنّه لم يرد نص في القرآن ولا في السنّة يُحدّد سنّاً معيّناً للزواج . وتردّ على هؤلاء رئيسة الفقه المقارن في جامعة الأزهر الدكتورة سعاد صالح بقولها أنّ " الأصل في الإسلام المقاصد وليست الألفاظ " وفي حديث النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوّج " والباءة هي القدرة البدنيّة أي الجنسية بالإضافة إلى القدرة المادية .
وهناك أيضاً نقطة أخرى هامّة شكّلت أحد جوانب الجدل حول زواج القاصرات وهي الخلاف على تحديد سنّ القاصر . مثلاً في السعوديّة يرى المعارضون أنّ الفتاة التي لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها غير صالحة للزواج .ويطالبون بـ" سَنِّ قانون يُجرِّمُ هذه الزيجات ويضع المُخالف تحت طائلة القانون لأنّها – أي هذه الزيجات – لا تنسجم مع الشريعة الإسلامية" .وقد ذكر عضو المجمّع الفقهي الإسلامي في السعودية الدكتور محمّد النجيمي أنّه لا يجوز تزويج الفتاة قبل بلوغها الخامسة عشرة من عمرها وذلك لقول النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم : " تُستَأذَنُ البكر وتُستَأمرُ الثيّب " وأنّه لا بدّ أن تكون الفتاة بالغة راشدة وذلك لا ينطبق على فتاة لم تبلغ الخامسة عشرة من عمرها .
و في مصر يُجرِّم القانون تزويج الفتاة دون سنّ الثامنة عشرة .وفي ردّ فعل مشرّف على واقعة زواج قاصر أحال النائب العام المصري خمسة أفراد من عائلة واحدة مع ثري خليجي لمحكمة الجنايات بتهم الاستغلال وتسهيل الاستغلال الجنسي لفتاة في الرابعة عشرة من عمرها مقابل مبالغ مالية طائلة . وجاء هذا الإجراء لردع من يقومون بهذه الزيجات .وقد وصف مفتي مصر هذه الزيجات بأنّها استغلال جنسي للأطفال .
إذاً زواج القاصرات فيه مخالفة واضحة لتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف لأنّ النبي محمّد صلّى الله عليه وسلّم اعتبر موافقة المرأة على الزوج وعلى المهر أيضاً من شروط صحّة الزواج .
وفي حالات زواج القاصرات تُرغَمُ الفتاة على أن تكون أداة إمتاع لزوج عجوز ثري يدفع مبالغ طائلة للحصول عليها . إذاً هي سلعة تُباع وتُشتَرى بالنسبة لوالدها وهي بالنسبة للزوج العجوز الثري مجرّد " دمية جنس " لا أكثر .
مع الأسف من يروّجون لزواج القاصرات ويحاولون " شرعنته " يعتمدون على حقيقة أنّ النبيّ محمّد صلّى الله عليه وسلّم قد تزوّج من السيّدة عائشة رضي الله عنها وكانت صغيرة جدّاً أي قاصر بجميع المقاييس وهنا أورد ما قاله الدكتور محمّد النجيمي المعارض بشدّة لزواج القاصرات ، يقول :
من أجاز تزويج القاصرات بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج أم المؤمنين عائشة وهي في سن التاسعة، فإن ذلك أمر لا صحة له، فزواج الرسول عليه الصلاة والسلام من عائشة في هذه السن يعتبر من خصائصه، كما أن ذلك كان قبل حديثه عليه السلام "تستأذن البكر وتستأمر الثيب"، بالإضافة إلى أن هذه قضية عين، وقضايا العين لا يُقاس بها.
جشع الأب من جهة وميول شاذة لدى ثري عجوز من جهة أخرى هما الدافعان وراء هذه الزيجات التي تمثّل جريمة بشعة بحق الطفولة البريئة .
تؤدي مشكلة زواج القاصرات إلى مشاكل أخرى منها أضرار جسدية ونفسيّة بالغة تعاني منها الزوجة الطفلة .
ويربط الأخصّائي في علم نفس الطفولة الدكتور عبد الرحمن الصبيحي بين هذه الزيجات والشذوذ الجنسي ويصف الزواج من قاصر بـ "الاغتصاب "
وقد هبّ الإعلام العربي بكافّة وسائله لمناهضة زواج القاصرات وتمّ تنظيم حملات بعنوان " لا لزواج القاصرات " وقد نجحت هذه الحملات في إبطال عدد من هذه الزيجات .
تعدّدت الأسماء والمأساة واحدة . أطلقوا عليه " الاغتصاب الشرعي " و " استغلال جنسي للأطفال " و "وأد للطفولة " وكلّ هذه الأسماء تصف بشاعته .
لكن لي وجهة نظر سأذكرها هنا . فكرتي ببساطة هي أنّ من يزوّج ابنته ، أو أخته ، أو أيّة أنثى تحت وصايته في سن صغيرة جدّاً قبل أن تبلغ مبلغ النساء وتعي معنى الجنس ويقبض " ثمناً " لها مبالغ مالية كبيرة ويرتضى لها زوجاً عجوزاً يكبرها بعشرات السنين ، إنّ من يفعل ذلك يكون قد تجرّد من إنسانيّته ولا يختلف حينها عن أي ".... " قذر يجبر المرأة ممارسة الرذيلة من أجل المال .