دكتورة.م انوار صفار Admin
تاريخ التسجيل : 04/04/2010 البلد /المدينة : bahrain
بطاقة الشخصية المجلة:
| موضوع: حسن فتحي شيخ المعماريين أم مجرد حالم ضلل الفقراء؟ 11/2/2013, 19:08 | |
| حسن فتحي شيخ المعماريين أم مجرد حالم ضلل الفقراء؟ مرت ذكرى غيابه بصمت مريب القاهرة: إيهاب الحضري في الثلاثين من نوفمبر الماضي، مرت الذكرى الخامسة عشرة لغياب حسن فتحي، ذلك المعماري الحالم الذي جرب الفشل بمذاقات عديدة لكنه حظي باحتفاء ثقافي غير مسبوق. وبينما عامله المثقفون والمؤسسات المعمارية الدولية على أنه صاحب نظرية مدهشة، واجهه بعض زملائه من المعماريين بانتقادات تقوض معظم آرائه! إنها المفارقة التي جعلتنا بهذه المناسبة، نلجأ لاثنين من المبدعين الذين عملوا لفترة طويلة في مجال الهندسة المعمارية، وبدلا من أن تكشف كلماتهم لغز هذا التناقض الحاد في الآراء حوله كانت المفاجأة أنهما انحازا له كمثقفين لكنهما انتقداه كمعماريين!! فهل كان حسن فتحي معمارياً كبيراً بالفعل أم أنه مجرد منظر شارع بارع تصطدم أحلامه بصلابة الواقع.
كانت أفكار حسن فتحي قد بدأت في الانتشار مع نهاية الثلاثينات. وفي منتصف الأربعينات رأى المسؤولون عن مصلحة الآثار المصرية أن نظريته التي تقوم على التكنولوجيا المتوافقة ومزج عمارة الطين بالعمارة العربية والاسلامية وقبلهما الفرعونية يمكن أن تكون أكثر ملائمة لقرية جديدة يخطط لبنائها في البر الغربي بمدينة الأقصر. القرية كانت ستستغل لتهجير أبناء القرنة الذين يقيمون فوق تلة أثرية أصبحت مصدر دخلهم الوحيد تقريبا، فهم يستخرجون الآثار من تحت بيوتهم ويبيعونها مما يهدر ثروة حضارية لا يجب الاستهانة بها . تحمس فتحي للفكرة ورأى أنها تتيح له فرصة تحقيق حلمه على نطاق واسع. لحظات البداية كانت حماسية بالنسبة له لكنه قوبل برفض باغته، ومع ذلك ظل يقاوم ربما لاقتناعه بأن البيروقراطية وعقباتها مقدور عليها، لكن الأمر اختلف بكل تأكيد عندما جاء الرفض من حيث لايتوقع. استيقظ ذات صباح على كابوس جعل مزاجه يتعكر. ذهب لمقابلة رئيس الديوان الملكي الذي أكد له اهتمام الملك بالمشروع، بعد أن تناول طعام الغداء كاد ينسى كل شىء عن حلمه السيء، لكن في طريق العودة إلى منزله لاحظ ملصقا يعلن عن فيلم اسمه "المستنقع العظيم"، شعر بالتشاؤم بعد أن ربط الملصق بمضمون الكابوس، وسرعان ماجاءته الأخبار بأن قريته التي يحارب من أجل بنائها غرقت بالكامل، وقتها فقط عرف تفسير الحلم الذي رأى فيه ابناء قريب له وقد بللتهم المياه. في اليوم التالي كان في الأقصر ليكتشف أن الغرق ليس قضاء وقدرا، خاصة عندما لاحظ أن أهالي القرنة رفضوا المشاركة في إنقاذ الموقف وكتب في مؤلفه "عمارة الفقراء":"حتى اولئك الذين تم جمعهم في الليلة السابقة واجبروا على العمل في في الجسر تسللوا من خلال المياه تحت ستار الظلام، بدلا من أن يساعدوا في إنقاذ قريتهم الجديدة، وقد احتالوا حتى يوسعوا الثغرة بأقدامهم بينما هم يتظاهرون بسدها بأيديهم". في هذه اللحظة شعر حسن فتحي بالإحباط. فالذين كان يعتقد أنه يعمل من أجلهم كانوا هم الذين يسعون بكل طاقتهم لإجهاض الحلم. وإذا كانت البيروقراطية قد حاولت تعطيله إلا أنها لم تحاول أبدا أن تفعل ما فعله الفلاحون. الروائي محمد عبد السلام العمري اهتم بفلسفة حسن فتحي التي وجدت لها أصداء قوية في أوساط المثقفين، وباعتباره مهندسا معماريا ألف العمري كتابا عنوانه:"عمارة الفقراء أم عمارة الأغنياء"، ناقش فيه نظرية شيخ المعماريين. لماذا تمت مواجهة الرجل بكل هذا الرفض من الفلاحين رغم انه كان يرغب في خدمتهم، سؤال يجيب عنه العمري بقوله:" في تجربة القرنة الجديدة أحجم الناس عن المشاركة، ورأى البعض أن السبب هو كون المشروع حكوميا، وربما كان الأمر سيختلف لو تم تمويل المشروع من أموالهم الخاصة. وقد طرح التساؤل نفسه بعد ذلك: إذا كان حسن فتحي لم يوفق في فرض نظرية المشاركة بين صاحب الملك والمعماري والحرفي في القرنة الجديدة التي أنشأها تحت سيطرته الكاملة، فكيف كان يمكن أن يطبقها على خمسة آلاف قرية أخرى في الصعيد والدلتا؟". السؤال عام يمكن تركه مؤقتا لصالح تفاصيل أخرى ربما تكون قد أسهمت في رفض المشروع من جانب البشر، يواصل العمري:" القبة في عمارته التي تقوم مقام الأسقف في العمارة الإسلامية، ارتبطت أساسا بالأضرحة، ورغم أنها تعتبر عنصرا يحقق الاتزان في التشكيل المعماري للمبنى إلا أنها ارتبطت في وجدان الإنسان المصري بالضريح، كما أنها تعوق عادة اجتماعية كانت سائدة في الريف في تلك الفترة وهي اجتماع العائلة على سقف المنزل في الليالي الصيفية". البعد الاجتماعي هنا يجعل الرؤية أكثر اتساعا ويضع المشكلة في سياق أوسع من التفاصيل الصغيرة. يشير عبد السلام العمري إلى أن الأزمة كانت ثقافية :"التفسير المباشر لفشل القرنة هو أن الفلاحين رفضوا الانتقال إليها، لكنني اعتقد أن التفسير المنطقي هو الانشقاق الهائل بين الطبقة المثقفة وأفراد الشعب العاديين. لقد فشلت الطبقة المثقفة بشكل عام في توصيل رسالتها الجديدة- وهى إنسانية الإنسان- لبقية المجتمع، وهذا ما حدث مع حسن فتحي. لم تكن فكرة خصوصية الفرد في منزله مثلا مطروحة، فجاء حسن فتحي وقرر عمل مبان بها غرف خاصة لأفراد العائلة في الوقت الذي كان فيه إنسان هذه المنطقة غير واع بفكرة خصوصيته كإنسان". رغم اعترافه كمعماري بوجود أوجه قصور في نظرية حسن فتحي، إلا أن العمري كمثقف يبدو متعاطفا معها، وهى ظاهرة لازمت أفكارفتحي دائما حيث كان المبدعون أكثر رفقا به من زملائه وتلاميذه بل وحتى من اتجهت إليهم أفكاره، ربما لأن الخيال هو العنصر المشترك في إبداعه وابداعهم. الشاعرة والمترجمة فاطمة ناعوت أكدت كمعمارية، عملت لفترة طويلة في هذا المجال أن أفكار حسن فتحي لم تكن جديدة، ففي بداية الأربعينات ظهرت في انجلترا عمارة "البدائية الجديدة" قامت فلسفتها على الموائمة بين الطبيعة والبيئة وإعادة الاعتبار إلى الحائط الحامل والقباب والعقود. وقبلها بعشرات القرون كان البناء بالطين معروفا على نطاقات واسعة وظهرت أكبر تجلياته في حدائق بابل و سور الصين العظيم بل أنه لايزال مستعملا حتى الآن في اليمن. استحضار النماذج التاريخية جعلنا نستعيد ما قاله البعض عن مجىء حسن فتحي متأخرا بفكره عمرها أكثر من خمسة آلاف عام. هل يمكن أن يكون خطأ الرجل قد نتج عن عدم قدرة الأزمنة على التعايش مع بعضها؟ أم لأن الفكرة كانت حالمة؟ أسئلة ترد عليها فاطمة ناعوت بقولها:"لم تكن الفكرة حالمة على المستوى العملي بل كانت من وجهة نظري مناسبة جدا لوقتها. إنها تقوم على التحاور الثلاثي بين العمارة والطبيعة والإنسان. كانت فلسفته تقوم على مقولة دالة: انظر تحت قدميك وابن، رأى أن الفقير يبني باستخدام خامات بسيطة، لكن مشكلته كانت تتمثل دائما في السقف، فاستحضر شكل القبة التي تعادل الضغط بين الأعلى والأسفل فتصبح المحصلة صفرا، وحل مشكلة الخراسانات المكلفة باستخدام الطين. ولم يكن الأمر لديه مجرد حرفة لكنه كان قد أخذ على عاتقه مهمة تحويل الهندسة إلى فلسفة وهوية". العبارات تحتاج إلى تفصيل، فتوضح فاطمة ناعوت:" كانت لنظريته عدة منطلقات، منطلق اقتصادي يركز على مساعدة الفقراء، وآخر فلسفي يحاول التقريب بين الإنسان والبيئة، ومنطلق الفردانية لكي يواجه فكرة التشابه بين البنايات التي لا يمكن التمييز فيما بينها إلا باستخدام الرقم، ومنطلقات اخرى عديدة من بينها الرجوع للهوية واستنهاض الفكرة العربية ". كان فتحي إذن يحاول مواجهة الحداثة التي تنتصر للوظيفة على حساب الجماليات، وبينما روجت الحداثة المعمارية لمقولة أن المنزل مجرد ماكينة للمعيشة كان فتحي ينحاز للخط المنحني أكثر من الخط المستقيم لأن الأخير من وجهة نظره هو خط الوظيفة أما الأول فخط الجمال، لكن كيف يمكن تبرير الفشل؟ سؤال ترد عليه بقولها:"هناك أسباب عديدة، منها ما نتج عن عدم تناسب نظريته مع البيئة وعدم اعتراف الطبيعة العربية بفكرة فريق العمل بينما كانت نظريته تقوم في أحد جوانبها على ذلك. وكان دائما يؤكد أن فردا لايستطيع وحده أن يبني عشرة بيوت لكن في استطاعة عشرة أفراد ان يقوموا ببناء عشرة منازل. اضافة إلى ذلك هناك عوامل ترتبط بالمتضررين من المقاولين وتجار مستلزمات البناء. ولأن الحكم على نجاح أو فشل نظرية معينة لا يمكن أن يكون دقيقا إلا بعد عقود، فقد جاء الانفتاح الاقتصادي في السبعينيات ليقضي على ماتبقى منها. لقد فشل فتحي لأنه كان ضد توجهات الانفتاحيين من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة". نسي العمري ومعه فاطمة ناعوت، مبررا آخر يمكن أن يفسر أسباب فشل القرنة الجديدة تحديدا، تلك القرية التي أصبحت مثالا لفشل النموذج رغم تكراره في أماكن أخرى بدرجات متفاوتة، وكل من يزورها ويرى كيف تحولت بعض بيوتها إلى مسوخ، يسترجع ماحدث دون أن يأتي على باله أن فشل هذا النموذج تحديدا لايحتاج إلى جهد كبير لتبريره. لقد أخذ مشروع حسن فتحي بجرائر غيره، كيف يمكن مثلا أن نتجاهل أن الحكومات المصرية المتعاقبة منذ منتصف الأربعينات وحتى الآن فشلت في إخلاء القرنة القديمة من سكانها، وكلما قرر أحد المسؤولين أن ينفذ الإخلاء لحماية المنطقة الأثرية من العبث تحول المكان إلى ساحة حرب حقيقية. هل يمكن محاسبة نظرية معمارية على ظرف اجتماعي استثنائي فشلت حكومات لا يذكر أحد عددها في مواجهته؟ وهل يمكن أن يحمل المثقف في هذه الحالة التبعة كلها للتغطية على آخرين؟ ألا يحتمل أيضا أن تكون هناك أخطاء داخلية في النظرية نفسها؟ تساؤلان تجيب عنهما فاطمة ناعوت قائلة:" كمعمارية أستطيع أن أضع يدي على مشاكل كثيرة في نظريته وتطبيقاتها، فهل كان هذا الأسلوب في البناء مناسبا لطبيعة مصر كمجتمع يسعى لأن يكون مدنيا؟ أنا شخصيا أؤيد وجهة نظر أستاذي الدكتور فاروق الجوهري الذي كان دائما يرفض مصطلح عمارة الفقراء لأنه يرى أن العمارة كفن هي للأغنياء فقط. أنا بالفعل اتعاطف مع حسن فتحي كمثقفة لكن كمعمارية أرى أن هناك ملاحظات، لكني أود أن أوضح أنه وضع اللبنة الأولى كرائد في هذا المجال، ووظيفتنا أن نكمل من ورائه. ولو كان قد وجد من يشجعه لتحول فكره الى مدرسة، لكن أفكاره ظلت كوليد لم يجد من يرعاه فلم يكتمل نموه". حاول الرجل ان يثبت أن للفقراء حقا في العمارة، فانتهى الحال بعمارته إلى أن يكون استعمالها قاصرا على الأغنياء، مفارقة تحتاج إلى وقفة. في كتابه عن حسن فتحي نقل محمد عبدالسلام العمري رأيا للدكتور إسماعيل سراج الدين وعلق عليه قائلاً:"من المثير للسخرية أن اسمه ارتبط بعمارة الفقراء إلا أن أكثر المنازل التي بناها سكنها أغنياء. ويرى(يقصد سراج الدين) أن أعماله بهذا المعنى مضللة، فهو فنان معماري حرفي متمكن من حرفيته، وذو عين فنية خبيرة بالنسبة للشكل والتوازن والتناغم، لهذا تدين البساطة الناضجة والواعية لواجهات مشروعاته بالكثير لعبقريته الخلاقة، أكثر مما تدين للعمارة الشعبية التي من دون معماريين، والتي ألهمته الكثير من أفكاره". ويعلق العمري على ذلك بقوله:" كان من الواضح أن نظريته نفذت في عمارة القصور التي سكنت بالفعل، في حين أن نظريته لعمارة الفقراء لم تنفذ سواء في القرنة أو(واحة) باريس، حتى استراحة الرئيس في جرف حسين على الرغم من تنفيذها فإنها لم تستعمل، وأدخلوا أيضا تعديلات كثيرة على عمارته ومساكنه في أبيكو في نيوميكسيكو، وكذلك عزبة البصري في المعادي لم يسكنها أحد. يبدو أن دعوة حسن فتحي لإقامة عمارة الفقراء لم تكن سوى خيال غير واقعي. لكن فاطمة ناعوت تقول أن عمارة الفقراء تحولت إلى عمارة للأغنياء كما تحول بنطلون الجينز مثلا من رداء لطبقة البروليتاريا إلى مظهر من مظاهر البرجوازية، وتضيف:"انها سمات مرحلة ما بعد الحداثة التي بدأت تستلهم جماليات الفقر والبدائية". بعد تجربة القرنة غادر حسن فتحي مصر إلى اليونان، ورغم أن معالم هذه الفترة غير واضحة إلا أن ثمة من أكد أنه صمم هناك بنايات على الطرز الحديثة البعيدة عن نظريته ليعود إلى مصر مع تنامي حركة الفكر القومي بعد الثورة، ليواصل محاولات تنفيذ أفكاره. والغريب أن غالبية مشروعاته لم تجد قبولا، فلم تسكن إلا قرية الصحفيين التي رأى البعض أنه شابتها بعض الأخطاء المعمارية. أما مصدر الغرابة فهو أن تصميماته للأثرياء حظيت بإعجاب كبير، لكن فيما يخص المشروعات البعيدة عن المنشآت الفردية كالقصور أو منازل الأثرياء فقد ظل الحظ يخاصم شيخ المعماريين حتى لو كان ذلك بعيدا عن مناطق نفوذ البيروقراطية المصرية. ففي الثمانينات تلقى فتحي دعوة من المركز الإسلامي في نيومكسيكو لبناء مشروع "دار السلام"، حاول أن ينقل نموذجه المصري إلى هناك، فأجبرته الظروف المناخية والأمطار الغزيرة على تغطية قبابه بطبقة جلدية لحمايتها، وبدأ في تقوية الأساسات لتتمكن من مواجهة كل هذه العوامل، فزادت تكلفة المشروع وتوقف. وأكد البعض أن المستثمرين فروا بأموالهم. أما ماتم إنجازه فقد أجريت عليه تعديلات كثيرة. هل كانت عصا حسن فتحي تكسر الإناء دائما قبل نهاية الحلم؟ أم أنها عصا الزمن التي تضرب الحلم إذا جاء في الوقت الخطأ؟ سؤالان سيظلان مطروحان على الدوام ووحدها الأيام كفيلة بالجواب. |
|
| |
|
فؤاد حسني الزعبي المراقب العام المميز
تاريخ التسجيل : 22/10/2011 العمر : 81 البلد /المدينة : فيينا - النمسا
| موضوع: رد: حسن فتحي شيخ المعماريين أم مجرد حالم ضلل الفقراء؟ 11/3/2013, 13:39 | |
| شكرا لك وجزاك الله خيرا لهذا التعريف بشيخ المعماريين ومحاربة فكرته في البناء في محاولة منه ان يثبت بأن للفقراء حقا في العمارة، فانتهى الحال بعمارته إلى أن يكون استعمالها قاصرا على الأغنياء. | |
|