[b]النظريات النفسية والاجتماعية المفسرة للعنف :
أولا: العنف في ضوء نظرية التحليل النفسي :
يرجع فرويد العنف إما لعجز ( الأنا ) عن تكييف النزعات الفطرية الغريزية مع مطالب المجتمع وقيمه ومثله ومعاييره ، أو عجز الذات عن القيام بعملية التسامي أو الإعلاء ، من خلال استبدال النزعات العدوانية والبدائية والشهوانية بالأنشطة المقبولة خلقيا وروحيا ودينيا واجتماعيا ، كما قد تكون ( الأنا الأعلى ) ضعيفة ،وفي هذه الحالة تنطلق الشهوات والميول الغريزية من عقالها إلى حيث تتلمس الإشباع عن طريق سلوك العنف .
كما يرى فرويد أن دوافع السلوك تنبع من طاقة بيولوجية عامة ، تنقسم إلى نزعات بنائية ( دوافع الحياة ) وأخرى هدامة ( دوافع الموت ) وتعبر دوافع الموت عن نفسها في صورة دوافع عدوانية عنيفة ، وقد تأخذ هذه الدوافع صورة القتل والحقد والتجني ومقر دوافع الموت أو غريزة التدمير هو اللاشعور .
في حين ترى الفرويدية الحديثة أن العنف يرجع إلي الصراعات الداخلية والمشاكل الانفعالية والمشاعر غير الشعورية بالخوف وعدم الأمان وعدم المواءمة والشعور بالنقص .[/b]
ثانيا النظرية الإحباطية :
ولقد وضع دولا رد مجموعة من القوانين السيكولوجية لتفسير العدوانية والعنف منها
1- كل توتر عدواني ينجم عن كبت .
2- ازدياد العدوان يتناسب مع ازدياد الحاجة المكبوتة .
3- تزداد العدوانية مع ازدياد عناصر الكبت .
4- إن عملية صد العدوانية يؤدي إلى عدوانية لاحقة بينما التخفيف منها يقلل ولو مؤقتا من حدتها .
5- يوجه العدوان نحو مصدر الإحباط وهنا يوصف العدوان بأنه مباشر وعندما لايمكن توجيه العدوان نحو المصدر الأصلي للإحباط ، فإنه يلجأ إلى توجيه العدوان نحو مصدر آخر له علاقة مباشرة أو رمزية بالمصدر الأصلي ، وعندها يسمى هذا العدوان مزاحا وتعرف هذه الظاهرة بكبش الفداء ، فالمعلم الذي يحبط من قبل مديره يوجه عنفه نحو الطلبة لأنه لا يستطيع أن يعتدي على المدير والزوجة التي يعنفها زوجها تقسو على أطفالها .
رابعا نظرية التعلم الاجتماعي :
وهي من أكثر النظريات شيوعا في تفسير العنف وهي تفترض أن الأشخاص يتعلمون العنف بنفس الطريقة التي يتعلمون بها أنماط السلوك الأخرى ، وأن عملية التعلم هذه تبدأ بالأسرة ، فبعض الآباء يشجعون أبناءهم على التصرف بعنف مع الآخرين في بعض المواقف ، ويطالبونهم بألا يكونوا ضحايا العنف .وواضح هذا في بيئتنا الفلسطينية عندما تقول الأم أو الأب ( أوعي تيجي مضروب بدي إياك تيجي ضارب ) ، أو عندما يجد الطفل أن الوسيلة الوحيدة التي يحل بها والده مشاكله مع الزوجة أو الجيران هي العنف ، فإنه يلجأ إلى تقليد ذلك .
وعندما يذهب الطفل إلى المدرسة فإنه يشاهد أن المعلم يميل إلى حل مشاكله مع الطلبة باستخدام العنف ،كما أن الطلبة الكبار يستخدمون العنف في حل مشكلاتهم فيقوم بتقليد هذا السلوك العنيف عندما تواجهه مشكلة .
كما أن وسائل الإعلام تعرض في برامجها العديد من الألعاب والبرامج التي تحتوى علي ألفاظ وعبارات ومشاهد تساعد علي تأسيس سلوك العنف لدى الأطفال.
الفرضيات الأساسية لنظرية التعلم الاجتماعي:
1- أن العنف يتم تعلمه داخل الأسرة والمدرسة ومن وسائل الإعلام .
2- أن العديد من الأفعال الأبوية أو التي يقوم بها المعلمون والتي تستخدم العقاب بهدف التربية والتهذيب غالبا ما تعطى نتائج سلبية .
3- إن العلاقة المتبادلة بين الآباء والأبناء والخبرات التي يمر بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة ، تشكل شخصية الفرد عند البلوغ ، لذلك فإن سلوك العنف ينقل عبر الأجيال .
4- إن إساءة معاملة الطفل في المنزل يؤدي إلي سلوك عدواني تبدأ بذوره في حياته المبكرة ويستمر في علاقته مع أصدقائه وإخوته ، وبعد ذلك مع والديه ومدرسية .
خامسا مدرسة التنشئة الاجتماعية :
وهي تفترض أن العنف يتعلم ويكتسب خلال عملية التنشئة الاجتماعية ، كما يتشرب المرء مشاعر التمييز العنصري أو الديني ، ويؤكد ذلك أن مظاهر العنف توجد بشكل واضح في بعض الثقافات والثقافات الفرعية بينما تقل في ثقافات أخرى ، فبعض الثقافات الفرعية التي تمجد العنف تحتل نسبة الجريمة فيها معدلات عالية ، كما نجد أنه في المجتمعات الذكورية التي تعطي السلطة للرجل كثيرا ما نجد أن الرجال يمارسون العنف بشكل واضح ويسوقون المبررات المؤيدة لعنفهم .
هذا بالإضافة إلى ما يسود المجتمع من توجهات فكرية مؤيدة أو معارضة للعنف متمثلة في الأمثال والعرف والثقافة السائدة .
سادسا:الاتجاه البنائي الوظيفي في تفسير العنف :
ويقوم هذا الاتجاه على فكرة تكامل الأجزاء في كل واحد والاعتماد المتبادل بين العناصر المختلفة للمجتمع الواحد ، لذلك فإن أي تغير في أحد الأجزاء من شأنه أن يحدث تغيرات في الأجزاء الأخرى وبالتالي فالعنف له دلالاته داخل السياق الاجتماعي ، فهو إما أن يكون نتاجا لفقدان الارتباط بالجماعات الاجتماعية التي تنظم وتوجه السلوك ، أو نتيجة لفقدان الضبط الاجتماعي الصحيح ،أو نتيجة لاطرابات في أحد الأنسقة الاجتماعية مثل النسق الاقتصادي أو السياسي أو الأسري ، أو نتيجة لسيادة اللامعيارية في المجتمع واضطراب القيم .
سابعا:نظرية الصراع في تفسير العنف :
وتقوم هذه النظرية على الفكر الماركسي التي ترجع العنف في المجتمع إلى الصراع وخاصة الصراع الطبقي ، والصراع أيضا يمتد ليشمل كافة الصراعات السياسية والإثنية والدينية ، وصراع المصالح والصراع على السلطة ، والصراع يمثل التربة الخصبة لزيادة مظاهر العنف في الوقت الراهن ، خصوصا في ظل عدم توازن القوى ، فعادة ما يميل الطرف الأقوى لفرض هيمنته علي الأضعف لتستمر بعد ذلك دائرة العنف