خطت طريقها منذ الطفولة نحو الفن، واكتشفت أن تعلقها بالبيئة وعوالمها قد تحول يوماً بعد آخر إلى حالة من الاحتراف كللته بصنع منحوتة عملاقة مع النحات الشهير "شفيق نوفل" نصبت عند مدخل مدينة "شهبا".
تتابع المشوار مع منحوتة كبيرة تحاول إنجازها في صرح الشهداء في منطقة "المزرعة"، وترسم لنفسها طريقاً مغايراً عن كل النحاتين في "السويداء". فاختارت النحت "التحويري" طريقاً جديداً لفن التعامل مع حجر "البازلت".
مدونة وطن "eSyria" التقت الفنانة الشابة "روان سراي الدين" يوم الأربعاء الواقع في 2/10/2013، التي ولدت في مدينة "شهبا" عام/1989/ فكان اللقاء التالي:
* من الذي اختار الآخر، أنت أم الفن؟
** كان
للبيئة والمجتمع دور أساسي في حياتي منذ الطفولة، فالبيئة وما تمتلكها من خصائص تجعلها استثنائية، وما تحويها من آثار وحضارات عديدة، وحديثها الذي يدور غالباً عن الحكايات والأساطير. كل ذلك جعلني أتطلع لأعبر بصيغة ما عما يدور في بالي بطريقة خاصة، فما وجدت أفضل من التعبير بالرسم.
* كيف كانت الطفولة والمدرسة، هل هما وراء طريقك الشاق في الفن؟
** هذه الخطوط البسيطة شكلت لوحات مبكرة عندما كنت في المدرسة الابتدائية، كانت عشر لوحات نالت إعجاب الأساتذة على الرغم من أنني في الصف الأول الابتدائي، فكان معرضي الأول، يومها توجهوا إلي بالسؤال التقليدي المعتاد (ماذا تريدين أن تكوني في المستقبل؟) فابتعدت عن المألوف بطفولة بريئة غير محسوبة واتجهت نحو موهبتي لأقول لهم أريد أن أكون آنسة رسم. وفي مرحلة الرواد نلت المركز الثاني في تشكيل الفسيفساء، وباهتمام العائلة والمدرسة قررت الوصول إلى إنهاء لوحتي بخطوط أكثر تعبيراً لمرحلة واقعية اخترتها بالواقع والخيال.
* ما الذي جعلك تختارين النحت كاختصاص فني؟
** في كلية الفنون الجميلة في "السويداء" اخترت النحت عن سابق موهبة وإصرار، فتعلمت مبادئ وأبجدية الرسم والنحت، وكونت شخصيتي الفنية والعملية طوال أربع سنوات تحت إشراف أساتذة الكلية، وخاصة الأستاذ "حسام المصري" الذي كان له الدور في إنجاز مشروعي المكون من /16/ عملاً
نحتياً، وبأحجام مختلفة تتدرج بين /25 – 200/ سم تحمل مواضيع متنوعة بأسلوب واحد، أسلوب بعيد عن الواقعية ينطلق منها، ولا يعود إليها.
* لماذا اخترت النحت "التجريدي" وصولاً إلى "التحوير"؟
** كما الموسيقا هي تجريد لكلمة أو قصيدة، كذلك المنحوتة المجردة معزوفة جمالية. فإن كان النحت تجريداً فلأنه معبر ومفسر لحالات قد تكون إنسانية أو حيوانية أو نباتية. وهذه التجربة في النحت "التجريدي" الذي انطلقت فيه بتشكيل خطوطي اللينة بحثاً عن تحوير لأشكال بدأت بها بجسد المرأة التي هي أقرب بصفاتها اللينة إلى إحساسي وخطوطي التي أسعى إلى وضعها بمنحوتتي المحورة لتقديم أسلوب معبر، وهو يحمل صفات غير واقعية أبعد من المباشر الواقعي، وأقرب إلى "التجريد التحويري".
* لديك تجربة خاصة مع الفنان الكبير "شفيق نوفل"، كيف كانت، وما الذي استفدت منه؟
** الليونة التي كنت أسعى إليها في الحجر البازلتي شجعتني للاستفادة من تجربة الفنان "شفيق نوفل" صاحب الباع الطويل في التعامل مع "البازلت"، الذي تناولت أغلب أعماله "الواقعية" أو "التعبيرية" و"التجريدية" مواضيع مختارة بعناية، أكملها على البازلت بكل سهولة بعد إصراره على جعل هذا الحجر الصلب ليناً ورشيقاً، فتعلمت منه محاكاة هذا الحجر بلغة المطرقة والإزميل، والقيام بعمل مشترك في محاولة لتخليد الشهداء من خلال الرمز والأسطورة. هذا العمل أعطاني دافعاً لعمل
منحوتة أخرى خاصة بي تتحدث عن نفس الموضوع بلغة أخرى أقرب إلي وإلى ذاتي.
* متى يصبح الفنان منتهي الصلاحية عملياً وإبداعياً؟
** الفنان الحقيقي صاحب تجربة، ويسعى دائماً إلى تطويرها، وهذا يعني أنه مجرب ينتقل من تجربة إلى أخرى باحثاً عن ذاته. وبرأيي أن الفنان يموت عندما يقول عن أي تجربة يقوم بها إنها لوحة أو عمل انتهى، ولم يعتبرها أنها مجرد تجربة، فهو قد توقف عند مرحلة ما ولا مزيد من التطور.
* ما الذي تفكرين به في العادة، وتتمني تحقيقه؟
** بعد المعارض المشتركة مع زملائي في الكلية، أطمح في معرضي الخاص الذي يمثل أسلوبي في النحت "التجريدي". وما أتمناه أن يكون لدينا- في "السويداء" التي تعد الأولى من حيث عدد الفنانين والمواهب- عدد من صالات العرض، والمراكز التدريبية التي تجمع هؤلاء المواهب ليتمكنوا من إظهار أنفسهم ونجاحهم.
الفنان الشاب "باسم أبو فخر" تحدث عن زميلته "روان" وأعمالها بالقول: «خطت لنفسها حالة جديدة في فضاء النحت، فاختارت "التجريد"، ومن ثم "التجريد التحويري"، وحاولت جعل الحجر ليناً طيعاً بين يديها لتثبت ليونة الأنثى مع أقسى الأشياء في الطبيعة، وهو نتاج حي يؤكد قدرة الإنسان في تحويل الصعب إلى سلاسة، وفن ينطق بالجمال، وهي من أوائل الخريجين الشباب الذين احترفوا العمل باكراً من
خلال المنحوتة الكبيرة التي أنجزتها مع الفنان "شفيق نوفل"، والمنحوتة التي تعمل على إنجازها في "المزرعة"».