إنَّ الهَـــدِيَّةَ حُـــــلْوَةٌ
كالسِّحْرِ تَجْتَلِب القُلُوبَا
تُدْنِي البَعِيْدَ مِنَ الهَوَى
حَتَّى تُصَـيَّرَهُ قَرِيْبَـــــاً
وَتُعِيْدُ مُضْطَغِن العَدَاوَةِ
بَعْدَ نَفْــرَتِهِ حَــــبـِيْــبَاً
تَنْفِي السَّخِيْمَةَ مِنْ ذَوِي
الشَّحْنَاءِ وتَمْتَحِق الذُنُوْبَا
أبياتٌ من شعر الحكمة للكريزي أصبحت اليوم مضرباً للأمثال، فاستشهد بها القاصي والداني ليُهدِي أو يُهْدَى.
اليوم بعد أن طَغَت الماديات، وتشَرَّب أبناؤنا التمييز بين الأشياء بحسب قيمتها المادية، لم تَعُد تُرضيهم حلوى أو (رَهَش)، بل يتطَلَّعون إلى أرقى أنواع الحلويات والماركات، حتى فقدوا التلذُّذ بأبسط الأشياء التي ما زلنا حتى اليوم نتلذَّذ بها كونها جزءا لا يتجزأ من طفولة جميلة وماضٍ عشقناه بكل تفاصيله
- فيما مضى كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا نساء المسلمات، لا تَحْقِرَنَّ جَارةٌ لجارتِها ولو فَرْسَنَ شَاة) -والمقصود حافر الشاة وهو مما لا يُنتفع به عادة– بالغ الأثر في نفوس الناس، فتبادل الجيران أطباقهم وأوانيهم وكل شيء قلَّ أو كَثُر، وأسعدوا بعضهم البعض بأبسط الهدايا أو ما يُطلق عليها لدينا في الخليج بـ»الصُوْغَة» عند القدوم من سَفَرٍ قريبٍ أو بعيدٍ، وأيُّ سعادة تلك التي كانت تملأ بيوتاً بكاملها احتفاء بـ «درابيل» من الكويت، أو «حلوى» عُمان، أو «متَّاي» البحرين أو «حلاوة أبونار» من مكة.
- واليوم بعد أن طَغَت الماديات، وتشَرَّب أبناؤنا التمييز بين الأشياء بحسب قيمتها المادية، لم تَعُد تُرضيهم حلوى أو (رَهَش)، بل يتطَلَّعون إلى أرقى أنواع الحلويات والماركات، حتى فقدوا التلذُّذ بأبسط الأشياء التي ما زلنا حتى اليوم نتلذَّذ بها كونها جزءا لا يتجزأ من طفولة جميلة وماضٍ عشقناه بكل تفاصيله.
- وبحمد الله تعالى لا يزال بيننا اليوم مَنْ يُحاول التأسي بسُنَّة المصطفى عليه الصلاة والسلام في التهادي، ولكن يخشى ألا تُقبل هديَّته المتواضعة والتي تتناسب مع إمكانياته لكنها لا تليق بمن سيُقدمها له، فقد يكون ممن تُبهِرهم المظاهر الخداعة فيُهمَّه ماذا قُدِّم له قبل مَنْ قدَّمه ولماذا، متجاهلاً حجم الحب الذي جاء به مُهديه ليضعه بين يديه وبلا مُقدِمات.
- البعض تجاوز ذلك بمراحل فأصبح «مظهر» الهدية هو الأولويَّة لديه، فاستثمر الأذكياء هذه الموجة بافتتاح محلات تُعنى بإرضاء هذه الفئة فتُقدِّم لهم الهدية المتواضعة في مظهر خَلَّاب يُرضي ذائقتهم، وبمبلغ قد يفوق قيمة الهدية نفسها، لكنها وبلا مُبالغة ستُرضي الجميع.
- وفي مقولة بليغة للفضل بن سهل ستروق لكم أيضا قال: (ما استُرضي الغضبان، ولا استُعطِف السلطان، ولا سُلِبَت السَخائِم، ولا دُفِعت المَغَارم، ولا استُميل المحبوب، ولا تُوقِّي المحذور بمثل الهدية)، ولتبتسموا قليلا استمعوا معي لمقولة سُفيان الثوري: (إذا أردت أن تتزوج فأهدِ لأم العروس).
- القلوب ليست سواسية فالبعض يُهديك الحب مُغَلَّفاً بـ»سولفان» الامتنان، تُزيِّنه ابتسامة رضا فيَهَب روحك طمأنينة تُغنيك عن آلاف الهدايا والقصائد، وتظل تذكر هديته ما امتدت بك الحياة فتبتسم بين حين وآخر وكأن الحدث ماثلاً أمامك، وقد تبكي فقداً إن كان قد فارق الحياة.
- وبعض الهدايا قيمتها تكمن في اللحظة التي عشتها معهم، في تذكُّرهم لك ورغبتهم في إسعادك، بل ترتفع قيمتها لديك لمجرد إحساسهم بأن هناك ما يستحق الاحتفاء بك لأنك تهمهم، رسالة بسيطة قد تصلك بكل بساطة العالم إن أنت أشرعت أبواب قلبك لها.
- اليوم لن أوصيكم فأقول (تهادُّوا تحابُّوا) وقد قالها حبيبنا محمد عليه الصلاة والسلام منذ قرون، فكلنا يعلم ما للهدية من وَقْع على النفوس قد يتجاوز تضاعف المحبة إلى محو «شيء ما» كان يجثم على الصدور فيُرهقها ويُحمِّلها ما لا تُطيق، ولو تحدَّثنا بشفافيةٍ أكبر لقُلنا: أهدونا ابتسامة، كلمة طيبة، حنانا، صِدقا، قُرباً ودِفئا فلعلها أجمل ما يُهدى لأحبتنا اليوم في ظل مشاغل الحياة.
قبل الوداع:
سألتني: مفاجأة أشعرتك بسرورٍ بالغ عجزتِ عن وصفه مؤخرا؟
فقلت: أهداني المولى سبحانه وتعالى صديقات كنسمات الهواء البارد في عِزِّ الهجير، وفي الفرح الغامر أيضا يشاركنني بعُمق أستشعره فتزداد سعادتي، وقبل أسبوعين فاجأتني أخواتي في مجمع الطيران المدني باحتفالية جميلة وهدية ثمينة وباقة من الورد نقية كقلوبهن احتفاء بعودتي لجريدة اليوم بعد انقطاع، فعجزت حتى هذه اللحظة أن أكتب لهن كلمة شكر تليق بروعتهن