بعد أسبوع الظلم والطغيان والدي رسالة لها يخبرها بشأني فقد جعلتـْه لها بمثابة الوالد وقد جعل الشيخُ مريمَ كبنتٍ له ، يحوطها بعنايته، ويكلؤها برعايته.
تأخرت (مريم) في الرد على الرسالة إلا أنها أجابت بعدُ وسألَت عن الشاب من يكون ؟ وهل يمدحه خالد ؟ وهل تزكيه أنت يا شيخ؟
فأخبرها الشيخ انه ابنه وأنه يزكيه .
تأخَّرَت في الرد مرة أخرى وقالت :هذا يشرفني إلا أني سأستخير الله .
مضى يوم ويومان فأسبوع وأسبوعان حتى ضقت ذرعا من هذه الاستخارة ،
أرسل الشيخ رسالة أخرى وكان رمضان على باب الدخول .
تأخرت في ردها ، إلا أنها قالت : إني موافقة على ابنك إلا أن أهلي وإخواني يقولون لي : موضوع الزواج لو تأجل قليلا كان أفضل .
في هذه الأثناء كان الشيخ يرسل إلى (نائلة) يسألها عن حال (مريم) وسبب تأخرها في الرد ، وكانت هي أيضا تتأخر في الرد وتقول عن (مريم) :إنها بحال لا تحمد عليه "إلا أنها بخير" .
إن الحريق الذي توفي فيه والدها قد أصابهم بالضر، فاحترق البيت بأكمله بعد أن كان جميلا وفاخرا ، وتغيرت حالهم المالية، فقد كانوا في ثراء وعزة فأصبحوا في فقر وحاجة .
فسبحان مغير الأحول ومبدل الأمور .
وكانت (نائلة) قد أخبرت الشيخ (بكرا) أن موضوع احتراق البيت هو السبب في تأخرهم وأنهم يستحيون من أن يستقبلوا أحدا فيه .
أبديتُ رغبتي في دفع شيء من المهر كمساعدة إلا أن الشيخ (بكرا) قدم لهم مساعدة وكذلك خالد فتجمع لهم شيء ليس بالكثير وإنما يقضي بعض الأرب .
مضى الوقت وأنا أنتظر ذلك وأستخير الله في زواجي من مريم وأُمنِّي نفسي بها .
دخل رمضان ولم تكن لتخبر مريم الشيخ عن موضوع بيتها، إلا أنها في آخر رسالة لها صرّحت بهذا على استحياء، وقالت: إن بيتنا أصبح خربا ، فأخبرها والدي باستعجالي وأنّا لا نريد أن نخسركم ، إلا أنه لم يكن بوسعنا سوى الانتظار ....
انتصف رمضان فسافر والدي إلى بيت الله العتيق وقلت لعله عند رجوعه يتم الأمر إن شاء الله .
رجع والدي إلا انه قال لي : إن الفتاة لا تردّ أبدا على رسائله وأظن أن الأمر وصل إلى آخره ، والله يخلف عليك خيرا .
فثنيت نفسي ولم أثن قلبي عنها، وذهبت إلى تلك البنت الأولى التي زوّرتها في نفسي أولا وطلبت يدها من والدها ..
والعجيب: أن هذه الفتاة تأخر أهلها في الرد لظروف عندهم ومضى على هذا شهر كامل إلى أن جعلنا يوما معيّنًا يكون فيه انتهاء هذا الأمر.
وفي صباح هذا اليوم جاءني الوالد وقال لي :
هل تعرف ما سبب تأخر مريم في الرد ؟؟
تعجبت من هذا السؤال ؟ أرجعت (مريم) إلى الساحة من جديد ؟ هل سينتهي الانتظار والتمني ؟
قلت - وأنا انتظر الجواب الجميل الذي يريح القلب-: لا أعلمُ، فما السبب ؟؟ .
قال : إن (مريم) قد توفيت من شهر بسبب السرطان ، ولذلك لم يأتنا منها خبر ، ولا تجيب على رسائلنا ، وإنما اتصلت بي أختها وقالت : يا شيخ عظم الله أجرك وأحسن عزائك .
حينما أخبرني الوالد بذلك كنت في المسجد، فتمالكت دمعي حتى وصلت إلى غرفتي فأسكبت عبرتي وترحمت عليها، وأنا أعجب من قدر الله! وأقول : قدر الله وما شاء فعل ، وآجرني الله في مصيبتي وأخلفني خيرا .
وقد ظهر لنا بعدُ أنَّ سببَ تأخرها في الرد هو المرض ، فقد ظهر مرضها على شكل أورام في جسدها لم يعلم بها أحد سواها، وكانت ترجو أن يذهب عنها هذا البؤس فلم تخبر أهلها بذلك وقالت : إني لن أغش ابن الشيخ ، ولم تشأ أن تخبر أهلها فلم ترد أن تكلفهم مؤنة العلاج وهم على حرج وفي ضيق ، إلى أن شعرت بقرب الموت فكانت ترجو لقاء الله !
ففاضت روحها ، وعند غسلها رأى أهلها أثر الأورام فبحثوا في الأمر وإذا هو السرطان عافانا الله وإياكم ورحمها رحمة واسعة .
وأقول : الحمد لله أنّي ما رأيتها قط ولا سمعتُ صوتها ، فماذا سيحصل لي لو أن القلب تعلّق بها ثم فقدت ذلك ، لا شك أني لن أكون بخير ، ولكن الحمد لله أولا و آخرًا ورحم الله ميتتنا وأعظم أجر أهلها عليها .
وحمدت الله ثانيا أن ختم لها بالخير فقد ماتت على استقامة وصلاح، فكيف بالله عليك لو أخذها الموت وهي على سابق حالها ؟
"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين "
أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يغفر لها ذنبها ويوسع لها في القبر وأن ينزلها عنده إنه جواد كريم .
وتأمل معي أخي كيف ختم الله لوالدها .. فحذارِ أن تجترأ على الله وعلى دينه وأهل ملته ، لأنهم صفوة الصفوة وخلاصة المصطفين الأخيار ، فقد هلك شر هلكة والعياذ بالله.
وما أرجوه أن نستفيد الدروس والعبر من هذه القصة الطويلة، وأن يحدونا الأمل إلى الفأل الحَسَن وإلى الخير وإلى التمسك بنهج الله، فما أقرب القبر منا وما أقرب الموت منا بل هو أقرب من حبل الوريد!.
يا شباب الأمة ويا فتياتها ! اتقوا الله في أنفسكم وراقبوه فلا يأتيكم الموت وأنتم غافلون .
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
كتبها :
أبو سليمان الشامي
الموافق (19/10/2011م) يوم الخميس
ملاحظة : أسماء القصة ليست حقيقية ، حفاظا على مشاعر الأقربين منهم .