ابن سودون وأشعاره الهزلية ( القرن التاسع الهجري)
بسم الله الرحمن الرحيم
أحببت أن أنقل لكم عن هذا الشاعر
عرف باسم (ابن سودون) واسمه الكامل أبو الحسن علي نور الدين بن سودون اليشبغاوي وهو من شعراء القرن التاسع الهجري
وقد أفرد له د. شوقي ضيف فصلا كاملا في كتابه (الفكاهة في مصر) وكذلك فعل الراحل الأستاذ عبد الغني العطري في كتابه (دفاع عن الضحك) وهو يرى أنه من رجال الفكر الذين كان لهم الباع الطويل في الأدب الضاحك, ويذكر أنه ولد في القاهرة سنة 810 للهجرة وعمل إماماً في بعض مساجدها, وانتقل من ثم إلى دمشق وعمل فيها صاحب خيال الظل (كركوزوعيوظ) ومات فيها, وقد انصرف إلى قول الشعر هزلا وسخرية وكتابة النثر فكاهة وتهكما, وصار هذا اللون من الأدب نهجا عرف به, وأقبل الناس على شعره, وصاروا يتناقلونه ويحفظونه بل ويحاكونه.
وقد جمع ابن سودون هذا الشعر في ديوان أضاف إليه طائفة من الحكايات الساخرة وسماه (نزهة النفوس ومضحك العبوس).
كما يقول الأستاذ العطري: فإن شعر ابن سودون طريف في بابه يدفعك إلى الابتسام حينا والاغراق في الضحك حينا آخر, وهو يسلك فيه طريق المفارقة إذ يبدأ شعره بالجد ثم لا يلبث أن ينتقل إلى أقصى الفكاهة والسخرية, وهو يلتزم تقرير أمر واقع- يدخل في مجال البديهيات مثل قوله:
كأننا والماء من حولنا- قوم جلوس حولهم ماء.
أو كقوله:
البحر بحر والنخيل نخيل والفيل فيل والزراف طويل
والأرض أرض والسماء خلافها والطير في ما بينهن يجول
وإذا تعاصفت الرياح بروضه فالأرض تثبت والغصون تميل
والماء يمشي فوق رمل قاعه ويرى لها مهما مشى سيلول
ويحفل ديوان ابن سودون بشعر من هذا القبيل:
عجب عجب عجب عجب بقر تمشي ولها ذنب
ولها في بزبزها لبن يبدو للناس إذا حلبــــــــــــوا
لا تغضب يوما إن شتمت والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلسان هما لونان ولا كـــــــــــــذب
والخيمة قال الناس إذا نصبت فالحبل لها طنـــــــب
والمركب مع ما قد وسعت في البحر بحبل تنسحب
البيض إذا جاعوا أكلــــوا والسمر إذا عطشوا شربوا
ومن شعره أيضاً :
إذا الفتى في الناس بالعقل قد سما ***** تيقن أن الأرض من فوقها السما
وأن السما من تحتها الأرض لم تزل***** وبينهما أشيا إذا ظهرت تُرَى
وإني سأبدي بعض ما قد علمته ***** ليُعْلمَ أني من ذوي العلم والحجَى
فمن ذاك أن الناس من نسل آدم*****ومنهم أبو سودون أيضًا ولو قضى
وأن أبي زوجٌ لأمي، وأنني***** أنا ابنهما، والناس هم يعرفون ذا
ولكن أولادي أنا لهمُ أب***** وأمهم لي زوجة يا أولي النُّهَى
ومن قد رأى شيئًا بعينيه يقظةً***** فذاك لهذا الشيء يقظان قد رأى
وقد يضحك الإنسان أوقات فرحه***** ويبكي زمان الحزن مهما قد ابتلى
وكم عجب عندي بمصر وغيرها***** فمصر بها نيلٌ على الطين قد جرى
بها الفجر قبل الشمس يظهر دائما***** بها الظهر قبل العصر قيلاً بلا مِرا
بها النجم حال الغيم يخفى ضياؤه***** بها الشمس حال الصحو يبدو لها ضيا
وفي حلب ماء إذا ما شربته***** وقيل: تُرَى ماذا شربت؟ تقول: ما
وفي الشام أقوام إذا ما رأيتهم***** ترى ظهر كل منهم وهْوَ ورا
وتسخن فيها النار في الصيف دائمًا***** ويبرد فيها الماء في زمن الشتا
وفي الصين صيني إذا ما طرقته*****يطنُّ كصينيٍّ طرقت سوا سوا
وفيها رجالٌ هم خلافُ نسائهم*****لأنهم يبدو بأوجههم لحًى
ومن قد مشَى وسط النهار بطرقها*****تراه وسط النهار وقد مشى
من كتاباته :
” و لما انا كبرت يحمد ربى .. و صار لمنتهى عقلى ابتداء
بقيت اقول ننو ننو تاته .. و دح و كخ و انبو و مم آء
من كتاباته بالعربى :
” عجب عجب عجب عجب
بقر تمشى ولها ذنــــــــب .. ولها في بزبزها لبــــــــــن
يبدو للناس إذا حلبـــــــــوا .. من اعجب مافي مصر يرى
الكرم يرى فيه العنب .. والنخل يرى فيه بلح
وايضا يرى فيه رطب
والمركب مع ما قد وسعت .. في البحر بحبل تنسحب
والناقة لامنقار لها .. والوزة ليس لها قنب
والخيمة قال النــــــــاس إذا نصبت فالحبل لها طنـــــــب
لابد لهذا من سبب
حزر فزر ماذا السبب
لا تغضب يوما إن شتمـــت .. والناس إذا شتموا غضبوا
زهر الكتان مع البلســـــان .. هما لونان ولا كـــــــــــــذب
البيض إذا جاعوا أكلــــــــــوا .. والسمر إذا عطشوا شربــــوا
نثر :
من نوادر قصصه :ـ
قال الزلابياني :
(( كنت و أنا صغير بليداً لا أصيب في مقال ، و لا أفهم ما يقال .
فلما نزل بي المشيب زوجتني أمي بامرأة كانت أبعد مني ذهناً إلا أنها كانت أكبر مني سنا.
و ما مضت مدة طويلة حتى ولدت ، و التمست مني طعاماً حاراً ، فأخذت الصحفة(الحلة) مكشوفة ، و رجعت إلى المنزل آخذ غطاء الصحفة فنسي الصحفة !
فلما كنت في السوق تذكرت ذلك ، فرجعت و أخذت الصحفة ونسيت الغطاء .
و صرت كلما آخذ واحدة أنسى الأخرى .
و لم أزل كذلك حتى غربت الشمس .
فقلت لا أشتري لها شيئاً الليلة ، و أدعها تموت جوعاً ، فرجعت إليها فإذا هي تئن ، و ولدها يستغيث جوعا !
فتفكرت كيف أربيه ، و تحيرت في ذلك ! ثم خطر ببالي أن الحمامة إذا أفرخت و ماتت ذهب زوجها و التقط الحب .
ثم يأتي فيقذفه في فم ابنه ، و تكون حياته بذلك .
فقلت لا والله لا أكون أعجز من الحمام ، و لا أدع ابني يذوق كأس الحِمام (بكسر الحاء : الموت) .
ثم مضيت و أتيته بجوز و لوز ، فجعلته في فمر و نفثته في فمه فرادى و أزواجاً حتى امتلا جوفه ، و صار فمه لا يسع شيئأ و الجوز و اللوز يتناثران من أشداقه .
فسررت به و قلت :
لعله استراح !
ثم نظرت إليه فإذا هو قد مات
فحسدته على ذلك ، و قلت : يا بني ، إنه قد انحط سعد أمك ، و ارتفع سعدك ، لأنها ماتت جوعاً و مت أنت شبعاً ، و تركتهما لآتيهما بالكفن و الحنوط ، و لما رجعت لم أعرف طريق المنزل !
و ها أنا في طلبه إلى الآن