أميرة السكّر.. قصص للأطفال تحمل البهجة والمتعة والسعادة!
نزار نجار
ثقافة
الثلاثاء: 1-9-2009
في مجموعة ( أميرة السكر) لنجيب كيالي عشر قصص موجهة للأطفال , تجمع بين الواقع والخيال, تتخير المواقف والشخصيات من الإنسان والحيوان, وتحقّق المتعة والفائدة في موضوعاتها المتعددة.
ففي قصة ( أميرة السكر) تقف الدمى وقد شعرت بالغيظ أمام الدمية الجديدة التي دخلت دكان بائع الألعاب, يكاد النمر أن يُجنّ لأنها احتلت مكاناً فوق الرف مميزاً, فهل هي أحسن منا؟ .. هكذا يقول النمر.. ويجري حوار بين الدبّ الساخر والببغاء, فالدمية الجديدة بثوب أبيض, وبقية الدمى بهتت ألوانها وصارت قديمة, والأطفال كل الأطفال تعلقوا بالدمية الجديدة, التي لاتكف عن الابتسام وكل خمس دقائق تمد يدها إلى الأمام وترمي بسكرة!!
ثم يكتشف الجميع أن للأميرة قصة مؤثرة, كان أبوها حاكماً لمدينة وراء البحر, كان ظالماً وهي ( لؤلؤة) لاتشبه أباها, بل تشبه أمها الطيبة, وقد ثار أهل المدينة وقتلوه, فصارت أميرة في مكانه, ولما طالبتها أمّها بالثأر , قالت:
ـ طبعاً, سأثأر!!
خاف الناس من الأميرة التي أحبوها, لكنها أمرت الجنود أن ينصبوا المدافع!!
ثم.. انفجرت الطلقات في المدينة.. صاح الناس المختبئون:
ـ السماء تمطر.. حلوى! السماء تمطر.. سكاكر!
لقد انتقمت الأميرة!!
وهتف الناس:
ـ عاشت لؤلؤة .. عاشت أميرة السكر!
وحين سألتها أمها:
ـ لماذا لم تنتقمي لماذا لم تثأري لأبيك يالؤلؤة!
قالت لؤلؤة :
ـ لقد فعلت.. قتلت الحقد في القلوب وزرعت مكانه الحبّ!..
وهذه حكاية أميرة السكر..
لقد اندغمت في القصة الدمية مع الأميرة, صارتا شيئاً واحداً, أميرة السكّر تحولت من أميرة حقيقية إلى دمية في دكان الألعاب, لكنها لاتزال تمنح الحبّ للأطفال والناس جميعاً !!
والأطفال يحبّون هذا النوع, هذا النموذج المثالي, وهو مرغوب لديهم ومطلوب, يحبّون نموذج الطفل العطوف, الاجتماعي الذي يحبّ الآخرين ويتفانى من أجلهم!..
صارت أميرة السكر فتاة صغيرة مفيدة, تقوم بأعمال خارقة, تحوّلت من أميرة من لحم ودم, أميرة مضحية ومحبّة وتؤثر غيرها على نفسها , صارت دمية في دكان الألعاب مع بقية الدمى, لكنها بقيت على عطائها وإيثارها وتقديمها قطعة السكر لكل الأطفال بل لكل الناس!!
والكاتب ينتصر للأنثى في أكثر من قصّة في هذه المجموعة, ينتصر لها في قصة (الثوب الذي تحبّه الفراشات), جعل البنت السمراء (لينة) بطلة كما فعل مع أميرة, وهذه البنت اللطيفة تطرز كل يوم القماش, وهي ترقص وتغني, لأنها تحب عملها, وهي بنت منتجة, تتقن تطريزها غاية الإتقان, والناس يُدهشون وهم يرون أجمل الفراشات تحطّ على ثوبها, بل كلّ الفراشات تحفّ بها وتتعلّق بثوبها..
تقول الملكة:
غير معقول, اقتربي لأنظر إلى أناملك!
ثم ترددّ:
أنامل عادية, بل إنها نحيلة جداً!
وتوضح البنت (لينة) أنّ المهارة في حركة الأنامل التي تبدع لافي ضخامتها!
وبعد الاختبار تنجح البنت السمراء ثم تصير أميرة على سوق القماش!
وليت الكاتب عمق هذه الدلالات في قصصه, غير أنه ترك هذا المنحى, واختط طريقاً مغايرة في بقية القصص, فكأنما تغليب الذكورة على الأنوثة هو الشائع دائماً في المجتمع, ونزعة التفوق والقيادة لابد أن ترسخ عند الأطفال الذكور!..
يطرح الكاتب في قصة ( الأنف الذي سافر إلى الصين) أمراً في غاية الأهمية, هناك مسألة الطفل المشكل, الطفل شديد الاختلاف عن رفاقه,إما على صعيد الذكاء أو غيره من نواحي الشخصية ومميزاتها عن الأولاد الأسوياء.. والطفل هنا يتطلب معاملة خاصة, يتطلب عناية فائقة, بل يحتاج إلى من يرشده دائماً, لقد وجد الطفل أن أنف المعلم أنف مضحك للغاية.. وأنه في غير موضعه, وأنه يدعو إلى السخرية, ويسرح في مخيلته .. ويسافر معه إلى الصين!.. ثم تتكشف القصة عن أن الأمر كله لايدعو إلى السخرية, بل الأنف مفخرة, ورمز للصمود ومقاومة العدو!..
( لست أدري, كيف انسجم ذلك مع بداية القصة...؟ فالروح المرحة التي طالعنا الطفل بها, اختفت فجأة.. والخيال المنطلق حُبس في قمقم من الوطنية وهموم القضية, هل يريد الكاتب أن يُعيد إلى الذهن أنّ الطفولة بحاجة إلى أن ترتبط بالقضايا المصيرية الكبرى ( قضية فلسطين وسواها)....!؟
فبداية القصة رشيقة مرحة, ونهايتها جادة متجهمة, ويخيل هنا للمتمعن أن الكاتب يستقي فكرته من عالم الكبار, أو أنه يفسر أفكار الكبار ويطوعها , ليكتب قصة موجهة إلى الأطفال, وقد تجلّى ذلك في قصة ( المجنونة) وهي ليست بقصة على النموذج الأمثل, وقصة ( سامحك الله ياجدي) التي تسخر من الموت, وتقول إن المسنين يكرهون الفرح, ولايحبون الثياب الجديدة, وهم متمسكون بكل شيء قديم, ثم نفاجأ بوصية الجدّ المتوفى, وهو يطلب من نعيم أن يفرح بالعيد!!
أما قصة ( الحمار العجوز) ففيها تتجلى أنانية الإنسان في شخص (سلطان) أمام تضحية الحمار وتفانيه وإخلاصه (سلطان) قابل ذلك بالجمود والنكران, وقد انتصرت القصة للحمار, وأظهرت شماتتها بما آل إليه سلطان!
في قصّة ( الدراجة) هناك رامي الذي يحلم بأن تكون له دراجة مثل رفيقه في المدرسة, وأبو رامي لا يملك ثمنها, لكنه حل المشكلة ( بعد المواقف والأحلام والأمنيات) بأن صنع مع رامي دراجة محلية! كأنه يقول: من الممكن أن نحقق ما نتمنى بقليل من الصبر والعمل!..
بقيت في المجموعة قصتان : أعواد البابونج, وكيف تحول النمر إلى قطّ ؟ .. في الأولى : هناك ثلاثة فراخ من الحمام على السطح, وسميحة التي انكسرت رجلها وهي تُعنى بهم, صارت أمَّهم, والمعلّم زوج سميحة صار أباهم, والذي أعرفه أنّ الحمائم والطيور لا تتخلى عن فراخها!
وفي الثانية:
صار النمر يأكل ما تطعمه الطفلة الحلوة على الرغم من أنه يحلم أيضاً بأكلها والتهامها, لكنه استأنس إليها وتحوّل حلمه البغيض إلى محبّة ولطف ورقة, وقد أحبّ بعدئذ نمرة وخلف نموراً صغيرة, سماهم الناس قططاً !..
قصّة مركبة تضع عالم المحبة والرقة أمام عالم الشراسة والعنف وتنتصر عليه, ولكن هل صحيح أن النمور تتخلى عن طبيعتها...؟ وأن من تطبع بالقتل يُستأنس!
إن قصص ( أميرة السكر) ترسخ مقولات هامة وتسعى إلى أن ترسم للأطفال ألواناً زاهية من الحياة, وتنشغل بكل ماهو مفيد وممتع, وتمنح للخيال الطفلي فضاء متسعاً مثيراً وموحياً, يحمل البهجة والمرح والسعادة..
الكتاب: أميرة السكر
المؤلف: نجيب كيالي