إنّ الشعور بالذات وبالمسؤولية عن تحقيقها متجذرٌ في أعماق كل طفل.
فلكلّ طفل ذاتُه المستقلة , وملامحه الشخصية والنفسية المتفرّدة، فهو ليس رقما من الأرقام .
والأبُ الواعي يحترم خصوصيّة ولده, فقـد خُلق لزمنٍ غير زمنـه. روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (( الناسُ بأزمانِهم أشبهُ منهم بآبائِهم )) (1) .
و لتنمية هذه المسؤولية علينا أن نعلم أطفالنا العزيمة والصبر والإنجاز , فالطفلُ لن يحقق ذاته مالم ترسخْ في عالم الصّبر جذورُه , ولن تتربّى مواهبُه إلا على ضفافِ الصّبر الجميل..
وبتربية المسؤولية عند الطفل , يستطيع أن يسير على قدميه, لا على أقدام الآخرين .
والمربّي الناجحُ لا يسلب طفله مسؤوليّاته بل يكلِّفُه بها, ويعينه على إنجازها . صانعاً له بذلك نجاحاً صغيراً يقوده إلى نجاح كبير.
وليحذر الأب أن يكلّف ولده بما ينوءُ به ظهرهُ الصغير, أو بما لا يفهمه عقله الغرير .
يقول الإمام جمالُ الدّين القاسميّ : (( لا تأمرْ ولدكَ بشيء دون أن تذكر حكمة ما تطلبه منه )) (2) .
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم, يعامل الطفل باحترامٍ لذاته ولإرادته..
فقد (( أُتي النبي يوماً بشراب, فشرب منه, وعن يمينه غلام , وعن يساره كبار الصحابة.
فقال للغلام: أتأذنُ لي أن أُعطيَ هؤلاء ؟
فقال الغلام: لا, والله يا رسول الله, لا أُؤثر بنصيبي منك أحداً!..
فتَلَّه النبي صلى الله عليه وسلم في يَده ))(3)!.
فانظر إلى هذا الطفل المبارك الذي لم يؤثرْ بمكانه من رسول الله أحداً, كيف لم يؤثر أيضاً بنصيبه من بركة ثغر النّبوة أحداً ! وقد قَبل النبي رفضه, ولم يغالب إرادته, بل سُرَّ به .
وبهذا الجواب الكبير أثبت الطفل الصغير أنـه أهل لأن يجلسَ عن يمين الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا نموذجٌ لطفل التربية الإسلامية, الذي ينطوي على رجولة واعدة, على حين نرى أنّ الرجل الذي لم يُربّ في محضن الإسلام , كيف يتصرّف في المحن كالأطفال, وإن كان يفتقرُ إلى براءة الأطفال!!.
ومن أهم جوانب المسؤولية الواجب تربيتُها عند الطفل, مسؤوليتُه تجاه مجتمعه وأُمتّه, وتجاه الإنسانية كلها.
يقول (( العقاد )) رحمه الله : (( إنسانٌ نجاحُه نجاحُ فَرد, وإنسانٌ نجاحهُ نجاحُ أمة )) !.
فعلى الأب أن يَغرسَ في ولده هذا الشعار : (( أنا لأُمتي, وأُمتّي لي )) وهذا الشعار : (( سعادتي في إسعاد الناس )).
يقول د. عبد الكريم بكار : (( إنّ الذين يستحقون الاحترام, هم أولئك الذين تجاوزوا عقبة نفسي نفسي إلى حمل هموم الآخرين )) (4) .
ومن أسفٍ أنّ المربّين لا يولون هذه الناحية الاهتمام الكافي.
فقد رُبِّينا على أنّ (( فرضَ العين )) هو أهمُّ من (( فرض الكفاية )) مع أنّ الأول يتعلق بالفرد, والثاني يتعلق بالأمّة !. وكلاهما يَحرُم التهاون به.
وربيّنا على الفردية والنفعية, وعلى النفور من العمل المؤسّسي, ناسين أن الفرقَ بين قوّةِ الحجر وقبضةِ الرّمل هو في علاقة الحبّ والتعاون بين ذرات الحجر .
يقول الدكتور أمين المصري : (( يشهدُ الطّفل ما تعانيه أمه لأن ولدَها لم ينجح في الامتحان, لكنّه لا يسمعُ في عمره كلمة حُزنٍ على هذه الأُمّة )) (5) .
فأين الأبُ الصالح الذي يربّي أبناءه على تحمُّل مسؤولية الخير, كما يتحمّل السّحاب مسؤولية المطر ؟!..