تل النبي "مندو" بحمص يحتضن "قادش" الأسطورة الحقيقية.
أنت في رحم "حمص" حيث تحتضن آثارها أنت إذاً حيث للتاريخ صوت.. أي حجر فيها، أي ذرة من ترابها تجد ألف تاريخ يتكلم، ومنها "تل النبي مندو"، بل موقع "مدينة قادش القديمة" التي عرفت عبر العصور.
منظر عام لتل قادش (تل النبي مند)
ذُكرت قادش في ألواح تل العمارنة الفخارية، في زمن الإمبراطورية المصرية الحديثة في عصر رمسيس الثاني تحت اسم مدينة قادش، وكان لهذه المدينة أهميتها في العصر الآرامي،كما ازدهرت في العصر الروماني تحت اسم (لاوديسا).
وذكرت لدى الفرنجة باسم قادس Chades, فتحها الرومان وأسموها لاذقية لبنانLaodicea ad Libanum ثم أصبحت أسقفية تابعة لدمشق.
تقع "قادش" على بعد30 كم جنوب غربي "حمص" فوق تل اصطناعي جرت قربه معركة "قادش" الشهيرة بين "رمسيس الثاني" فرعون مصر وبين "الحثيين"، وفي المنطقة كثير من الآثار "الحثية والرومانية والفرعونية المصرية" تدل على ذلك.
حاول الحثيون خداع رمسيس, فأرسلوا اثنين من البدو بقصص كاذبة حول جيش الأعداء وحلفائه مدعين أنهم لايزالون بعيدين جدا قرب حلب في شمال الشام, وواقع الأمر أن العدو كان مختبئا على الجانب الآخر من النهر, ليس بعيدا من معسكر الملك. لكن الجنود المصريين أمسكوا بجاسوسين من الحيثيين وأوسعوهما ضربا إلى أن أقرا بأن جيش الحيثيين مختبئ قريبا من قادش، وأنه متأهب للهجوم , وبالفعل قاموا بمحاصرة المخيم وبمباغتة الملك وحرسه الشخصي.
"قادش" المطلة على ربوة عالية، الواقعة بين "نهر العاصي" وبين رافد آخر يجري من الغرب ويصب في "نهر العاصي" نفسه شمال غربي المدينة
كان أهالي المدينة في ذلك الزمن البعيد، قد شقوا قناة صناعية عرضية من ذلك الرافد لتصب في النهر جنوبي المدينة، ولتتحول "قادش" إلى جزيرة محمية يصعب اقتحامها، وكانت المدينة تستمد أهميتها السياسية والاستراتيجية أيضاً لكونها متاخمة لإقليم البقاع، لذلك كانت المعبر بين الشمال والجنوب.
هذا التل من أهم المواقع الأثرية القديمة في القطر العربي السوري، فهو يضم آثار عدة حضارات متعاقبة، يعود أقدم ما اكتشف منها حتى الآن إلى الألف الرابعة قبل الميلاد، حيث ورد ذكره في مراسلات "تل العمارنة" في زمن الإمبراطورية المصرية الحديثة في "عصر رمسيس الثاني" تحت اسم مدينة "قادش"، وكان لهذه المدينة أهميتها في العصر الآرامي، كما ازدهرت في العصر الروماني تحت اسم "لاوديسا".
معركة قادش تاريخياً:
في بداية القرن 14ق.م تقدم "الحثيون" من الشمال لاحتلال سورية بقيادة "شوبيلو ليوماش"، فخضعت له جميع المناطق من "الفرات" إلى البحر ووصل إلى "قادش" التي كانت أقصى حدود سلطة مصر، "قادش" أو "تل النبي مندو" كانت مملكة مستقلة، ولأن "الحثيين" لم يستطيعوا الاستقرار في سورية بسبب حروبهم مع "الميتانيين"، عادوا إلى سورية في حرب ثانية للسيطرة على "الميتانيين" ولوضع حد نهائي لتدخلهم في سورية وكان لهم النصر وأصبحت "قادش" بذلك تحت سيطرة "الحثيين".
كانت "مصر" آنذاك تحت حكم "سيتي الأول" الذي قاتل "الحثيين" لوقف توسع نفوذهم، وأكمل ابنه "رمسيس الثاني" الذي استلم الحكم سنة 1290ق.م الحرب ضد "مواتاليش" ملك "الحثيين" في "قادش"، على الرافد الغربي للعاصي في "تل النبي مندو" نصب "رمسيس الثاني" وحاشيته وفرقة آمون المصاحبة له معسكرهم، لقد تصور القائد الشاب آنذاك أن باستطاعته حصار "قادش"..
على هذه الأرض جرت معركة قادش
تمثال عثر عليه يقال أنه لملك الحثيين
ملك الحثيين "مواتاليش" الحكيم الذي أفنى أموال خزائنه في التجييش لمعركة "قادش"، رأى أن الطرق الدبلوماسية هي خير وسيلة وحل، فبادر إلى إرسال وفد للفرعون حاملاً مقترحات الصلح بعد تهنئة "رمسيس الثاني" على بسالته، ومختتماً الرسالة بقوله: «إن السلام أفضل من الحرب!»
وجمع "رمسيس الثاني" مستشاريه، ليأخذ رأيهم، فأيدوه على إيقاف القتال لكن دون أن يعطي عهدا بأن يترك "قادش" للأبد.
وفي العام الحادي والعشرين من حكم "رمسيس الثاني" (1259 قبل الميلاد) تم إبرام معاهدة سلام بين غريمي "قادش" ليوضع حد لصراع دام قرناً كاملاً حول المدينة، تعهداً فيه بوقف القتال نهائياً وعدم اعتداء طرف على أراضي الآخر وترسيم الحدود وأن تظل قادش مركز الحد الفاصل بين المملكتين "الفرعونية والحثية".
ومازال العاصي يروي قادش
عرفت معركة "قادش" التاريخية أكثر من غيرها، كما كتب ورسم عنها في حينها، ومن الرسوم المنقوشة ما نراه في معبد الأقصر على البوابة الكبرى الخاصة "برمسيس الثاني"، وعلى الحائطين الجنوبي والجنوبي
الشرقي للردهة، وكذلك على الحائط الغربي من الخارج لردهة "أمنحوتب الثالث".
في معبد "الكرنك"، نقشت لوحة "قادش" على الحائط الخارجي لردهة العمد الكبرى، وعلى الحائط الخارجي بين البوابتين التاسعة والعاشرة.
وفي معبد "الرامسيوم" نقشت هذه المعركة على البوابة الثانية، ما يؤكد أهمية هذه المعركة التاريخية آنذاك، واستمرار هذه الأهمية لكون هذه الأرض الحمصية شهدت شكلاً من أشكال إبرام معاهدات السلام بين مملكتين عظيمتي الشأن.