ظاهرة السرقة لا تقل خطرًا عن الكذب وهي متفشية في البيئات المتخلفة التي لم تتخلق بأخلاق الإسلام، ولم تتربَّ على مبادئ التربية والإيمان.
يسرق الطفل في الغالب لأنه لم يتلق منذ الصغر التدريب اللازم لاحترام ملكية الآخرين. فإن الأسر الواعية عليها منذ البداية تعليم أطفالها تجنب السرقة والتزام الأمانة في التعامل مع الآخرين كما يتعلم المشي والكلام.
لا يمكن النظر إلى السرقة كحادثة مستقلة منفصلة صادرة عن الفرد بل هي سلوك صادر عن الفرد يؤدي وظيفة معينة، لهذا فإن عوامل عديدة تكمن وراء هذه المشكلة يصعب تحديدها بالدقة التي يتصورها البعض نظرا لتعدد الحاجات والرغبات التي تلح على الأطفال وتدفعهم إلى القيام بهذا السلوك الشاذ.
ومن هذه العوامل والدوافع التي تسهم في جعل الطفل يسرق:
سوء التربية الأسرية: التي لم تعوّد الطفل على احترام ملكية الآخرين أو تخليصه من الأنانية الزائدة التي تدفعه إلى محاولة الاستحواذ على كل الأشياء لنفسه حتى ولو كانت مملوكة لغيره.
حب التملك: وهو امتلاك شيء لا يخصه، أن يكون لدى الطفل نقص في أي شيء ويضطر للسرقة لتعويض ذلك النقص. لسد حاجة ضرورية أو إشباع ميل أو هواية من المتعذر تحقيقها لمن لا يملك نفقاتها إلا بالسرقة.
إن العلاقة السيئة بين الطفل ووالديه نتيجة عدم إشباع حاجته من الحب والعطف والحنان، أو لتعرضه للعقوبة القاسية، تدفع الطفل إلى السرقة ليكسب ما فقده في الأسرة من جهة، ومن جهة أخرى للانتقام من والديه بسبب القسوة التي تعرض لها. ليلفت انتباه الوالدين إليه كأسلوب لاشعوري لإشباع حاجته إلى الأمن حيث يشعر بأنه مهدد، أو كأسلوب للحصول على بديل مادي عن حنان الوالدين المفقود.
مشكلة السرقة عند بعض الأطفال تتكون نتيجة مرافقتهم لأصحاب السوء، وبالتالي فهم يريدون أن يثبتوا أنهم أقوى وقادرون على أي شيء؛ وقد يسرق الطفل رغبةً في تقليد تلك الصحبة أو والده أو أخيه إذا كانوا يمارسون ذلك السلوك الخاطئ.
وقد يسرق الطفل تقليدا لبعض الزملاء في المدرسة بدون أن يفهم عاقبة ما يفعل... أو لأنه نشأ في بيئة إجرامية عوّدته على السرقة والاعتداء على ملكية الغير وتشعره السرقة بنوع من القوة والانتصار وتقدير الذات... وهذا السلوك ينطوي على سلوك إجرامي في الكبر لأن البيئة أصلا بيئة غير سوية.
تأثر الأطفال ببعض الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية التي تظهر اللص بمظهر البطل الذي يتمتع بالجاه والسلطة والقوة.
الأطفال من الطبقات الدنيا قد يتجهون للسرقة من أجل تعويض ما ينقصهم وبسبب فقرهم.
السرقة حبًّا في المغامرة والاستطلاع، ليس بسبب الحرمان وإنما لاكتشاف النتيجة وراء هذا العمل بالمخاطرة وروح المغامرة أو التجربة فقط.
قد تتفاعل الدوافع النفسية مع عوامل أخرى كالعوامل البيئية فتكون السرقة جزءا من حالة نفسية أو مرضية يعاني منها الطفل، وتظهر بشكل اضطراب سلوكي مثير ناتج عن صراعات مرضية شاذة في نفس الطفل لا يمكن معرفتها إلا بعرض الطفل على إخصائي نفسي.
قد يسرق الطفل نتيجة لتصوره أن الحياة عبارة عن أخذ فقط دون عطاء.
السرقة للتخلص من مأزق: إن الخوف من العقاب يعرض الطفل للسرقة كأن يفقد النقود التي معه أو لعبة تضيع منه فإنه يضطر إلى السرقة للتعويض عما فقده حتى لا يتعرض للعقاب من والديه.
قد يدفع أحد الأبوين ابنهم للسرقة بدون قصد، كأن تقول الأم لابنها: اذهب وخذ قلمًا من أخيك قبل أن يأتي، أو يطلب الأخ الكبير من أخيه أن يأخذ بعض المال من حقيبة الأم دون أن تعلم. كل هذا يُعلّم الطفل السرقة دون قصد منهم.
قد ينشأ الطفل في بيئة إجرامية تعوده على السرقة والاعتداء على ملكية الآخرين، فمن القبح أن يجد الولد من أحد أبويه من يدفعه للسرقة، ويشجعه عليها.. فإن الولد سيكون بلا شك عريقًا في الإجرام، متماديًا في الانحراف واللصوصية... فالسرقة كسلوك جانح نجده كثيرًا عند المراهقين وليس عند الطفل الصغير.
قال الشاعر:
وينشأ ناشئ الفتيان منا
على ما كان عوَّده أبوه
يبحث المراهق عن الفائدة المادية من وراء سلوكه ولا يكون لديه إحساس بالذنب بعد ارتكاب السرقة (مثل: سرقة السيارات، والمنازل... وغيرها).
السرقة والابتزاز بالترهيب والعنف، تعتبر من أسوأ أنواع السرقة، فهي ظاهرة منتشرة بين طلاب المدارس للأسف الشديد والنوادي الرياضية. وتظهر بسيطرة الكبار على الأصغر سنًا، مثل (سآخذ منك الأقلام وإذا تكلمت سأضربك) أو (أعطني ساعتك أو أكسر رجلك).
علاج السرقة:
- إن الطفل الذي يمارس السرقة في المرحلة الثانية من عمره بالرغم من عيشه بين أبويه اللذين لا يبخلان عليه بما أمكن من الألعاب والأمور الخاصة به، إن طفلًا كهذا تسهل معالجته وتقويمه من خلال الوقاية من أسباب السرقة المتقدمة، إضافة إلى إشباع حاجته للحنان، والتأكيد على استقلاليته، ومساعدته على اختيار الأصدقاء.
- والوالدان يجب أن يتعاملا مع أبنائهما بعد بلوغهم الخامسة من العمر حين يمارسون السرقة بحزم وقوة، ولا نقصد بها القسوة والشدة، بل يكفي أن يفهم الطفل أن هذا العمل غير صحيح وغير مسموح به، ولا بُدَّ من إرجاع ما أخذه إلى أصحابه والاعتذار منهم.
- تعليم الطفل القيم والأخلاق الحميدة عامل هام لوقاية الطفل من السرقة؛ ومحاولة الأهل أن يوجهوا الأطفال للعادات الجيدة والابتعاد عن السلوكيات الخاطئة..
- تجنب إشعار الطفل بالإذلال والمهانة والمبادرة إلى تشجيعه على مواجهة المشكلة بصراحة وموضوعية وتفهم حتى يتغلب عليها.
- توجيه الأبناء إلى الأفلام التي يشاهدونها والروايات التي يقرءونها.
- يتوجب على الأهل خلق جو من التعاون بين الإخوة في البيت، ومنح الطفل الثقة والأمان للتعبير بحرية عما يريد.
- أن يكون الآباء والأمهات قدوة للأطفال في الأمانة والصدق والإخلاص؛ فالطفل يُقلّد من حوله ويستقي منهم خبراته. فعندما يدخل الوالد ومعه بعض أغراض المكتب مثل الأقلام والحاسبة والأوراق، فبالطبع سوف يقلده أبناؤه في ذلك وباعتقادهم أنه شيء عادي دون أن يدركوا أنها ورقة.
- ليس من الحكمة وضع الطفل في موقف المواجهة، بمعنى سؤاله عما إذا سرق أم لا؟
فهذه الطريقة تدفعه للكذب.. ولكن يفضل أن يقول له الأبوان أو أحدهما، إنهم يعرفون من أتى بهذا الشيء (الذي سرقه) ومطالبته برد هذا الشيء إلى أصحابه مع الاعتذار مضيفين أنهم غير راضين أبدًا عن هذا السلوك.
- الفهم: يجب علينا أن نفهم لماذا قام الطفل بذلك وما هي دوافعه، وذلك قد يكون مرجعه إلى الحرمان الاقتصادي بسبب نقص مادي يشعر به الطفل أو لمنافسة زملائه ممن يملكون النقود، وقد يكون السبب الحرمان العاطفي وذلك لشعور الطفل بالحرمان من الحنان والاهتمام ممن هم حوله، وقد يكون لعدم إدراك الطفل لمفهوم السرقة وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وبالتالي الفهم الصحيح للسبب يترتب عليه استنتاج الحل المناسب، فإذا كان الدافع اقتصاديا يتم تزويد الطفل بما يحتاجه من نقود وإفهامه بأن يطلب ما يحتاجه، أما إن كان الحرمان عاطفيًّا فيجب إظهار الاهتمام به وبحاجاته وقضاء الوقت الكافي معه، وقد يكون لعدم الإدراك وهنا يجب التوضيح للطفل ما تعني السرقة وما الفرق بينها وبين الاستعارة، وشرح القواعد التي تحكم الملكية له بأسلوب بسيط وتجنب العقاب حتى لا يترتب عليه الكذب.
- كذلك مساعدة الطفل على الشعور بالاندماج في جماعات سوية بعيدة عن الانحراف في المدرسة والنادي وفي المنزل والمجتمع بوجه عام.
بعد ذلك إذا استمر الطفل في عمليات السرقة يجب على الوالدين البحث عن أسباب قد يخفيها الطفل (مثل الشعور بالذنب، الخوف، رغبة اندفاعية يصعب عليه التحكم بها، فقدان الثقة في الذات، القلق، التوتر، أو الرغبة في أن يكون مثل الآخرين، أو الحاجة إلى الحب والحنان والعطف).
إذا تكرر ذلك رغم كل المحاولات السابق ذكرها، يجب ألا يتأخر الوالدان عند هذا الحد عن عرض الطفل على الطبيب النفسي قبل أن تلصق به صفة اللص الصغير.. بشكل ملحوظ أو كان سلوكه مصحوبًا بمجموعة أخرى من السلوك المرضي مثل الكذب والعدوانية مثلًا.