[rtl]الاديبة الخالدة خالدة أديب ... حديث وحوار
[/rtl]
[rtl]وحيدالدين بهاء الدين[/rtl]
[rtl]
[/rtl]
[rtl] قلما يشعر المرء في حياته بالسعادة .. السعادة المتوخاة من صميم القلب لا شيء سوى انها صعبة الادراك ؛ عسيرة المنال .. إنها لم تكن ثمرة في بستان الحياة يهون لكل من هب ودب قطفها ولم تكن زهرة يسهل شمها ولم تكن غنىً ولاجاها يبلغهما البعض كما يثوهم ولم تكن عزةً ولا صحةً يمكن التمتع بهما ولم تكن في تحصيل العلم ولا في إراحة الوجدان ولا في تحقيق الأماني كما يحلو لأناس أن يزعموا كذلك ؛ وانما هي عندي لحظة او لحظات خلاقة تجود بها الحياة على النفس الانسانية التي تسمو نتيجة لذلك عن الصغائر والتوافه وتتحرر من عضال الاوهام ؛ وأغلال الآلام تحرراً لا يعترف بقيود الزمان والمكان .. اذ تعتقد هذه النفس أنها ما شعرت في وقت من الاوقات بشعور كهذا الذي يغمرها ويتغلغل في زواياها ولا عرفت نشوة مطلقة تفوق نشوة تلك اللحظة التي انعتها بالسعادة او باسعد من السعادة .[/rtl]
[rtl] إذن فالسعادة لحظات تجود بها الحياة على الانسان او تخلقها له كما ينبغي فتضفي عليه ثوباً جديداً يتمثل في شخصية جديدة .. على أني برأيي متمسك حريص مع علمي أنه يخالف أراء غيري الى حدّ ما ؛ ومردُّهُ الى ان موضوع السعادة كموضوع الحرية والروح والجمال مثلاً شأئك المسالك ، تام التعقيد ؛ كان وما انفك يحظى بقسطٍ وافٍ من تفكير العلماء والباحثين .. ولا أعدو الحقيقة بأني تحسست بمثل هذه السعادة ؛ تسري بين جوانحي في احدى لحظات الحياة التي ابتسمت في وجهي ابتسامة رائعة كالبدر في ليلٍ ظلمته غامضة .[/rtl]
[rtl] ولربما يتعجل القارئ لكي يحتاط بلحظتي السعيدة علماً ويدرك سر أثرها في نفسي التي تهوى أن توجد لها جواً إنطلاقياً .. وللقارئ ملء الحق فيما يريد .. ولكن مهلاً ؟[/rtl]
[rtl] ذلك اني يممت شطر تركيا التي وثبت في سلم المدنية وثبة جبارة ؛ أكسبتها العالم أجمع بله إعجابه ؛ وكان من الضروري أن أقف على التيارات الفكرية والنهضة الثقافية التي تخرج اللاشيء من العدم الى حيز الوجود فتجعله شيئاً مذكوراً ..[/rtl]
[rtl] ولما كانت هذه النهضة لا تتمثل الا في ذوي الذهنيات الرفيعة ؛ والنفوس المنورة ؛ رغبتُ في ان اجتمع ببعض رجال الفكر واتحدث اليه ؛ لعلي أُشبعُ فهمي وأروي غليلي اللذين صاحباني منذ وطئت قدماتي ارض تركيا .. فقد زرت بعض هؤلاء الرجال إلا أن رغبة ملحة كانت تدفعني كي أقابل الكاتبة الشهيرة خالدة أديب ؛ التي تُعد بحق من الزمرة المفكرة .. ولكن كيف السبيل اليها ؛ فذهب بي التفكير مذاًهبَ شتى ؛ واخيراً هداني الى ان اتصل بها تلفونياً ؛ وهو خير السبل ..[/rtl]
[rtl]**************[/rtl]
[rtl] وذات يوم أدرت فرص التلفون ؛ أريد السيدة خالدة تمهيداً لتحديد موعد معها .. بعد قليل رُفعتْ السماعة ؛ فانساب من بين الاسلاك صوت هادئ استشعرني بالرقة واللطف ..[/rtl]
[rtl] في حي " لا للي " من أحياء استانبول : مدينة السلاطين ؛ وفي زقاق خزنه دار الذي يجاور فرن حسن باشا ؛ تقوم دار متواضعة ذات طابقين .. وتضم زوجين عركا الزمن وخاضا غمرة الحياة باعتداد واحتداد وادركا جوهر الحقائق برباطة الجأش .. زوجين هما الدكتور عدنان أديوار أحد اقطاب الفكر والسياسة في تركيا ؛ والسيدة خالدة اديب عميدة النهضة النسائية ورائدة الرواية التركية بلا منازع ..[/rtl]
[rtl] ففي الساعة الثالثة من عصر يوم تموزي ؛ كنت استحث خُطاي واستجمع قواي العقلية في هذا الحي القديم لادرك الدار وقد غمرتني سورة من التصورات الغريبة والانفعالات النفسية لاني سأجلس الى إمراة طبقت شهدتها الآفاق ؛ لم تنجب تركيا على وجه التحقيق مثلها ؛ ولان شاباً مثلي لايزال في منتصف العقد الثاني من عمره ينشد مقابلة سيدة عظيمة جاوزت من حياتها الحافلة العقد السابع .. كنت أتساءل في قرارة ذاتي عما سأقوله واسرده عن بلدي الحبيب : العراق وأدبه ورجاله ونسائه ؛ الى ان وصلت الى الدار ؛ وأنا مأخوذ بهيبة المقابلة[/rtl]
[rtl] غرفة احتوتني هي اية في البساطة والاناقة ؛ فالصور والمناظر المعلقة على الجدران توحي بالجمال المبدع والفن الخلاق والفكر المتفتق ؛ والبسط التركية المفروشة تسترعي الانتباه بشكل يدعو الى المقارنة بينها وبين البسط الايرانية المعروفة ، وترتيب الاثاث يالظلم والطغيان على الارتياح والاغتباط .[/rtl]
[rtl] وبينما أنا أجيل الطرف هنا وهناك ؛ اذا بسيدة متوسطة القامة .. مستديرة الوجه .. بيضاء الشعر .. صافية العينين .. نقية البشرة ؛ .. متزنة الخطوات ؛ تعلو ارنبة انفها نظارة طبية تدخل .. تلك هي البروفسور : خالدة أديب ..[/rtl]
[rtl] وخالدة اديب هي إمرأة لا كالنساء ؛ بلغت من المجد الأدبي والسياسي والتاريخي مالم تبلغه إمرأة تركية قبلها ؛ ولن تستطيع إمرأة ان تبلغه بعدها .. ولكي اتفادى اتهام القارئ اياي بالمبالغة ؛ حسبه علماً بان خالدة أديب بعد الحرب العالمية الاولى دعت الوطنيين للتحرر ؛ فتغنت بالحرية ونددت بالجمود ؛ لان في البلاد فوضى عمت طولاً وعرضاً استحفل الشر ؛ وبطش الخونة بالاحرار وشمتوا بهم ؛ ولما حاول الرجعيون من ذوى السلطات الزائل ؛ القبض عليها ولت هاربةً يصحبها زوجها الى الاناضول لتشارك الجيوش في حرب الاستقلال هذه التي حققت نصر تركيا المنشود مشاركةً فعليةً ؛ اذ عُينت نائبة عريف فعريفة فرئيسة عرفاء ؛ واستثارت همم الجنود والقواد واشاعت فيهم روح البسالة بخطبها التي وقعت منهم وقعاً عميقاً .. يكفي القارئ علماً ان خالدة اديب هي المرأة الاولى التي آزرت مصطفى كمال اتا تورك ؛ بقلبٍ مؤمن في بناء تركيا الحديثة ؛ ثم قامت بتدريس الأدب الانكليزي والتركي في الجامعات العالمية كانكلترا ؛ وكولومبيا ودلهي وحيدر آباد ولاهور واستانبول وغيرها كذلك ألقت سنة 1928 محاضرات قيمة في أمريكا عن الشعوب الاسلامية والمرأة .. وانتخبت نائبة في المجلس الوطني الكبير حيث اظهرت أهمية المرأة التركية بجرأة لا تعد لها جرأة ثمانية عشر كتاباً في مختلف الموضوعات كالقصة والرواية والادب والتاريخ وفلسفته ؛ وحسب القارئ علماً انها المرأة الشرقية الوحيدة التي استطاعت فهم الادب الانكليزي وخاصة ادب شكسبير فهماً علمياً وأنها المراة الوحيدة التي ترجمت اثارها الى سبع لغات مثل " سنكلي بقال " و " آتشدك كوملك " و " يني توران " و " داغا جيخان قورت " وغير ذلك ...[/rtl]
[rtl] بعد هذا كله اقول : اذا كانت في الشرق الاوسط إمراة تماثل خالدة أديب عظمة ومنزلة فهي لاكشمي بانديت نهرو ..[/rtl]
[rtl] لايحسني القارئ أني خرجت عن لب الموضوع ؛ وما كانت هذه اسطور الا تعريفاً بها ؛ واظهارها على حقيقتها كما ينبغي ..[/rtl]
[rtl] بعد ان صافحتني خالدة أديب في تلك الغرفة الانيقة ورحبت بي ؛ استوت قبالتي في احد المقاعد القريبة جالسةً .. فشرعتْ تسألني عن كل ما عنَّ لها من اسئلة خاصة وعامة ؛ تناولت الحياة الاجتماعية والأدبية في العراق وكركوك حتى أنها تطرقت الى التنوية بعائلة قيردار المعروفة .. في مدينتنا .[/rtl]
[rtl] ثم قمت بطريقة غير مباشرة ؛ آمطرها بوابل من الاسئلة وهي : هل كنت ذات علاقة باللغة العربية وأدبها ؟[/rtl]
[rtl] قالت : تعلمت في صغري تلاوة القران الكريم ؛ وليس لي أي اطلاع على الأدب العربي ..[/rtl]
[rtl] قلت : هل تعرفين ادباء العروبة وشعراءها ؟[/rtl]
[rtl] اجابت : لا اذكر من العراقيين الا جميل صدقي الزهاوي ؛ ومعروف الرصافي .. الا اني تعرفت الى بعض اللبنانين ممن يتمتعون بذهنيات عالية حينما كنت في انكلترا .. هذا واني سمعت مؤخراً بشاعر موهوب اسمه ابو القاسم الشابي اما عن مصر فلا اعرف من أدبائها أحداً ..[/rtl]
[rtl] من هنا ادركت ان جهد خالدة اديب ؛ اللغة العربية جعلها تبتعد عن دراسة الادب العربي وتقتصر تتبعاتها على الآداب الغربية والتركية : ثم اردفعت أسألها : مارأيك في المراة التركية .. قالت : إنها بخير ولها مستقبل ؛ بدليل ان في تركيا استاذات في الجامعة .. ونائبات في المجلس الوطني .. وموظفات في المناصب الراقية وعاملات في حقول الدولة العامة وكاتبات ومحررات وما إليهن ..[/rtl]
[rtl] وأردت ان القي عليها سؤالاً عاماً فقلت : هل في الامكان ان اعرف رأيك في مستقبل الشرق والغايات التي سيستهدفها ؟[/rtl]
[rtl] علقت فوراً : اعتذر عن الاجابة : ذلك لاني في الوقت الذي لا احب ان ياتي مرتجلاً ؛ ارى ان مثل هذا السؤال العويص يستوجب بحثاً وتأملاً مدةً من الزمن..[/rtl]
[rtl] الى ان ختمت اسئلتي بهذا : ما هي إتجاهات الأدب التركي الحديث ؟ كذلك قالت : اعتذر عن الاجابة ايضاً .. لان سؤالك يقضي الوقوف على مصادر ومراجع مما يأخذ وقتاً طويلاً[/rtl]