من بَخور المعابدِ في بابل الغابرهْ |
من ضجيج النواعيرِ في فَلَواتِ الجَنوبْ |
من هتافاتِ قُمْريّةٍ ساهرهْ |
وصدى الحاصدات يغنّين لحنَ الغروبْ |
ذلكَ الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوبْ |
لحياتي, لسمع السنينْ |
مُثخَنًا بعبيرِ مساءٍ حزينْ |
أثقلتهُ السنابِلُ بالأرَجِ النَّشْوانْ, |
بصدًى شاعريّ غريبْ |
من هُتافاتِ ضفدعةٍ في الدجى النعسان |
يملأُ الليلَ والغدْرانْ |
صوتُها المتراخي الرتيبْ |
** |
ذلك الصوتُ, صوتُكَ سوف يؤوب |
لحياتي, لسَمْع المساءْ |
سيؤوبُ وأسمعُ فيه غناءْ |
قمريَّ العُذوبةِ فيه صَدًى من ليالي المطر |
من هدوءِ غُصونِ الشجر |
وهي تمتصّ سَكْرى, رحيق السَّماءْ |
الرحيقَ الذي عطّرتْهُ الغيومْ |
بالرؤى, بتحايا النجومْ |
** |
سأجوبُ الوجودْ |
وسأجمَعُ ذرّاتِ صوتِكَ من كل نَبْعٍ بَرودْ |
من جبال الشِّمالْ |
حيث تهمسُ حتى الزنابقُ بالأُغنياتْ |
حيثُ يحكي الصنوبرُ للزَّمَنِ الجوّالْ |
قصصًا نابضاتْ |
بالشَّذى, قصصًا عن غرامِ الظِّلالْ |
بالسواقي, وعن أغنياتِ الذئابْ |
لمياهِ الينابيعِ في ظُلَلِ الغاباتْ |
عن وقَارِ المراعي وفلسفة الجَدْولِ المُنْسابْ |
عن خَروفٍ يُحسّ اكتِئابًا عميقْ |
ويُقضِّي النَّهارْ |
يقضِمُ العُشْبَ والأفكارْ |
مُغْرَقًا في ضَبابِ وجودٍ سحيقْ |
** |
وسأجمعُ ذرّاتِ صَوْتِك من ضَحِكاتِ النعيمْ |
في مساءٍ قديمْ |
من أماسيِّ دِجلةَ يُثْقلُ أجواءَهُ بالحنينْ |
مرحُ الساهرينْ |
يرشفونَ خرير المياهْ |
وهي تَرْطُمُ شاطئَهُمْ, وضياءُ القَمَرْ |
قَمَرِ الصيفِ يملأ جوّ المَساءِ صُوَرْ |
والنسيمُ يمرّ كلمس شِفاهْ |
من بلادٍ أُخَرْ |
ليلةٌ شهرزاديّةُ الأجواءْ |
في دجاها الحَنونْ |
كلّ شيءٍ يُحسّ ويحلُمُ حتى السكونْ |
ويهيم بحبِّ الضياءْ |
** |
وسأسمَع صوتَكَ حيثُ أكونْ |
في انفعال الطبيعةِ, في لَحَظاتِ الجنونْ |
حينَ تُثْقل رجعَ الرُّعودْ |
ألفُ أسطورةٍ عن شَبابِ الوجودْ |
عن عصورٍ تَلاَشَتْ وعن أُمَم لن تعودْ |
عن حكاياتِ صبيانِ (عادْ) |
لصبايا (ثمودْ) |
وأقاصيصَ غنَّتْ بها شهرزادْ |
ذلك الملكَ المجنونْ |
في ليالي الشتاءْ |
وسأسمَعُ صوتَكَ كلّ مَسَاءْ |
حين يغفو الضياءْ |
وتلوذُ المتاعبُ بالأحلامْ |
وينامُ الطموحُ تنامُ المُنَى والغَرَامْ |
وتنامُ الحياةُ, ويبقى الزَّمَانْ |
ساهرًا لا يَنَامْ |
مثل صوتك, ملء الدُّجَى الوَسنانْ |
صوتُكَ السهرانْ |
في حنيني العميق |
صوتك الأبديّ الذي لا يَنَامْ |
فهو يبقَى معي سهرانْ |
وأُحسّ صداهُ الملوّنَ يملأ كل طريقْ |
بالشَّذَى بندى الألوانْ |
صوتُكَ المجهولْ |
أنا أدركتُ - يا فرحتا - سرّهُ المَعْسُولْ |
أنا أدركتُهُ أنا وَحْدي وصمْتُ الزَّمَانْ |