من خصائص القيم الإسلامية.
القيمة الإسلامية الأولى : الربانية
القيم في الإسلام ربانية المنشأ ،أي أنها من عند الله سبحانه وتعالي ، فمصدرها الأول القرآن الكريم الذي قال الله عنه ( تَنـزيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) الواقعه 80
وهذه الخاصية من أعظم مزايا القيم الإسلاميه وخصائصها على الإطلاق ، بمعنى أن الوحي الإلهي هو الذي وضع أصولها، وحدد أساسياتها، التي لابد منها لبيان معالم القيم في الإسلام ، حتى تبدو متكاملة متماسكة متميزة عن غيرها في مخبرها ومظهرها ، فهي بكل خصائصا ومقوماتها مستمدة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فالواجب على الإنسان أن يتكيف معها ويطبقها في حياته ، وذلك لأنها توجه حركة الإنسان إلى خالقه ، وتحيل الأهداف الدنيا إلى وسائل لتحقيق هذه الغاية العظمى ، أي أن يكون الإنسان عبدا خالصا لله تعالى ، لا أحدا سواه .
لهذا كانت العبودية من قيم الإسلام العليا ، بل وروح الإسلام وجوهره وهو التوحيد .
فالقيم الإسلامية عندما تكون ربانية المصدر ،فإنها حينئذ تستقر في أعماق النفس فتحرر الإنسان من العبودية لأنانيته ، وشهوات نفسه ، ولذات حسه ، ومن الخضوع والاستسلام لمطالبه المادية ، ورغباته الشخصية .
فالقيم جديرة _ بحول الله تعالى _ أن تخلع عن الانسان نير العبودية والهوى والشهوات ، وترتفع وتسمو به إلى أفق أعلى ، أفق الانسانية المتحررة التي تتصرف بوعيها وإرادتها ، لا بوحي شهواتها وغريزتها الحيوانية .
ثم إن الاضطراب في مصدرية القيم يؤدي إلى اضطراب في فكر الإنسان وفي تصوره للأشياء وفي نفسيته ، وهذا ما يؤثر انقباضا نفسيا في إحساس الفرد ، أو انطلاقا مندفعا لا يحده ضابط قيمة . مما يزيد المسلم شعورا بنعمة الله تعالى التي وهبها إياه ، والتي منها القيم التي هي مصدر كل خير ، وهي جديرة بأن تبرز وتسود وذلك تلطفا ورحمة منه سبحانه بعبادة ، وعلى أساس هذه الخاصية تقوم الخصائص الأخرى .
ويترتب على أن القيم من عندالله تعالى عدة اعتبارات ،منها :
أ - أن القيم تتسم بالعدل :
وذلك أن أحكام الشريعة الاسلامية بكل ما تحويه من النقص والجور والهوى ،والعدل في الاسلام عدل مطلق في كل شئ في القول وفي العمل وفي النظر في الاشياء والحكم عليها وغير ذلك ،والناس في الإسلام سواسية لا فرق ولا عربي ولا أعجمي ، ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى ، فالقرآن والسنة النبوية حافلان بالآيات والأحاديث التي تحث على العدل والإنصاف والأمر به والإثابة عليه ، وبآيات وأحاديث أخرى تحرم الظلم وتنفر منه ،
قال تعالى ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) النساء 85
قال تعالى: ( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) المائدة 42
قال تعالى: ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ) النساء 135
وقوله صلى عليه وسلم عن ربه في الحديث القدسي ((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ))
ب - أن القيم تتصف بالقدسية :
القيم الاسلامية تحترم وتطاع طاعة اختيارية تنبع من ذات الفرد ، لأنها تقوم على الإيمان ، فكلما ، فكلما ازداد الفرد عمقا ورسوخا كملت أخلاقه وازداد تمسكا بقيمه ، ولذا فإن تمسك المسلم بقيم دينه دليل على إيمانه ، وهو مظهر تعبدي يرتضيه الله سبحانه وتعالى من عباده ، وما دام المؤمن في عمل يرتضيه الله فهو في عبادة ، وبه نحكم على السلوك الإنساني ونقيمه .
أما القوانين الوضعية التي لا تنبع من ذات الفرد فليس لها مثيل مثل هذا التقدير والاحترام والهيبة التي تتمتع بها القيم الإسلامية في نفوس المؤمنين .
ج - أن القيم الإسلامية تنال ثقة المسلم :
إذا علم الإنسان أن القيم مستمدة من كتب الله تبارك وتعالى فإن ذلك يؤدي إلى شعور عميق بالثقة الكاملة بتلك القيم وذلك لأن " هذا الكتاب محله ثقة الناس ، لأنه مبرأ من كل نقص أو هوى قد يصاحب العمل الإنساني أو يؤثر في الفكر البشري ، وبناءاً على ذلك فإن القيم الإسلامية في منأى عن المصالح الشخصية للإنسان ، كما أنها لا تخدم مصالح الأقوياء دون غيرهم كما هو الحال في القيم اليونانية القديمة ، ثم إن هذه النزعة الفطرية المتولدة عن الشعور بالثقة الكاملة بتلك القيم تدفع المرء إلى الإستقامة وحسن الخلق وهي نزعة لا تحتاج إلى محرك خارجي ، ولا إلى رقابة خارجية ، إذ السلطان على الفرد عندئذ هو الاعتقاد الذي يحمله بين جنبيه ، كما إن الثقة الكاملة بين الإنسان وما يجب عليه فعله ، حب صادق له ، ورغبة قوية فيه ، وحرص تام عليه ، وسعادة غامرة في أدائه ، وهي الأساس في تمسك المجتمع بالقيم وتعاون أفراده على اساسها ، وعلى هذا فإن انبثاق القيم الإسلامية من المنهج الإسلامي الرباني يعطينا مطلق الثقة الكاملة بها ويجعلها موضع الإيمان والتسليم
د- إن القيم الاسلامية تكتسب من الشريعة خاصية الخلود والحفظ والوضوح :
تكتسب القيم الاسلامية خاصية الخلود والحفظ من الشريعة الإسلامية ، لأن الاسلام هو الدين الباقي وهو وحده الدين المحفوظ الأصل ، فكل الكتب السماوية دخلها التحريف والتبديل ، كل سير الأنبياء السابقين وأقوالهم غيرمحفوظة بالضبط ، أما الاسلام فقد حفظ كتابه من كل ذلك ، فهو منذ نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يومنا هذا وإلى قيام الساعة محفوظ بحفظ الله له ، قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر 9 .
وكتاب الله تعالى يدعو إلى التمسك بالقيم في آيات كثيرة ، وكذلك سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن نصوصها واضحة جلية في الدعوة إلى القيم والتخلق بها ، حتى يخيل إلى قارئها بأنه يرى الرسول صلى الله عليه وسلم ماثلاص أمام عينيه يقول صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) وهذه الخاصية كان لما نتائج كبيرة في قوة هذه القيم ووضوحها وأثرها الفعال على المجتمعات الإسلامية
هـ - إن القيم ترتبط بالجزاء الدنيوي والأخروي :
إن غاية الشريعة الإسلامية هي الحصول على مرضاة الله تعالى ، وهو منتهى أمل كل إنسان ، وهي ما يسعى إليه ويكدح من أجله في حياته ، كما إن مقصود تلك القيم هو تنظيم حياة الناس واستقامتهم على شرع الله المطهر ، ولذ كان الوعد والوعيد ن والترغيب والترهيب من الله سبحانه وتعالى إلى الإلتزام بشرائع الاسلام وقيمه وما يترتب على ذلك من جزاء الدنيا والآخرة ، وفي هذا اختلاف عن الجزاء في القوانين الوضعية فهو دنيوي فقط ، ويرجع ذلك إلى أن القيم الإسلامية شاملة لجميع شئون الإنسان الخاصة والعامة ..
الخاصية الثانية : الشمول :
القيم في الإسلام لم تدع جانبا من جوانب ا لحياة الإنسانية بجميع مجالاتها الروحية أو الجسمية ، الدينية أو الدنيوية ، العقلية أو العاطفية ، الفردية أو الإجتماعية ، إلا رسمت له الطريق الأمثل للسلوك الرفيع ، فمنها ما يتعلق بالفرد في كافة جوانبه جسماً له ضروراته وحاجاته ، وعقلا له مواهبه وآفاقه ، ونفسا لها مشاعرها ودوافعها وأشواقها ، وما يتعلق بالأسرة كالعلاقة بين الزوجين والعلاقة بين الأبوين والأولاد والعلاقة بين الأقارب والأرحام ومنها ما يتعلق بالمجتمع في آدابه ومجاملاته وفي اقتصاده ومعاملاته وفي سياسته وحكمه ومنها ما يتعلق بغير العقلاء من الحيوان والطير ومنها ما يتعلق بالكون الكبير وقبل ذلك كله وفوق ذلك كله ما يتعلق بحق الخالق العظيم الذي منه كل النعم وله كامل الحمد سبحانه وتعالى ، وبهذا يتجلى شمول القيم الذي يجعل للقيم منهجا كاملاًيشمل جميع مظاهر النشاط الحيوي للفرد والمجتمع ، وجميع علاقات الإنسان وكافة جوانب ارتباطه بالحياة والأحياء ، ومن شول القيم دخولها في كل الجوانب الإنسانية فلكل جانب من الجوانب الإنسانية المختلفة الداخلية والخارجية قيم ، للفكر قيم ، وللأعتقاد قيم ، وللقلب قيم وللنفس قيم ، وللسلوك الظاهر قيم .
فمن قيم الفكر تحري الحقيقة بإنصاف وتجرد وحياد ، والصبر على التفكر والتدبر والبحث عن كل نافع مفيد من الأفكار والمعارف والعلوم والبعد عن سفاسف الأفكار وتوافهها وترك النقائص والرذائل التي يجب على الإنسان أن يجتنبها ليميز بالأرتقاء في سلم القيم الإسلامية الرفيعة .
ومن قيم الاعتقاد أن لا يسمح الإنسان لنفسه بأن يتبع الأوهام والظنون الضعيفة ليجعلها في معتقداته الثابتة الراسخة وأن لا يجعل معتقداته فريسة للتقليد الأعمى والضلالات الشائعة أو فريسة لما تمليه الأهواء والشهوات من أفكار ومذاهب وفريسة لما يمليه القادة المضلون والشياطين الموسون من النس والجن .
ومن قيم القلب حب الحق وحب الخير وكراهية الباطل وعدم حمل الأحقاد والضغائن .
ومن قيم النفس الصبر والعفة ومجانبة الحسد والترفع عن سفاسف الأمور والنظر إلى معاليها ، وعلو الهمة ، وجود النفس وتسامحها وعفوها عن أساءة المسئ إلى غير ذلك .
وقيم السلوك كثيرة وهي تعبير عما بداخل الإنسان من قيم ، ويقابلها نقائص ورذائل يطالب الإنسان باجتنابها والبعد عنها .
وبهذا يتبين شمول القيم لكل الجوانب الإنسانية المختلفة وصفة الشمول جعلت القيم ذات امتداد أفقي واسع شمل التصور الاعتقادي والمنهج التشريعي والسلوك الاجتماعي بشكل متوازن يتناسب مع حاجة الإنسان وطبيعة الحياة وهذا بدوره يحقق مجتمعا متسع الآفاق طموح التطلع نحو المستقبل .
الرئيسية
البوابة
التسجيل
دخول
