أول صيدلانية في سورية من حمص د. نجاح ساعاتي.
واحتفاءً بالمرأة السورية الرائدة نضيء على ترجمةٍ لرائدةٍ من رائدات سوريا، نجاح الساعاتي، أول صيدلانية في سوريا والوطن العربي. ولدت نجاح ساعاتي في مدينة حمص عام 1915، لأسرةٍ متقدمة، تقدّر العلم والثقافة؛ والدها أديب ساعاتي، صاحب جريدة فتى الشرق، التي أغلقها الفرنسيون بسبب المعارضة للاحتلال، كما أنشأ جريدة فتى العرب، التي كان مصيرها كمصير سابقتها؛ وهنا لابد أن نذكر أن حمص كانت تزخر بالمطبوعات في بداية القرن الماضي، أول صحيفة في المدينة عام 1909، وكانت ناطقة باسم طائفة "الروم الأرثوذكس"، أسسها المطران "أبي فانيوس"، وصار رئيس تحريرها بعد أن تبرع أحد المغتربين من الجالية الحمصية في البرازيل، وهو "بشارة المحرداوي"، بثمن المطبعة، لتكون أول مطبعة في "حمص" أيضاً.
درست المرحلة الابتدائية في مدرسة الروم الأرثوذكسية، وحصلت على شهادة السرتفيكا الفرنسية، ثم انتقلت إلى مدرسة الراهبات ونالت شهادة البروفيه الفرنسية، وكذلك البروفيه السورية، التي أُنشئت في تلك السنة؛ وبعدها انتقلت إلى مدرسة التجهيز للبنات في دمشق، ونالت شهادة البكالوريا علوم، والبكالوريا الثانية فلسفة.
انتسبت بعدها إلى جامعة دمشق لدراسة الصيدلة، الميدان الذي بقي حكراً على الرجال حتى الخامس عشر من تشرين الأول عام 1949. وفي حفل التخرج الذي جرى على مدرج الجامعة السورية آنذاك أعلن عريف الحفل عن أول فتاة صيدلانية سورية، فضجّ المدرج بالتصفيق وقوفاً، وفي اليوم التالي أشارت الصحف إلى أول فتاة تخترق حكر الرجال لمهنة الصيدلة؛ وباشرت عملها في صيدلية حملت اسمها. تقول ساعاتي عن تجربتها في الجامعة: "دخلت الجامعة السورية ودرست الصيدلة، وكم لاقيت من معارضة أعداء تطور المرأة أثناء دراستي، ثم عدت إلى حمص وافتتحت صيدلية النجاح، وكانت أول صيدلية تفتتحها امرأة في حمص، ولا تزال حتى اليوم تقدم الخدمات الصيدلانية للمرضى".
عام 1949 أيضاً انتسبتْ ساعاتي إلى الهلال الأحمر السوري، وانتُخبت عضواً في مكتبه الإداري ومسؤولة المحاسبة فيه، ومع تشكيل أول نقابة للصيادلة في حمص انتخبت عضواً ثم أميناً لسر النقابة؛ وفي عام 1955 مثلت سوريا في مؤتمر الطفولة وحماية المرأة الذي عقد في لوزان في سويسرا، وانتُخبت عضواً في لجنة الأمهات العالمية الدائمة.
كما كانت أول من حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي التي كانت منعطفاً هاماً في حياتها حوّلها من مجرد " تاء تأنيث ساكنة " إلى نموذج مثالي باهر للمرأة العصامية المكافحة القادرة على العطاء بلا حدود .
حضرت الكثير من مؤتمرات محو الأمية التي كانت تنظمها اليونسكو في مختلف البلدان العربية والأجنبية، كما حضرت مؤتمر الأمهات العالمي في لوزان بسويسرا عام 1955 الذي نظمه الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي وانتخبت عضواً في مجلسه
لم تتوقف ساعاتي عن النضال لقضايا الطفل والمرأة، إذ حضرت أكثر من خمسين مؤتمراً نسائياً ومختلطاً، "أنصار السلم واليونسكو والصيادلة في أوروبا وشمال إفريقيا، الدول العربية العراق ولبنان والأردن".
ومن بين هذه المؤتمرات تفتخر ساعاتي بتجربتها في مؤتمر هلسنكي عام 1969، الذي تقول عنه: "كان قد مضى على تأسيس الاتحاد النسائي السوري عامان فقط، وكان الاتحاد السوري عضواً ضيفاً، وعملتُ الكثير لإقناع العضوات فيه بحضور اللجان في المؤتمر، وعبثاً كان ذلك، فاتفقنا على تأسيس طاولة مستديرة لجمع رئاسات الوفود العربية، وكان عددها / 18 / دولة، واتفقنا على الالتزام بنهج معين تم تحديده من قبل الجميع ودافعنا عنه، ونجحنا رغم عدد الصهيونيات الكبير".
في الستينات من القرن الماضي كانت ساعاتي أول من حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد السياسي، وفي عام 1965 اختيرت عضواً في المجلس الوطني الموّسع لقيادة الثورة الذي أنشأ بعد انقلاب عام 1963، مع سبع نساء مثلن سورية، والذي دام ستة أشهر من أوائل أيلول إلى 23 شباط.
طوال عقود بقيت ساعاتي تناضل من أجل قضايا المرأة وقضايا الطفولة، ولم تنقطع صيدليتها الشهيرة في حمص عن تقديم المشورة والعلاج لأبناء المدينة.